الطفولة وعالمها الساذج في 45 لوحة تشكيلية

معرض الرسام أحمد الجنايني في قاعة «جميلة» بالقاهرة

TT

الطفولة وأزمنتها الغضة الطرية كانت موضوع معرض الفنان التشكيلي أحمد الجنايني بقاعة «جميلة» بالمعادي الذي ضم 45 عملاً تصويرياً يشكل خلاصة تجربته التشكيلية، التي عبر عنها بعدد من التقنيات اللونية في اطار سوريالي مفعم بالحس والفكر.

ينقسم المعرض إلى ثلاثة أقسام من حيث التقنية (تصوير زيتي، رسم، ألوان مائية) كلها تتعامل مع عنصر وحيد في الحس وفي التوظيف، هو عنصر الطفولة.

ويركز الفنان على اكساب عنصر الحركة عدداً من الميزات التي تدعم وجوده بحيوية داخل كل عمل فنرى حركة الطفل المصورة تلعب دوراً كبيراً في التعرف على تصرفه وانفعاله وبالتالي استيعاب الشكل وربطه بعدد من المقومات الفنية التي استخدمها الفنان بشكل غير مباشر.

فحين نرى «لعبة الحجلة» التي يصورها الفنان نلحظ عالماً بديعاً وجميلاً تملأه الحياة والحيوية والشقاوة، تلك الأشياء التي أصبحنا نعاني افتقادها داخل عوالمنا المكتظة بالانشغالات. واللعبة عبارة عن طفلة ترفع احدى ساقيها عن الأرض وتتحرك بالساق الأخرى بين المربعات المرسومة بالطباشير على الأرض، أما بقية الأطفال فيرقبونها باهتمام شديد حتى تتم اللعبة بنجاح أو تفشل فتلامس ساقها المرفوعة الأرض ويكون الدور التالي لأحدهم، والفائز في النهاية هو من يحقق أكثر النقاط، والذي لم تلمس ساقه المرفوعة جزءاً من الأرض طوال اللعبة. هذه هي قواعد اللعبة التي نعلمها جيداً وقد صورها الفنان بنفس الشكل. كما نلاحظ في هذه اللوحة نوعاً من السباق البريء بين الأطفال بعضهم بعضاً، تم رصد ذلك وهضمه وتصويره في شكل بسيط سهل الاستيعاب. استخدم فيه مزيجاً من الألوان المائية الباردة والساخنة بحيث يكون الدور الأكبر للماء كخامة وسيطة في تخفيف وتكثيف اللون. وتمتاز الألوان داخل كل عمل بالشفافية العالية، الأمر الذي يعكس معه حالة من التوهج الفكري والاندماج عند الفنان أثناء قيامه بعملية الرسم، وبالتالي نجاحه في تصوير انفعالات الأطفال وحركاتهم المختلفة. كما يحرص على التوازن اللوني داخل مساحة العمل وتنويع مصدر الضوء بشكل متناثر ومبهر، فيحقق نوعاً من الجاذبية بعين المشاهد. وفي لوحة «الأرجوحة» استخدم الفنان عدداً من الوسائط اللونية «الجواش» والمائية من الأحمر والأخضر والأزرق بحيث تم توظيفها بالشكل الذي يناسب حالة التصوير، فاستخدم الألوان الخفيفة في خلفية العمل (السحاب والأرض) بينما استخدم الألوان المخلوطة أو السميكة في تشكيل الشجرة والحبل ليعكس تراوحات الشفافية ومقوماتها التعبيرية خاصة بين الظل والأشياء، وكذلك تدرجات الثقل والخفة، بحيث يصبح كل لون مناسباً لمدلول كل عنصر. بينما تأخذنا لوحة أخرى إلى التجلي والوعي الساذج لدى الأطفال. ونلاحظ أن عناصر اللوحة مهمومة بطاقات وأبعاد فلسفية تنسجم مع طقوس اللعبة وردود أفعال الأطفال تجاهها، ودوافعهم لخوض مغامرتها.

لقد استعان الفنان بعنصر الطفولة في شكله البسيط الجميل المفعم بمقومات الحركة والحيوية والحياة، ذلك العنصر الشفاف في الاحساس بالآخر، وسواء جاء العمل مرسوماً بخامة الحبر الصيني (أبيض وأسود) أو مصوراً بالألوان الزيتية أو المائية فان اختلاف التقنية لم يفقده أياً من قيمه الشكلية وان كانت الألوان المائية جاءت أكثر صدقاً في التعامل مع العنصر، خاصة في ما يتعلق بابراز الدلالات الفلسفية في نسيج اللوحة.

كما أن الأسلوب السوريالي في التناول أضاف إلى الشكل بعداً تأملياً، يتناسب مع مقومات الحركة واللون والضوء والتكوين في وحدة تشكيلية يمكن قراءتها والتفاعل معها بنفس المنطق من التخيل أو التصوير الذي قصده الفنان من تلك التجربة المتميزة.