مسعود أمر الله: المسابقة تستهدف الفنان الإماراتي والخليج من أولوياتنا

TT

شهدت الساحة الخليجية بعد ان نالت دولها الاستقلال في الستينات والسبعينات من القرن الماضي نشاطات سينمائية متفرقة ، وبعض المحاولات الفردية والمحدودة للنهوض بسينما خليجية والتأسيس لصناعة فنية سينمائية واعدة . ولكن الكثير من هذه النشاطات والمحاولات لم تجد القبول والنجاح الموعود ، فبقيت طي النسيان ، واتجه كثير من افرادها الى العمل التلفزيوني والمسرحي والدعائي الذي كان متوهجا ومتقدا ويشهد حركة تفاعلية متسارعة . وخلال السنوات العشر الماضية شهدت الساحة الخليجية مرة اخرى نشاطا وحركة سينمائية يقوم عليها بعض من اولئك السينمائيون العائدون من الخارج ولا يزال لديهم هاجس قيام سينما واعدة وراقية. ومسابقة افلام من الإمارات هي إحدى تلك النشاطات التي بدأت قبل عدة سنوات وبالتحديد العام 2001 بتظاهرة صغيرة كانت تهدف الى دعم العمل السينمائي في دولة الإمارات العربية المتحدة وذلك بإشراف مباشر وجهد متواصل من الأستاذ مسعود امر الله ، مدير الانتاج الفني بالمجمع الثقافي بابوظبي والمشرف المسؤول عن المسابقة . وقد لقيت المسابقة حينها تجاوبا واسعا سواء من ناحية كمية المشاركات او ردود الأفعال التي تلت التظاهرة . ومع مضي كل سنة من سنواتها الأربع استمرت في تقديم وتطوير المسابقة وإعطائها ابعادا ونشاطات اوسع .

وفي دورتها القادمة التي تبدأ اولى فعالياتها يوم الأربعاء القادم الثاني من شهر مارس (اذار) وحتى السابع منه تشهد المسابقة العديد من التظاهرات الجديدة والفعاليات التي تقام لأول مرة على ارضية المسابقة برعاية الشيخ عبد الله بن زايد ال نهيان وزير الثقافة والإعلام . ومن اصل ما يقرب من 140 فيلما إماراتيا تقدمت للمشاركة في المسابقة الرسمية اختير 22 فيلما للمشاركة. المسابقة التي تستمر فعالياتها سبعة ايام متواصلة تشهد العديد من الفعاليات والتظاهرات التي يقيمها لأول مرة لهذا العام. فهناك تظاهرة السينما الشعرية والتي تندرج تحتها عدة مشاركات عالمية وعربية ومحلية ومشاركة مهرجان كليرمون فيران الفرنسي الشهير . ومن المشاركات الأخرى هناك مشاركة لمهرجان ادنبرة العريق ومعهد الفيلم النرويجي ومهرجان سينمانيلا الدولي، واخيرا تظاهرة خاصة بالسينما الألمانية :الجيل الجديد . والافلام التي تشارك في المسابقة لهذه السنة متعددة الأطياف والاتجاهات، فهناك الفيلم الروائي والوثائقي وهناك الفيلم الرسومي والتجريبي، كما ان الإنتاج الغنائي والدعائي له جانب مهم باعتباره ضربا من ضروب الفيلم القصير.

حول هذا الحدث الإماراتي المميز والفريد في نوعه في الخليج العربي التقينا بالسينمائي المخرج، ومدير الإنتاج الفني بالمجمع الثقافي بابوظبي ومير مسابقة افلام من الإمارات، مسعود امر الله .

* اولا كيف كانت وكيف بدأت فكرة إقامة المسابقة في منطقة لم تكن تمثل فيها السينما صناعة تجارية ولا حتى إنتاجات فنية بحتة، سوى بعض التجارب القليلة التي كانت تنفذ هنا وهناك؟

ـ فكرة إقامة مسابقة محلية كانت تراودني منذ فترة طويلة، ولكن بشكل اخر فإنه في عام 90 تبنى المجمع الثقافي في ابوظبي مسابقة عربية للفيديو وقد حزت وقتها جائزته عن فيلم قمت بإخراجه. المسابقة لم تستمر وتوقفت بعد ذلك بثلاث سنوات . بعد ذلك عدت للعمل في المجمع الثقافي ، ولكن الفكرة وجماليتها لم تزل موجودة فطرحت الفكرة على الأستاذ محمد السنيدي مدير المجمع. وكان هناك توجس وخوف من شح إنتاجات الفيلم القصير، وكل ما اعتمدنا عليه هو بعض المعارف ممن لهم نشاطات وتجارب بسيطه وخاصة، ولذلك بدأنا ومن باب التجربة بتظاهرة بسيطة اطلقنا عليها تظاهرة افلام من الإمارات شارك فيها ما يقرب من 80 فيلما كانت في غالبها مشاريع طلابية . وعندما لقيت التظاهره الاستحسان جاءت فكرة إعادة تجربة عام 90 ولكن بشكل محلي فقط لقناعة شخصية بأن الحركة السينمائية المحلية تحتاج الى بناء وتنشيط . وكانت المفاجأة انه تقدم الى المسابقة اكثر من 90 فيلما محليا حيث لم نتوقع ان تتجاوز حينها عدة افلام .

