عندما يصبح المخرج جادا ولكن ليس ناجحا بالضرورة

TT

هناك عدة أشياء تجعل فيلم «الجزيرة» The Island للمخرج مايكل بي يختلف كثيرا عن أفلامه السابقة، أولها أنه أول فيلم يخرجه بي دون أن ينتجه المنتج الشهير جيري بروكهايمر، ثانيها أنه أقل أفلامه حظا في شباك التذاكر، وثالثها وأهمها هو أن موضوع الفيلم، إلى درجة معقولة، ومعالجته أيضا، هي من أكثر موضوعات أفلامه جدية وتعقيدا. في ما عدا ذلك، فإن «الجزيرة» يظل محتفظا بخصائص مايكل بي المعروفة: كاميرا سريعة ومتحركة بشكل أقرب للجنون (تذكرنا دائما بعمله سابقا في مجال الفيديو كليبات الموسيقية)، شخصيات سطحية، وميلودراما تضمن السعادة للجميع، وأخيرا: كمية لا بأس بها من الرصاص والمتفجرات.

تدور أحداث «الجزيرة» في مستقبل قريب، حيث تعمل شركة ضخمة على استنساخ الأثرياء والمشاهير من أجل توفير «قطع غيار» بشرية لهم، هذه الشركة التي استثمرت مليارات الدولارات في هذا المجال تقوم بتزويد الآلاف المستنسخين (أو المنتجات كما يسميهم موظفو الشركة) بذاكرة مزيفة لطفولتهم ومراهقتهم، وتجعلهم يعيشون في مقرها المنعزل تماما عن العالم الخارجي، حيث زرعت أيضا في رؤوسهم بأن العالم كله قد تعرض لكارثة بيئية جعلت كوكب الأرض ملوثا بالكامل باستثناء مكان واحد يدعى «الجزيرة». أسبوعيا كان يتم بالقرعة اختيار شخص واحد من هؤلاء «المنتجات» للذهاب لهذه الجزيرة التي يتمناها الجميع، دون أن يعلموا بأن الشركة في الحقيقة تختار أسبوعيا أحد «المنتجات» للاستفادة من أعضائه، ونقلها إلى العميل المريض الذي تم استنساخ المنتج من جيناته من الأصل. من بين هؤلاء المستنسخين، يركز الفيلم على «لنكولن 6 ايكو» (الممثل الاسكتلندي ايوان مكغريغور) و«غوردن 2 دلتا» (الأميركية الصاعدة أخيرا سكارليت جوهانسون)، حيث يبدأ «لنكولن» في التشكيك في كثير من الحقائق حول المجتمع المغلق الذي يعيش فيه قبل أن يهرب هو و«غوردن» من أجل كشف الحقيقة الكاملة وإيقاف ما تقوم به الشركة بإشراف الطبيب الشرير ميريك (الانجليزي شون بين). سيبدو للبعض أني كشفت أكثر مما ينبغي حول أحداث الفيلم، لكن ربما يجدر أن يوجه اللوم إلى منتجي الفيلم الذين أساءوا حقيقة منذ البداية في الترويج لقصة الفيلم قبل بدء عرضه (المفترض في الفيلم ألا يكتشف المشاهد شيئا عن العالم الخارجي أو قضية الاستنساخ قبل 30 دقيقة على الأقل من بداية الفيلم).

للحديث بشكل أدق عن مستوى الفيلم، ينبغي علينا تقسيمه إلى نصفين، الأول يبدأ منذ بداية الفيلم وينتهي مع هروب «لنكولن» و«غوردن»، هنا نجد الفيلم في أفضل حالاته، في هذا الجزء ينجح مايكل بي بشكل معقول (ومفاجئ مقارنة بأعماله السابقة) في استعراض حياة المستنسخين داخل مجتمعهم المغلق والمنظم أشد التنظيم. في هذا الجزء أيضا، تبدو شخصيات الفيلم مقنعة ومنطقية بشكل أكبر، وأحداث الفيلم متماسكة ومترابطة بشكل مريح للمشاهد. لكن كل هذا يختفي عندما تبدأ أحداث النصف الثاني مع هروب «لنكولن» و«غوردن» بحثا عن الحقيقة، هنا يظهر لنا مايكل بي الذي شاهدناه في مغامرات الخيال العلمي «أرماغيدون» Armageddon وشاهدناه بوضوح أكبر في دراما الحرب المبتذلة «بيرل هاربر»Pearl Harbor. في هذا الجزء يهدم مايكل بي النجاح النسبي الذي صنعه في النصف الأول من الفيلم، فأحداثه تأخذ منحى ميلودراميا سخيفا، وحواراته تبدو ضحلة، والشخصيات التي اعتقدنا لوهلة أنها تملك نوعا من المنطقية والتجديد تتحول إلى نماذج مكررة ومبتذلة لقوالب سينمائية جاهزة.

الفيلم سيكون علامة فارقة في تاريخ مايكل بي، ذلك لأنه أول أفلامه التي تفشل في شباك التذاكر (حصد 12 مليون دولار في افتتاحيته مقابل ميزانية تقارب 120 مليون دولار، وهو ما أدى إلى بعض التساؤلات حول وضع الشركة المنتجة دريم وركس)، خاصة إذا عرفنا أن أفلام بي الثلاثة الأولى فقط حصدت مجتمعة أكثر من مليار دولار. قد يعزو البعض ذلك إلى غياب المنتج الباذخ جيري بروكهايمر أحد أشهر الأسماء في هوليوود في السنوات القليلة الماضية، لكن الحقيقة هي أن المزيج الذي وضعه مايكل بي لا يمكن للجمهور الأميركي (الذي تشكل فيه فئة المراهقين الذكور النسبة الأكبر) هضمه بسهولة.

في النهاية، «الجزيرة» رغم مستواه المنخفض عموما، هو خطوة جيدة وكبيرة لمايكل بي إلى الأمام، لا يمكن تماما معرفة ما إذا كانت مجرد نزوة أم أنها بداية توجه دائم من هذا المخرج الشاب الذي يحضر حاليا لتصوير فيلم مغامرات وخيال علمي جديد من إنتاج ستيفن سبيلبرغ من المتوقع عرضه في عام 2007.

[email protected]