الفن في وجه الإرهاب

فهد الأسطاء

TT

يرى الدكتور عبد الله الغذامي في كتابه الأخير «الثقافة التلفزيونية»: «ان الصيغ التعبيرية في الثقافة البشرية مرت بأربع صيغ جذرية تمثل أربع مراحل مختلفة في التصور البشري وهي مرحلة الشفاهية ثم مرحلة التدوين وتتلوها مرحلة الكتابية وأخيرا مرحلة ثقافة الصورة» ثم يقول في موضع آخر «ما جرى في عصرنا هذا بعد اختراع السينما ان الصورة أخذت بعدا جديدا فهي صورة حية تتكلم وتتحرك وهذا تحول كبير في ثقافة الصورة يجعلها تختلف حتى عن الكلمة المكتوبة....ومن هنا تفترق الصورة السينمائية بأنها حيوان ناطق ومتحرك فعلا ولا تختلف عن الانسان الحيوان الناطق وهذا أعطاها فعلا تأثيريا اضافيا».

فلم تعد اذا «الصورة المتحركة» وسيلة ترفيهية فحسب وانما تجاوزت ذلك لتشكل تأثيرا كبيرا على المتلقي اكثر مما يمكن ان تؤثر به وسيلة موجهة اخرى.

وعندما اعلن العام الماضي عن جائزة ابها الوطنية لمكافحة الارهاب كتبت حينها ان الجائزة ربما تناست فرعا مهما يتمثل بالعمل الفني الدرامي وسط فروع اخرى مهمة مثل البحث العلمي والقصيدة والاغنية والتصوير الفوتغرافي وغيرها. لكن الجميل في الأمر اننا لم ننتظر كثيرا، فمع الاعلان عن المؤتمر الدولي لمكافحة الأرهاب الذي اختتمت فعالياته الاسبوع الماضي في الرياض كان هناك العديد من الأعمال الدرامية الفنية التي بدأ الاعداد لها وتنفيذها من قبل جهات خاصة ووزارات حكومية وهي خطوة مهمة تعطي اعتبارا جيدا للعمل الفني الدرامي في تكوين التصورات ومواجهة الأفكار الخاطئة وهو ما لاحظناه سابقا خلال مسلسل «طاش» الاخير حينما تم عرض حلقتين احداهما عن عمل خلية ارهابية لتفجير اجرامي يذهب ضحيته العديد من الابرياء والآخر عن تواجد المنهج الاقصائي في محاضن التربية والتعليم، واذا كانت الحلقة الثانية قد أثارت جدلا واسعا فان الحلقة الاولى قد احدثت اجماعا شعبيا نابذا لمثل هذه الاعمال ومتأثرا بفعل تلك الصورة المتحركة التي شوهدت عبر الحلقة.

واذا كنا سنلاحظ في هذه الأعمال أنها تعتمد المباشرة في تقديم نظرتها الفنية فان هذا يبدو أمرا متفهما في ظل حداثة التجربة الدرامية الموجهة وطبيعة التلقي والمشاهدة في مجتمعنا. ولكن من جهة أخرى أعتقد اننا يجب ان نتعامل مع الفن بأكثر من كونه حالة طارئة وعلاج مستعجل اذا ما كنا مؤمنين حقيقة بفعاليته وتأثيره وانما هو حالة متسقة مع الانسان وهو يشكل ردة فعل طبيعية لمستجدات الحياة فهو في النهاية ينبعث من ذاته دون ان نطلبه ونبحث عنه عندما نحتاجه. واذا كنا نسعى لترسيخ قيم انسانية من مثل التسامح والتقارب ونبذ الكراهية والتعصب وغير ذلك فان الفن سيتكفل بدور مهم في هذه العملية وسيكون وسيلتنا الأنجح في تحقيق هذه الأهداف النبيلة. فقط لنؤمن ان هذا الفن هو عنصر اساسي في حياة الانسان بوجه عام ولم يعد هناك من مجال للنقاش او التفاوض حول مشروعيته.