* الا تعتقد ان اعتماد المسابقة على بعض الشروط للدخول الى المسابقة الرسمية , كشرط الوجود الإماراتي في الطاقم التنفيذي او التمثيلي أو تناول موضوع محلي , هو نوع من اختزال الفن بإطار محلي وعدم إعطاء فرصة للمشاركات الخليجية الأخرى التي قد تكون داعما مهما في إنشاء صناعة سينمائية خليجية مشتركة وداعمة لبعضها البعض؟

ـ اعتقد أن مثل هذا الشرط كان مفترضا ومعقولا في ظل انعدام النشاط السينمائي المحلي لأن هذا سيؤدي بطبيعة الحال إلى إعطاء فرصة للشباب الإماراتي لان يكون نفسه ويؤسس وينافس بعضه البعض قبل ان ينافس غيره، خصوصا في وجود خبرات اعلى مستوى غير إماراتية قد تؤثر سلبا على الهدف الرئيسي من طرح المسابقة إماراتيا في حال مشاركتهم . من هنا كانت الفكرة في أن تكون نواة إماراتية، وعند تحقق الإهداف الرئيسية يمكن لنا الانطلاق للخارج. ومن جهة اخرى فإن الشروط لم تكن بتلك القسوة، فمجرد مشاركة اي عنصر إماراتي في اي مرحلة من مراحل الفيلم فإنه يؤهل الفيلم للمشاركة، وهذا له اثاره الإيجابية حتى على الفنانين الإماراتيين انفسهم من حيث تبادل الأفكار واكتشاب الخبرات التي قد تكون مفيدة . وهناك امثلة خليجية متعددة شاركت من قبل من هذا المنطلق . وهيفاء منصور كانت أحد النماذج التي كانت انطلاقتها من المسابقة، وهذه السنة يشارك فيلم كويتي ايضا بمشاركة إماراتية.

* الا تعتقد ان المسابقة الان حققت اهدافها الأولية وآن الاوان لفتح المجال خليجيا؟

ـ في الواقع انه كان من المخطط لهذه الدورة ان تكون خليجية. وهي في الحقيقة رغبة شخصية كانت تراودني منذ بداية المسابقة، ولكن ظروفا متعددة حالت دون ذلك ابرزها عدم وجود التفاعل والتعاون من قبل بعض السينمائيين الخليجيين عند طرح توجهنا ورغبتنا في ذلك .

* الإدارة التنظيمية للمهرجان وفي أكثر من مناسبة لم تحبذ ان تتجاوز المسابقة مفهومها البسيط , وتشير اليها بكونها مسابقة وليست مهرجانا سينمائيا للأفلام القصيرة , باعتباركم على رأس الهرم التنظيمي والتنفيذي. هل لا تزال توافق هذا المبدأ, وما السبب وراء ذلك؟

ـ ربما كان هذا إصرارا شخصيا مني. ففكرة مهرجان تعطي بعدا واسعا بوجود صناعة سينمائية هي في الواقع غير موجودة حتى هذا اليوم. كل ما كنا نريده هو إعطاء فرصة للمواهب والمكتسبات المحلية في إظهار قدراتها، واننا قادرون على صنع افلام بأي وسيلة او مستوى كان. ففكرة المهرجان في الوقت الحالي هي بمثابة طاقيه كبيرة على رأس صغير. ومهما يكن من امر فإن المسميات ليست بذات اهمية إذا كان الحدث حقق اهدافه . والواقع انه عند النظر الى الفعاليات والبرامج المصاحبة للمسابقة ومقارنتها بمهرجانات عربية اخرى نجد ان المسابقة قد تجاوزتها من نواح كثيرة وعديدة . ففي هذه السنة فقط تشارك في المسابقة اكثر من 36 دولة مما قد يعطيها بعدا عالميا واسعا.

