من «خلية هامبورغ» إلى «شوف شوف حبيبي»: لماذا كل هذا الهوس العربي بالصورة ؟

TT

«يستطيع الناس أن يذهبوا ويشاهدو الفيلم»، هكذا وبكل بساطة تقرر مجموعة من 25 محاميا يونانيا، كانوا قد عزموا على مقاضاة أوليفر ستون على فيلمه الأخير «الاسكندر»، هذه المجموعة التي أخذت على عاتقها مهمة الدفاع عن شرف البطل الاغريقي الاسكندر العظيم، حين سمعت بأن أوليفر ستون قدمه في الفيلم كشاذ جنسيا، قررت بعد مشاهدة الفيلم تراجعها عن رفع الدعوى، وقررت كذلك بأن «الناس يستطيعون أن يذهبوا ويشاهدوا الفيلم»، في شكل مهين من أشكال الوصاية، لا يستطيع حتى البابا نفسه أن يصل إلى مثلها.

هذا النوع من السلوك ليس غريبا أبدا حين نتكلم عن ردود الفعل العربية تجاه أعمال سينمائية مشابهة. قبل أسبوعين قام مهرجان دبي السينمائي الدولي في دورته الأولى بعرض فيلمين من هذا النوع، الأول هو «خلية هامبورغ The Hamburg Cell»، والثاني هو الفيلم الهولندي «شوف شوف حبيبي»، ومن خلال الأسئلة والنقاشات التي دارت بعد عرض كل فيلم، يتضح جيدا كيف نسيء أحيانا فهم العمل السينمائي، والروائي بالذات، وعلاقة العمل بالفنان أو الفنانين خلفه، تماما كما فعلت مجموعة المحامين اليونانيين التي أرادت تكبيل عمل روائي مختلق لأنه غير دقيق تاريخيا.

فيلم «خلية هامبورغ» هو عمل تلفزيوني يحكي قصة تشكيل واستعدادات خلية هامبورغ الإرهابية، التي كانت لاعبا رئيسيا في أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ويركز العمل على عدة شخصيات، مثل: زياد جراح، ومحمد عطا، ورمزي بن الشيبة، ومروان الشيحي، وزكريا موسوي، وإخرج العمل البريطانية أنتونيا بيرد، وكتب النص الآيرلندي رونان بينيت. الفيلم يبدأ أحداثه مع بداية انخراط زياد جراح في المجموعة منذ منتصف التسعينات تقريبا وينتهي بركوب الطائرات في الحادي عشر من سبتمبر 2001. من بين كل هذه الشخصيات يركز الفيلم على شخصية زياد جراح (يلعب دوره كريم صالح) الذي كان حالة فريدة بين أعضاء الخلية، فقد كانت له صديقة من أصل تركي، كما أنه درس في مدرسة كاثوليكية في صغره، ويأتي من خلفية غير متدينة نسبيا. كما يتعرض الفيلم أيضا لشخصية محمد عطا (يلعب دوره كامل بطرس) وعلاقته بأبيه غير المستقرة.

الفيلم يتبع نوعا تلفزيونيا شائعا، فهو يقارب بين التوثيق والعمل الروائي أو ما يسمى بـ Docudrama، فهو يحاول جاهدا أن يلتزم بالحقائق الموثقة والمعروفة عن خلية هامبورغ وأعضائها، ولكنه في نفس الوقت يسمح لنفسه بشيء من الاستقراء حينما يتعلق الأمر بالتفاصيل والدوافع والعلاقات بين شخصياته، خاصة بين شخصية زياد جراح وصديقته التي تزوجها لاحقا، وبين محمد عطا وأبيه غير الراضي عن أدائه الأكاديمي، والذي يطالبه بأن يحصل على شهادة الدكتواره كما فعلت شقيقاته. كما أن الفيلم يأخذ طابع الإثارة والتشويق خاصة في مرحلة إعداد الخطة والدخول للولايات المتحدة الأمريكية. من هذا كله، ندرك بأن فيلم «خلية هامبورغ» لا يملك طموحا كبيرا حين يتعلق الأمر بمحاولة تفسير دوافع المختطفين أو فهم أحوالهم النفسية بعمق، فالفيلم في هذا المجال يكتفي بالحد الأدنى الذي يضمن له بمواصلة سرد أحداثه فقط. وهو لا يدعي على الإطلاق محاولة قراءة أحداث 11 سبتمبر وتحليلها بقدر ما يريد ترتيب أحداثها على الشاشة، وهو في هذا ينجح وبشكل معقول.

