النزعة السينمائية في دراما رمضان التلفزيونية

TT

حظيت الفضائيات العربية خلال شهر رمضان، وكما هو المعتاد، بالعديد من المسلسلات الرمضانية، التي كانت على موعد مع سباق محموم للاحتواء وكسب اكبر شريحة يمكن استيعابها من المشاهدين. وان كانت الساحة قد شهدت تغيرات متسارعة على مدى الأعوام السابقة في هذا المجال، فقد كانت هذه السنة الأكثر تميزا وتفردا ـ رغم قلة الأعمال الجيدة ـ من حيث تنوع المادة المطروحة، او الجرأة في تناول بعض المواضيع الحساسة في مجتمعاتنا العربية، او حتى من حيث الصورة التقنية، والمستوى الإخراجي المتطور. ولست هنا بصدد إعطاء تحليل فني او رؤية نقدية حول هذه الأعمال، التي تحتاج الى حديث مطول يتناول كل عمل على حده. إلا ان ما يثير الانتباه ـ وهو مدار حديثي ـ هي تلك النزعة والروح السينمائية التي كانت ملحوظة في بعض الأعمال الكبرى، اكان ذلك في سيناريو وحوارات المسلسل، او اللمسات الإخراجية غير المألوفة في اوساط الدراما التلفزيونية. ولنأخذ على سبيل المثال احد افضل مسلسلات السنة واوسعها شعبية وهو مسلسل «ملوك الطوائف» لمخرجه حاتم علي، وكاتبه الدكتور وليد سيف، الذي يحكي التداعيات التي تدور احداثها داخل اروقه قصور ملوك الطوائف، في فترة من اكثر الفترات حرجا في التاريخ الأندلسي الطويل. الجزء الثالث من المرحلة الأندلسية ـ التي ابتدأت بمسلسلي «صقر قريش» و«ربيع قرطبة» ـ عاش نقله نوعية على كافة الصعد والمستويات. فالمؤثرات البصرية كانت حاضرة بشكل ملحوظ، كما ان الديكورات وأماكن التصوير الحقيقية التي ابتعدت ولو قليلا عن اجواء استوديوهات التلفزيون، ومن ثم الأداء التمثيلي الذي اعطى شعورا واقعيا رغم صعوبة الفترة التي يتناولها، واخيرا المرشحات السينمائية التي استخدمت لإعطاء بعدا سينمائيا للصورة التلفزيونية، وهي التي بلا شك، كان لها اثر اكبر في جذب المتابع العربي، الذي تشبع من المسلسلات التاريخية. وقلة الإقبال على مشاهدة غيرها من المسلسلات التاريخية لهذه السنة، اكبر دليل على هذا العزوف. الإنتاج التلفزيوني بدأ يشهد في العالم العربي ميزانيات كبيرة، ومبالغ باهظة تضاهي انتاجات السينما في بعض دول العالم، التي ربما لا تزال السينما العربية نفسها تعاني من غياب دعم كهذا الدعم، وتضطر كثيرا الى الاستعانه بالمنتج الأجنبي لتحقيق طموحات رجالاتها. والسؤال الذي يتبادر الى الأذهان بعد كل هذا يبحث عن السبب الذي يؤدي بمخرجين كحاتم علي لديهم القدرة على ابداع صورة سينمائية، بل ولديهم الميول الفنية، التي تظهر من خلال اعمالهم، تجاه الفيلم السينمائي، الى الإحجام عن تحقيق فيلم سينمائي يحكي تلك الحقب التاريخية، او الحكايا الشعبية، بشيء من التركيز والابتعاد عن الإطالة المسفة الى حد ما بهذه الأعمال، او حتى انتاج مسلسل سينمائي قصير لا يتجاوز الحلقات العشر، تعطى من خلاله القصة قيمه فنية اكثر، وربما انتشارا عالميا اكبر، وقبل كل هذا وذاك، الابتعاد عن النمطية البائسة في الدراما التلفزيونية العربية.

[email protected]