* سبق ان شاركت افلام قصيرة تبنتها المسابقة في مهرجانات عالمية متفرقة، على سبيل المثال : مهرجان كليرمون فيران للأفلام القصيرة ومهرجان قرطاج السينمائي واخيرا مهرجان دبي السينمائي، كيف كانت ردود الأفعال تجاه هذه الأفلام الإماراتية في تلك المهرجانات؟

ـ الأفلام الإماراتية، ومن خلال تجربة شخصية عايشتها في السنوات الماضية، اخذت صيتا وسمعة جيدة خارج الإمارات اكثر من الداخل. ولا استبعد كون الإمارات بلدا غريبا على الصناعة السينمائية احد اسبابه. إلا ان هذا الاعتقاد تغير بعد ان اصبحت تنافس في المهرجانات العالمية على الصدارة وحصول بعض الافلام على الجوائز، ما يدل على جدية مثل هذه الأفلام بغض النظر عن كونها إماراتية. في العام الماضي حصلت المسابقة ممثلة بأفلامها على شهادات تقدير من مهرجانات قرطاج وبيروت، كما حصل فيلم «جوهرة» على عدد من الجوائز من هنا وهناك.

* الا تعتقد انه آن الأوان لأن تأخذ هذه الأفلام مجراها التجاري، وان تعرض في دور سينمائية تجارية ولو على المستوى الخليجي، ومن ثم يتم طرحها على اشرطة فيديو او على اقراص الـ«دي في دي» وبالتالي تكون قريبة وفي متناول ايدي المتابعين والمهتمين بهذا النشاط السينمائي، وتتجاوز العرض المحدود جدا في إطار المهرجان او المسابقة فقط؟

ـ من الناحية التجارية فإن الفيلم القصير لم يكن ولا يمكن ان يحقق نتائج تجارية، وحتى في مهرجانات عالمية وإنتاجات عالية المستوى، فالفيلم القصير يبقى له جمهوره الخاص والمحدود الذي قد لا يتجاوز المتابع في ذلك المهرجان فقط . ولكن ما نخطط له في المجمع الثقافي بعد مسابقة هذا العام هو القيام بجولة حول إمارات الدولة.

* ماهو السبب وراء عدم إنجاز هذه الأفلام المردود المالي التجاري الجيد، هذا إذا نظرنا الى نجاح السكيتشات التلفزيونية ونجاح نماذج كثيره منها في هذا الجانب؟ وإذا اردنا الحديث بشكل واسع وعام لماذا لا يتم عرض مثل هذه الأفلام القصيرة التي تتميز بعمق في الموضوع والطرح على الشاشة الفضية؟ الا ترى ان ذلك سيعطيها مساحة جماهيريه اوسع؟

ـ نحن في الحقيقة نتمنى ان يتبنى إعلامنا المرئي مثل هذه الأعمال، وعملنا سابقا على إنجاز مثل هذا التعاون ولكن للأسف فإعلامنا يتعامل مع الفيلم القصير بطريقة دونية ورؤية سيئة وعلى انه مادة جامدة وليس لها جمهور متابع. ولكن في المقابل فإننا نجد الإعلام الأجنبي يتعامل مع هذه القضية بجدية اكبر، وبعض القنوات الأوروبية تشتري هذه الأفلام بمبالغ كبيرة، وهناك قنوات اخرى متخصصة في بث مثل هذه الأفلام. ولكن إعلامنا العربي يتعامل بالكم لا غير، فثلاثون حلقة تلفزيونية افضل من 15 دقيقية يقوم عليها الفيلم القصير. ومن هنا فإنه لا تزال الفرصة الوحيدة التي يمكن للمشاهد متابعة افلام قصيرة عربية من خلالها هي المهرجانات فقط.

* كما تعلمون فإن عددا كبيرا من المهرجانات العالمية تقوم عليها مؤسسات تتعدى نشاطاتها المهرجان والمسابقة نفسها، فنشاطاتها السينمائية مستمرة على مدار العام، فهل تعتزم المسابقة ان تتحول الى مؤسسة سينمائية مستقلة لها نشاطاتها المستمرة؟

ـ إحدى الخطوات المستقبلية التي نقوم عليها في المجمع هي إقامة نشاطات وعروض مستمرة على مدار العام من خلال إقامة اسابيع سينمائية وندوات ودورات خاصة بذلك. ولكن قيام مؤسسة خاصة، وان تتحول المسابقة الى عمل مؤسساتي، فلا اعتقد ان هذه الفكرة مطروحة في الوقت الحالي على الأقل.

