الكوميديا والمحظورات الاجتماعية

محمد الظاهري

TT

في ورقة عمل نشرت عام 1984، تحدث العالم النفسي «زيف» عن اربع وظائف اساسية للكوميديا والفكاهة عموما، باعتبارها ظاهرة اجتماعية تفاعلية، لها تأثيرها الشخصي والإجتماعي على حد سواء.

وكان أحد هذه الوظائف هو التخفيف من وطأة المحرمات الاجتماعية، والتي يجد المجتمع حرجا في الحديث حولها أو مناقشتها أو حتى الإلماح اليها. وهي ايضا بالإضافة الى ذلك، اداة لنقد هذه المحظورات والعادات الاجتماعية كما ذكر في الوظيفة التالية لها. وقد كان المسرح في بدايات عصر التنوير في اوربا وسيلة فعالة في التخفيف من حده التقاليد الاجتماعية في ذلك الوقت. ولقي حينها عدد من المؤلفين والمسرحيين ردود افعال تتسم بالغلظة من قبل المؤسسات الدينية، والتي كانت تتلقى دعما من قبل السلطة السياسية. ولكن هذا النوع من الفنون لم يعد في الوقت الحاضر يثير حساسيات كبيرة لدى المجتمع الغربي، الذي يتفهم كثيرا طبيعته ولا يجد حرجا حتى حينما يمس مبدأ قوميا، أو عادة اجتماعية، او حتى مسلمات وثوابت ثقافية ودينية، ذلك ان الكوميديا تبقى شكلا من اشكال الترفيه، تعطى المشاهد مساحة لكي يتعامل مع بعض ثوابته الاجتماعية بمرونة اكثر، وربما حتى مراجعتها والقاء الضوء على مواضع الضعف التي قد تثير سخرية الآخر.

إن هذه النظرة التقدمية التي يوليها المشاهد الغربي للكوميديا لا تزال بعيدة كل البعد عن المشاهد العربي وإعلامه العربي بأطيافه ومذاهبه وتوجهاته. فالكوميديا الساخرة في العقلية العربية لا تزال تحارب النقد الذاتي والسخرية الذاتية في بعض العادات الاجتماعية والتي قد تحورت مع مر الزمان الى ثوابت دينية وعقدية خطيرة، والمساس بها اصبح نوعا من انواع المناصبة والتعدي المذموم. وقد شهدت الساحة الفنية العربية نماذج كثيرة كانت ولا زالت تعاني من هذا الهجوم الشرس والذي ينتزع من تلك الأعمال شرعيتها، ويتم تحميلها مقاصد خبيثة واهدافاً غربية دخيلة.

إن اقتصار الكوميديا الساخرة في مجتمعاتنا على السخرية بالغير وتنزيه الذات وإعطاء طابع بروباغاندي ساذج على تلك الإعمال، هو اختزال مبتذل للفن، ولإمكاناته وللوسائل التي يمكن لنا التعبير فيها عما يجول في خواطرنا من دون ان نبوح بها، والتي لا يمكن لها ان تتأتى في صور أخرى غير كوميديا ساخرة ولاذعة وظريفة.