صور الصفيح المهرولة .. كيف ظهر الممثل النجم ?

TT

لم يكن الممثل السينمائي ليصل الى هذه المرحلة التي يعيشها وسط أجواء الاعجاب الصاخبة والأجور العالية لولا عدد من المنحنيات السينمائية المهمة والمراحل الصعبة التي تخطاهما.

حينما بدأت السينما ذاتها كان عليها أن تجد مكانا مناسبا امام الفن المسرحي الأهم والأشهر حينها، خاصة مع حداثتها وقصر مدة عرضها التي لم تتجاوز في البداية الخمس عشرة دقيقة ولم يكن الممثل السينمائي ليجد أي مكانة قريبة من نجوم المسرح وقتها. والى وقت متأخر من بداية السينما كانت رابطة مخرجي برلين المسرحيين مثلا ترفض السماح لممثلي المسرح بالعمل في الأفلام باعتبارها فنا لا يرقى لسمعة المسرح. وكذا الحال في بداية السينما اليابانية حينما رفضت مسارح الكابوكي السماح لممثليها بالظهور في الأفلام السينمائية. وفي أمريكا نفسها كان الممثلون في البداية يخجلون من وضع اسمائهم على الأفلام او ما يطلقون عليها استهزاء «صور الصفيح المهرولة»!! الا انه بعد فترة اصبح الأمر يتجه نحو شكل آخر حينما اصبح جمهور المشاهدين يراسل استديوهات ويطالبها بالكشف عن اسماء الممثلين واعطائهم معلومات عن نجومهم المفضلين بعد ان كانوا قد تعارفوا باطلاق اسماء لهم اخترعوها بأنفسهم مثل «فتاة البايوغراف» نسبة لشركة بايوغراف التي تظهر فلورانس لورانس في أفلامها والتي يمكن اعتبارها اول نجمة سينمائية بالمعنى الحديث و«ماري الصغير» للمثل ماري بيكفورد وغيرهما امام رفض المنتجين الافصاح عن اسماء ممثلي أفلامهم خشية ان يدركوا انهم عامل جذب جماهيري فيطالبون بزيادة أجورهم.. ويروي المؤرخون السينمائيون قصة التغير الذي صنع فكرة النجم للسنوات التالية التي عاشتها السينما حتى هذا اليوم حينما أراد كارل ليمبل احد المنتجين المستقلين ان يعلن عن انتقال «فتاة البايوغراف» فلورانس لورانس من شركة «بايوغراف» الى شركته «الشركة المستقلة للأفلام»، حيث قام بعملية مفبركة ناجحة، فبعد التعاقد مع فلورانس قام باشاعة خبر موتها ذاكرا اسمها الحقيقي لأول مرة عبر تقارير صحافية مجهولة ولا تحمل توقيعا. ثم أتبع ذلك بعمل حملة اعلانية كبيرة باسم شركته لنفي شائعة موت الممثلة وانها مجرد كذبة للتشويش حول انتقال الممثلة فلورانس، وتأكيدا لهذا الأمر فقد وعد كنغ باغوت الممثل الأول لشركة كارل ليمبل والذي يظهر اسمه لأول مرة كذلك بأن يرافق الممثلة فلورانس الى سانت لويس لحضور افتتاح أول أفلامها مع «الشركة المستقلة للأفلام» مما دفع الكثير جدا من الجماهير والمعجبين الى التجمع والاحتشاد عند محطة القطار ليحظوا برؤية نجمتهم «فتاة البايوغراف» السابقة وهي على قيد الحياة. ويقال ان بعض المهووسين قاموا بتمزيق شيء من ملابسها للاحتفاظ به كذكرى ليعلن بذلك عن احدى اهم عوامل الجذب الجماهيري ومحاور اقتصاديات السينما التي ما زلنا نرى تأثيرها حتى هذا اليوم. والجدير ذكره ان كثيرا من المنتجين الاوروبيين وقتها كانوا قد سلكوا مثل هذا الطريق الناجح في ابراز ممثليهم لخلق فكرة النجم وشعبيته طمعا بمردودات مادية اكبر. ثم سار الأمر نحو هذا الاتجاه بدرجة مبالغة تعطي الممثل النجم موقعا خاصا وشهرة عالية، وقامت شركات الانتاج باغراق الجمهور بمختلف وسائل الدعاية من صور فوتغرافية وصور حائطية وبطاقات بريدية اضافة لمجلات السينما التي تقوم بالترويج لهؤلاء النجوم جاعلة منهم اناسا اشبه بالأساطير ويقال انه كان في هوليوود وحدها ما لا يقل عن خمسمائة مراسل صحافي لنقل آخر أخبار النجوم وتحركاتهم واسرارهم. وترى الكاتبة تري مارغريت ان هولييوود حينها كانت ثالث اكبر مصدر للاخبار بعد واشنطون ونيويورك ونحو مائة الف كلمة كانت تخرج يوميا منها فنشأت حينها العديد من الاندية الخاصة بمعجبي نجم معين وتعالت مكانة الممثل النجم وبلغت سيطرة الممثل النجم للدرجة التي يفرض فيها رؤاه للفيلم ومخرجه ايضا، وكان من المعتاد ان يتم الاعلان عن الأفلام من خلال ممثليها ونجوم الجماهير، ولوقت طويل دون أي ذكر للمخرج او غيره، خاصة في ظل نظام الستديو الذي كان يعمل على تهميش دور المخرج بدرجة كبيرة حينما يتتابع احيانا اكثر من مخرج لعمل فلم واحد ووقت ما كان يأتي المخرج الى موقع التصوير ليجد بانتظاره ما هو مطلوب منه تصويره لهذا اليوم وربما دون ان يعرف ما الذي سيفعله في الفلم غدا. وربما تجسد مارلين مونرو اشهر نجمة سينمائية كل هذا الهوس الشعبي بالنجوم للدرجة التي ما زال مقتلها او انتحارها يشكل سرا غامضا رغم العديد من المؤلفات التي كتبت عنها، كما لم يكتب عن أي نجم سينمائي آخر، وكذا الحال مع النجم جيمس دين الذي مات شابا بعد ان كان مثلا يحتذى عند كثير من الشباب الأمريكي في الخمسينات الميلادية لدرجة تقليد لباسه وتسريحة شعره، بل انه ما زال هناك حتى هذا اليوم من يعتقد عدم موته ويرسل اليه الرسائل وهو هوس يعيد ما حدث مع النجم السابق رودولف فالنتينو.