* ماهي ابرز الإنجازات التي حققتها المسابقة منذ إنطلاقها قبل اربعة اعوام ؟

ـ بالنسبة لي هو وجود هذا الكم الهائل من الإنتاجات السينمائية التي تزداد بشكل كبير سنة بعد سنة، وايضا هذه الروح الشابة التي قامت عليها مجموعات في ابوظبي واخرى في دبي وفي الإمارات الأخرى وعقد تجمعات فنية وندوات ونقاشات صحفية وإلكترونية على شبكة الإنترنت.

* الا تخشى ان يخفت هذا النشاط كما هو الحال مع ما سبقه، وان يكون هذا بمثابة الرعشة التي تسبق الوفاة ؟

ـ كل شيء يمكن توقعه في الوطن العربي، ولا شك ان هذا هو مصيرها إذا لم تجد دعما متواصلا ومستمرا. ولكن لله الحمد وخلال اربع سنوات من عمر المسابقة فإن النشاط لا يزال في ازدياد والتواصل لا يزال مستمرا خصوصا بعد الثورة التقنية الهائلة والرخيصة التي سهلت الكثير من الصعوبات واصبحت التكلفة المادية لإنتاج فيلم سينمائي في متناول الكثيرين ولا يحتاج الى مؤسسـات إنتاجية ضخمة وكبيرة .

* يرى عدد من المتابعين للحركة السينمائية الشابة في دولة الإمارات العربية متمثلة بالمسابقة ان العديد من الأفلام الإماراتية القصيرة ما زالت تعاني من الإمعان في الرمزية، واختزال الإبداع الفني في تعقيد القصة وصعوبة الوصول الى الهدف الذي يرمي له المخرج ؟

ـ من خلال متابعتي، خلال اربع سنوات، فإن الفيلم الإماراتي كان على العكس من ذلك فهو بسيط جدا. ومن منظور شخصي فإن الفيلم الذي يخلو من الرمز هو فن سهل جدا ، ويفتقد الى العمق في الطرح، فالفن هو اللغز الذي يجب من خلاله طرح الفكرة . وهذا يتأكد في مجتمعات تعاني من نقص في حرية الطرح . والسينما الإيرانية قبل الثورة وبعد الثورة نموذج بارز على الساحة الدولية، واجمل كلاسيكيات السينما العالمية هي السينما الروسية التي كانت تقوم على الرمز كوسيلة ناجحة للتعبير عن الفكرة.

* إذا اردنا الحديث عن المسابقة في دورتها القادمة، فما هي الفعاليات والنشاطات الجديدة لهذا العام؟

ـ بالإضافة الى المسابقة الرسمية التي تحوي الكثير من الأفلام الجديدة في الطرح والفكرة، هناك عدد من الفعاليات الجديدة والمميزة اهمها السينما الشعرية وهي لأول مرة، والتي واجهنا عند اختيار هذه النوعية من الأفلام صعوبة في المصادر، والبرنامج كان واسعا من حيث الطرح، فهناك الفيلم الوثائقي والروائي والرسومي. المهرجان كذلك يشهد مشاركة من السينما الأسيوية كالسينما الفلبينية والتايلندية التي لم يسبق للمنطقة الإطلاع عليها قبل ذلك.

* تشهد مسابقة هذا العام واكثر من اي دورة سابقة حضورا للمهرجانات الأجنبية من حيث المشاركة التي قد تكون شرفية وداعمة اكثر من اي شيء اخر. الا تعتزمون في الدورات القادمة للمسابقة إعطاء مشاركة اكثر فعالية للأفلام الأجنبية إما بتخصيص جوائز خاصة بها او إشراكها في ذات الجوائز التي تقيمها المسابقة.

ـ التعاون بين المهرجانات العالمية ومسابقة افلام الإمارات كان متبادلا وهو يتعين في مثل هذه النوعية من الأفلام التي قد تجد المسابقة صعوبة في حصر افلام جيدة ومناسبة للعرض في فعالياته، ومهرجانات مثل مهرجان ادنبرة او مهرجان كيلرمون فيرن الفرنسي هي واحدة من اهم المهرجانات التي تصلها الاف الافلام سنويا من كافة دول العالم، وبالتالي فهي وسيلة لاختيار اوسع من الاتصال الفردي.

* في ختام هذا اللقاء، هل من تعليق او اضافة حول الفيلم القصير او المسابقة والخطط المستقبلية التي يسعى المهرجان لتحقيقها في الدورات القادمة او غير ذلك؟

ـ المسابقة كما قلت تسعى في السنوات القادمة لإعطاء مساحة للمشاركة الخليجية التي ارجو ان لا نفشل في تحقيقها، وكلي امل في ان تتطور هذه النشاطات والفعاليات المتفرقة لتصل الى صناعة قائمة بحد ذاتها.