بعد أن شاهدت الفيلم الذي عرض ضمن مهرجان دبي السينمائي الدولي لأول مرة في الشرق الأوسط بقيت لمتابعة الأسئلة التي طرحت على منتجة الفيلم ديونا فولر والممثلين كريم صالح وكامل بطرس. وكما توقعت سلفا، فإن جزءا من الحضور كان يتساءل ويستنكر: لماذا أصر الفيلم على إظهار الشخصيات المسلمة الإرهابية فقط ؟ أين العدل في إظهار العرب والمسلمين كإرهابيين فقط ؟ لماذا لا توجد شخصيات مسلمة جيدة أو طيبة في هذا الفيلم؟ مثل هذه التساؤلات ليست جديدة، ولا أستبعد على الإطلاق أن تثار أكثر من مرة فيما لو تم عرض الفيلم تجاريا في البلاد العربية. (طبقا لكلام منتجة الفيلم ديونا فولر، فحتى الآن لم تتقدم أي جهة لتوزيعه أو عرضه تلفزيونيا في الشرق الأوسط). إنه هوس مزعج نملكه نحن العرب حين يتعلق الأمر بصورتنا في السينما العالمية عموما، إنه مزعج لأنه أولا: يتجاوز المنطق الفني الذي تقوم عليه العملية السينمائية، فكيف تطالب فيلما عن إرهابيين وعن عمليات إرهابية بأن يحشر بالقوة شخصيات طيبة ولطيفة حتى يصبح عادلا ومرضيا للجميع؟ وهو هوس مزعج ثانيا: لإن فيه الكثير من الأنانية حين يطالب الجميع ويهددهم أحيانا بان يلتزموا بتقديم صورة معينة ومقررة سلفا للشخصية العربية والمسلمة، وأخيرا، هو هوس مزعج لأنه أيضا يضيع علينا فرصة جيدة للإطلاع على وجهات نظر مختلفة، ومهما بلغت وجهات النظر هذه من التطرف أو التحيز، فهي في النهاية موجودة وستفيدنا كثيرا لمعرفة كيف ينظر العالم إلينا ولماذا ؟

هذا الاهتمام الطاغي لصورتنا وجدته مرة أخرى بعد عرض الفيلم الهولندي «شوف شوف حبيبي»، الذي أخرجه ألبرت تير هيردت، وشارك في كتابته والتمثيل فيه الشاب صاحب الأصول المغربية ميمون أويس، وهو كوميديا عن عائلة مغربية مهاجرة تحاول شق طريقها في هولندا. وبين الالتزام بالتقاليد العربية والاسلامية والاندماج في المجتمع الهولندي الحديث، يقدم الفيلم مواقف كوميدية رائعة ومعبرة، تعلق وبذكاء على طبيعة العقبات الحضارية التي تواجه المهاجرين العرب من أجل التأقلم مع مجتمع أوربي حديث وعملي مثل المجتمع الهولندي. الفيلم حقق نجاحا كبيرا في هولندا يشبه ما قدمته نيا فاردالس عن أسرتها اليونانية التي تعيش في أمريكا في فيلمها «زواجي اليوناني السمين الكبير» My Big Fat Greek Wedding. وفي حوار قصير مع هيرديت بعد عرض الفيلم قال إنه الآن يعد 13 حلقة تلفزيونية مأخوذة من الفيلم لصالح إحدى القنوات الهولندية، كما أنه يفكر جديا في جزء ثانٍ من الفيلم، وطبعا كان على هيرديت والممثل ميمون أويس الإجابة عن التساؤل الذي طرحه بعض الحضور عن الصورة السلبية والمضحكة التي يقدمها الفيلم عن المهاجرين العرب، وهنا نجدها فرصة للتعليق لكي نقول إن الكوميديا في حد ذاتها ليست سخرية أو تهكما، وإنما هي طريقة ممتازة لجعل الشخصيات أكثر جاذبية وإقبالا. الفيلم محاولة جديرة بالاحترام تهدف لتقديم الشخصية المغربية في هولندا كجزء من المجتمع الهولندي، وفرصة نجاح الفيلم والمسلسل بعده كفيلة بلا شك بتحقيق مثل هذا الهدف، خاصة بعد حادثة القتل المؤسفة التي راح ضحيتها المخرج الهولندي ثيو فان جوخ واتهم فيها شاب من أصل مغربي في شهر نوفمبر الماضي.

[email protected]