واذا كانت بداية الستينات هي نهاية ما يسميه الكاتب ادغار موران «نظام النجوم» وتلك القداسة الغامضة للنجم وتحميلهم ادواراً حياتية اكبر من حقيقتهم، فانه بالمقابل حتى هذا اليوم لم يحدث تغيير كبير على مستوى مكانة الممثل، حيث ما زال عامل جذب يتقاضى اعلى الأجور وما زال أداء الممثل نفسه لا يشكل معيارا اساسيا في الحكم على جماهيريته الا ان الوعي الفني المتزايد الذي كان نتيجة منعطفات فنية كبيرة ومهمة في تاريخ السينما أبقت الممثل في هذا المكان وسحبت منه ايضا قدسية الدور السابق بينما أعطت المخرج والسيناريست والمصور وغيرهم مكانة اكبر وجعلت منهم عوامل أساسية في التقييم الفني تسبق دور الممثل الذي لن يزعجه هذا الأمر ما دام يتلقى رسائل معجبيه ويتسلم مبالغ المنتجين. ولا يطمع احد من السينمائيين في صنع موازنة منصفة ما بين جماهيرية الممثل ودور العوامل الفنية الأخرى، الا انه يمكننا اعتبار الفترة الحالية التي نعيشها هي اكثر الفترات منطقية في تاريخ السينما في وضع الجميع في أماكنهم التي يستحقونها.

[email protected]