السينما لا تنسى

TT

في عام 2002 ضحى المخرج البريطاني باول غرينغراس بدخول فيلمه مسابقة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي مقابل عرضه على التلفزيون ـ وهذا ما يعارض شروط الاوسكار ـ ليشاهده الناس في التاريخ المحدد الذي يؤرخ لأحداثه الفيلم.

الفيلم هو «يوم الأحد الدامي» وهو محاولة تأريخية لتلك المأساة التي حدثت في الثلاثين من يناير (كانون الثاني) عام 1972 حينما قام بعض الجنود البريطانيين باطلاق النار على مجموعة من المتظاهرين المدنيين الايرلنديين موقعين عددا من القتلى. وكان الفيلم ومخرجه قد حققا عددا كبير من الجوائز اهمها البافتا البريطانية.

وفي نفس العام يقدم المخرج اتوم اجويان الفيلم الكندي/ الفرنسي المثير للجدل «أرارات» والذي يتعرض من خلاله للمحرقة الارمينية ما بين عام 1915 و1918 على أيدي الاتراك. أما في العام الماضي فقد أعاد المخرج تيري جيورجي ما حدث قبل اكثر من عشر سنوات في راواندا وتلك المجازر البشعة والعنصرية بين قبائل الهوتو والتوتسي وتخاذل العالم الحر في معالجة تلك الأوضاع.

وتيري جيورجي ليس بعيدا عن مثل هذه القضايا الانسانية فهو كاتب نص فيلم «باسم الآباء» المرشح لأوسكار أفضل فيلم عام 1993 وكاتب ومخرج فيلم «بعض أبناء الامهات» وكلاهما عن القضية الايرلندية والتعسف البريطاني تجاهها. ومن قبل كان المخرج الكبير ستيفن سبيلبيرغ يؤكد وهو يقدم تحفته السينمائية «لائحة شندلر» ان التاريخ يمكن ان يكرر ذاته وان موقفنا الرافض لكل ممارسة عنصرية ووحشية هو ما يعزز فينا القيم الانسانية العليا.

اعتقد انه بمثل هذه الأفلام تؤكد السينما على دورها الكبير في مواصلة التذكير بممارسات النفس الهمجية وتعرية وحشية الانسان وإدانة مواقفه اللاأخلاقية وتخاذله في تكريس قيم العدل والحرية. وليس مثل السينما من يستمر في ملاحقة السياسات التعسفية وإدانة المواقف السياسية المدمرة لحياة الانسان واستقراره.

وأذكر انه عندما خرجت من صالة السينما بعد مشاهدة الفيلم الرائع والمؤثر «فندق راوندا» التقيت بشخصية اكاديمية تكتب غالبا في مجال الفكر وليست ذات اهتمام سينمائي الا انه بدا متأثرا من الفيلم وقال لي ان مثل هذه الأفلام أبلغ كثيرا من مئات المقالات التي نكتبها وعرض مثل هذا الفيلم على الشباب مثلا سيكون كفيلا بتكريس قيم الانسانية لديهم وادانة جميع المواقف العنصرية التي يشاهدها العالم يوميا.

واذا كانت السينما تحمل كل هذا الدور وهذه القدرة على التأثير فهذا ما يعيدنا الى السؤال الأول والدائم: من يحسن استغلال هذه الوسيلة الفاعلة؟