أحمد زكي فنان حقيقي.. كسر التقليد وأكد اعتبارية السينما الجادة

TT

عاش المشاهد العربي لحظات حزن وتعاطف بعد خبر وفاة الفنان أحمد زكي مطلع هذا الأسبوع، ثم أياما من القراءة والمشاهدة لما نشرته وسائل الاعلام العربي عن حياة الفنان أحمد زكي ومسيرته الفنية.

وبالتالي فليس هناك ما يمكن قوله في هذا اليوم سوى تسجيل كلمات من الاعجاب والانطباع الشخصي تجاه هذا الفنان الكبير، بعد عزائنا لكل محبي وأقرباء ومعجبي الفنان الراحل رحمه الله.

في حديث عن أحمد زكي سابقا كان قد سألني أحد الأصدقاء عن الممثل العربي، الذي يمكن ان يكون سفيرا عربيا في السينما العالمية، وخليفة للدور الذي قام به الفنان الكبير عمر الشريف. وكان رأيي انه ليس مثل الفنان أحمد زكي يمكن ان نقدمه كفنان حقيقي يستطيع مجاراة نجوم السينما العالمية في أميركا وأوربا. وأضيف الآن ان خسارة أحمد زكي في السينما المصرية خاصة، والعربية عامة كقدرة تمثيلية أشبه بخسارة الممثل العملاق مارلون براندو بالنسبة للسينما الأميركية بغض النظر عن توقف براندو عن التمثيل في سنواته الأخيرة. فهناك طابع تجديدي على مستوى التمثيل كان الفنان أحمد زكي قد ساهم به بشكل كبير من حيث القدرة على التقمص والأقرب للتمثيل الواقعي أومايسمى بـ«الطريقة» وهي التي ابتدعها المخرج الهنغاري لي ستراسبيرغ.

ثم انه يمكننا اعتبار أحمد زكي أشهر من كسر التقليدي السينمائي المعتبر حينها في السينما المصرية في صورة البطل، ذاك الرجل الأبيض الوسيم والرومانسي الحالم. حيث شخصية الانسان البسيط ذي الملامح الهادئة والمسالمة من دون افتعال.

كان الفنان أحمد زكي يحتاج فقط لعقدين من الزمن، وهو يتكفل بفرض اسمه كممثل أول يستدعيه المخرجون ليجعل من نفسه أيقونة فنية في السينما المصرية والممثل الأول، متقدما على الآخرين بعد أن كان قد بدأ هادئا بوجهه الأسمر في المسرحية الشهيرة «مدرسة المشاغبين»، وسط نجوم التمثيل الصاخب حينها. أذكر أنني منذ فترة طويلة ـ ان لم تخني الذاكرة ـ كنت قرأت في إحدى المجلات العربية الفنية أن الفنان أحمد زكي وفي إحدى مشاركاته في أحد المهرجانات العالمية، كان حزينا لأنه لم يحصل على جائزة أفضل ممثل، وأنه كان قد التقى الممثل الأميركي الكبير روبيرت دينيرو والذي كان في لجنة التحكيم لذلك المهرجان، وأخبره حينها أنه قد رشحه لجائزة التمثيل مواسيا له ومبديا إعجابه بأدائه الذي قدمه في الفيلم. وقتها لم أحمل الأمر على محمل الجد، وظننت أن المسألة محاولة ترويجية من مجلة عربية، غير أنني يمكن أن اجزم الآن بعد متابعة طويلة لعدد من أفلام أحمد زكي، أنه من أوائل الممثلين العرب، الذين يمكن ان يحصلوا على جوائز كهذه. ما فعله أحمد زكي ليس على مستوى الأداء وكسر النمطية فحسب، وانما على مستوى موضوعات الأفلام وأفكارها التي يتناولها، فهو أحد أهم الممثلين الذين أعطوا السينما الجادة والفيلم الفكرة مكانتها وشعبيتها لدى مختلف فئات المشاهدين، عبر عدد من القضايا السياسية والاجتماعية التي كان يتناولها، وعندما كانت السينما المصرية تعيش أوج احتفالها بنجوم الكوميديا والتهريج وفرسان شباك التذاكر، كان أحمد زكي حاضرا بطريقة أخرى حينما قدم كوميديا الموقف، كما يجب أن تكون عليه الكوميديا من دون اسفاف او ابتذال في أحد افضل أفلام السينما المصرية في السنوات الأخيرة. وآخر مشاهداتي لهذا النجم وهو فيلم «معالي الوزير».

وعلى مستوى أداء الشخصيات الشهيرة يعتبر أحمد زكي أكثر الممثلين العرب اتجاها لهذا النوع من الأدوار، حينما أدى شخصية عميد الأدب العرب طه حسين في مسلسل «الأيام»، ثم شخصية الرئيس جمال عبد الناصر في «ناصر 56» والرئيس أنور السادات في «أيام السادات»، وأخيرا شخصية العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ في فيلمه الأخير «حليم»، الذي توفاه الأجل قبل أن ينهي مشاهد تصويره، بالرغم من أن الاخبار تشير الى أنه أنجز جزءا كبيرا من هذا الفيلم، وهذا ما يشعرنا بشيء من السعادة، حينما نرى آخر روائع الراحل أحمد زكي، الذي كان ينوي تقديم هذا الفيلم حتى قبل أدائه لشخصية السادات وعبد الناصر ـ وقيل انه كان ينوي أداء شخصية الرئيس المصري الحالي حسني مبارك، في فيلم «الضربة الجوية» ـ. والحقيقة أنه ليس الجميع ممن يرحبون بمثل هذا الاستهلاك، الذي فعله أحمد زكي لنفسه من خلال أداء شخصيات المشاهير، ورغم وجاهة هذه النظرة، الا أنني أعتقد انه من جهة أخرى هناك نوع من الامتنان لدى المشاهد العربي تجاه هذه الأدوار وهذه الأفلام، لكونها الأقرب من أي وسيلة أخرى لاعطاء تصور معين عن تلك الشخصيات وظروف تواجدها ووقائع أحداثها بغض النظر عن مدى اتفاقنا في رؤية المخرج في اظهار هذه الشخصيات الشهيرة.

وأخيرا فإنه من اللافت للنظر أيضا أن الفنان أحمد زكي يكاد يكون الوحيد من أبناء جيله من الفنانين والممثلين، الذين استمروا كنجوم منتظرة في الصالات السينمائية أو عبر وسائل الاعلام المتنوعة مع كل عمل يقدمه، ولم يكن بحاجة الى ان يتجه الى التلفزيون والدراما لتقديم عدد كبير من الحلقات، يعيد بها بريقه، فالسينما وحدها ولا غيرها وبطريقته هو الخاصة، وعبر أدائه المتفوق، كان يقدم رسالته عن الانسان والمحبة والسلام.

رحم الله الفنان أحمد زكي فهو سيترك بلا شك خلفه ثغرة كبيرة في الفن العربي، لا يمكن سدها قريبا، ولكن المرجو انه قد ذهب بعد أن صنع ظاهرة ملهمة لكل الفنانين والممثلين الشباب، لما يمكن أن يكون عليه الممثل في أدائه واختياراته.