«السحلية» .. كوميديا إيرانية جريئة تتوغل في المحظور

TT

هناك أكثر من أمر يجعل من الفيلم الايراني «السحلية» واحدا من أهم الأفلام الايرانية مؤخرا وأكثرها إثارة.

ليس آخرها أنه أثار جدلا كبيرا وانتقادات عديدة من قبل صحف محافظة ومؤسسات دينية ورجال دين وتهديدات من قبل جماعات متشددة بمهاجمة دور العرض حين تم عرضه في الصالات السينمائية التي لم يدم فيها سوى بضعة اشهر تم سحبه فيما بعد ان حقق ارقاما قياسية في شباك التذاكر الايرانية وسط اقبال كبير وترحيب متسع من فئات المجتمع الايراني وكان الفيلم قد حصل على عدد من جوائز مهرجان طهران السينمائي، كما قرر القضاء الاميركي السماح بعرض الفيلم في أميركا بعد وقف عرضه في ايران ورفض الشكوى المقدمة من الموزع الايراني لمنع توزيع الفيلم خارج ايران.

كما ان الفيلم، على غير العادة فيما اشتهر من السينما الايرانية، يحمل قدرا كبيرا من الكوميديا الشعبية الجميلة والممتعة، كما يتجاوز الفيلم تلك القضايا البسيطة والهادئة أو حتى تلك المعقدة ليقدم رأيا جريئا واعادة في تشكيل العلاقات الفئوية في المجتمع وان بدا ظاهره فيلما كوميديا مرحا حيث يتوغل في احدى المناطق المحظورة على مستوى الفن والاعلام الايراني وهو ما يتعلق برجال الدين «الملالي» ومكانتهم الاجتماعية او محاولة تقييمهم وهذا تحديدا ما أدخله في جدل كبير واحتجاج شديد جعلت الامين العام للمجلس الاعلى للامن القومي حجة الاسلام حسن روحاني يعرب عن اسفه لانتاج وعرض هذا الفيلم قائلا: حتي في عهد الشاه الذي كان عدوا لعلماء الدين لم يتجرأ احد لانتاج فيلم مسيء كـ«السحلية».

وبالتالي فيمكن اعتبار هذا الفيلم اضافة مهمة في مسيرة السينما الايرانية وعملا فارقا في رؤاها المتعددة وأحد أكثر أفلامها شعبية في السنوات الأخيرة.

فيلم السحلية أو «مرمولاك» من اخراج كمال تبريزي في سابع عمل له لم يحقق فيها شهرة عالمية كما هو حال كبار المخرجين الايرانيين ومن كتابة بايمان قاسمخاني الذي كتب من قبل فلما جيدا «فتاة الحذاء الرياضي»، متعرضا لاحدى مشاكل الشباب الايراني وانتاج مانوشهر محمدي الذي يعتقد ان فيلمه هذا لا يهدف الى أي اساءة لرجال الدين وانه قام بعرض خاص للفيلم قبل توزيعه على اثنين من رجال الدين.

الفيلم يحكي قصة اللص «رضا» الملقب بالسحلية ربما لقدرته الفائقة على التسلق او مخادعته، حيث يتم القبض عليه متلبسا ويودع السجن بحكم مؤبد بدعوى السطو المسلح مما يجعله لا يجد وسيلة سوى الانتحار او التفكير بالهرب للخلاص من هذا الأمر ومن قسوة مدير السجن الذي يشكل احد وجوه السلطة ويعتقد انه قادر على معالجة الاشخاص او هدايتهم بطريق القوة.

تأتي الفرصة لرضا السحلية حينما يرقد اثر مشاجرة جريحا في المستشفى بجانب أحد رجال الدين الذي يقدمه الفيلم بوجه أكثر اشراقا وعطفا على الآخرين. وستظل كلمته «هناك اكثر من طريق الى الله بعدد هؤلاء البشر» هي محور مهم في فكرة الفيلم وحواراته واقتراح الوجه الأفضل للملالي كما هي رؤية الفيلم. يتمكن رضا من أخذ ملابس رجل الدين «الملا» ليهرب بها متجها الى احدى القرى الشمالية لكي يعبر الحدود هاربا الا ان الامور تجري بطريقة دراميتيكية مضحكة ليجد نفسه فجأة أماما وواعظا منتظرا في احدى قرى الشمال.

وتأتي المفارقة الكوميدية المستمرة في هذا التباين ما بين لص صاحب سوابق بلباس رجل دين في احدى القرى وهو لا يكاد يجيد الصلاة او غيرها من الذكر والتسابيح بل يتطور الامر لاعتباره رجلا مقدسا ومباركا يجول ليلا متنكرا لمساعدة الفقراء ومعالجا ومفتيا لكل المسائل ومصلحا اجتماعيا كذلك دون ان يكون لرضا أي تخطيط في هذا فهو بقدر ما يوفر له هذا الزي الحماية والاختباء وتبجيل الناس واحترامهم الذي لم يشعر به قط خلال حياته السابقة بقدر ما يورطه في تقديم صورة عن نفسه خلاف ما اعتادها وبعكس سجيتها. ومن هنا سيكون دور المخرج في تقديم نظرته تجاه احدى اهم فئات المجتمع ومحاولته اعادة تشكيل هذه العلاقة ما بين رجال الدين وبقية أفراد المجتمع. فهناك تلميحة سريعة تنبئ عن الاعتراض لهذا الدور المضخم للملالي الذي جعلهم كما يقول رضا «انهم يتحدثون في كل شيء» وهو يشاهد في التلفزيون احد الملالي متحدثا عن فلم المخرج الاميركي كوينتن تارنتينو«بلب فيكشن».

ثم سنرى ان هناك ايضا شيئا من الادانة للقسوة او الشدة التي ينتهجها الملالي في مستوى علاقتهم مع أفراد المجتمع معتمدين على سلطة متوسعة ومكانة شبه مقدسة تجعل من الصعب محاولة تخطئتهم او تقييمهم وهو ما يعتبره المخرج كمال تبريزي اشكالية كبرى في المجتمع الشيعي الايراني. واخيرا فان الفيلم سيشير بطريقة غير مباشرة الى ان هناك العديد من الحقائق المهمة في الحياة يمكن ادراكها دون تعقيد او وصاية من أحد وخاصة فيما يتعلق بعلاقة الانسان مع ربه وهو ما يدركه رضا بنفسه بكل ما يحمله من جهل وسذاجة وبساطة مستشهدا بما سمعه من الملا السابق «هناك اكثر من طريق للوصول الى الله» ومبشرا بها ايضا.

في النهاية فان هذا الفيلم هو من الأفلام النادرة التي تتعرض لهكذا قضايا بمثل هذا الذكاء والخفة في المجتمعات الاسلامية بكثير من الموضوعية والحياد وهذا ما يعطي الفيلم أهمية اخرى ويدفع لمثل هذا الاحتفاء به.