المؤلف ليس كل شيء

حازم الجريان

TT

في الخمسينات من القرن الماضي، خرج كتاب مجلة «دفاتر السينما» ونقادها بنظرية سينمائية غيرت الكثير في النقد السينمائي حول العالم، حينها كتب فرانسوا تروفو يهاجم ما تنتجه السينما الفرنسية في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، ويتخذ من ألفريد هيتشكوك وجان رينوار أمثلة على المخرج كمؤلف حقيقي خلف العمل السينمائي، ثم جاء تعبير «الكامير القلم» ليجعل المخرج وحده المسؤول الأول والأخير حول كل شيء في الفيلم، فالمخرج يجب أن يستعمل كاميرته كما يستعمل الشاعر قلمه، وكما يستعمل الرسام ريشته... الخ.

في البداية يجب أن نوضح أمرا مهما، «نظرية المؤلف» ليست نظرية سينمائية بقدر ما هي طريقة لرؤية الفيلم، ولتقدير العملية السينمائية، فهي إذاً تهم النقاد والمشاهدين أكثر مما تهم من يقف خلف الكاميرا.

لا يمكن لأحد أن ينكر أهمية نظرية مثل في إعادة الاعتبار لدور المخرج كمبدع لا يقل شأنا عن شيكسبير أو مايكل أنجلو، لكن نظرية المؤلف تغفل عمدا عن أن العملية السينمائية هي عملية جماعية، يشترك فيها أكثر من فنان، مثل كاتب النص والممثل ومدير التصوير... الخ. كيف يمكن لفيلم مثل «المواطن كين» أن ينجح دون مصوره الشهير غريغ تولاند، الذي رشح لخمس جوائز أوسكار لأفضل تصوير قبل ترشيحه السادس عن «المواطن كين».

المشكلة الثانية في نظرية المؤلف، هو ذلك الإصرار الغبي أحيانا على أن كل مخرج يجب أن يمتلك طابعا مميزا سواء كان التميز بسبب أسلوب بصري خاص، أو بسبب موضوع معين متكرر، لهذا يأخذ البعض على مخرج مثل جورج لوكاس أن أفلامه لا تملك أي شيء مشترك فيما بينها، وهو ما جعل فرانسوا تروفو الأب الروحي لنظرية المؤلف يقول ذات مرة بأنه «يفضل أسوأ أفلام جان رينوار على أفضل أفلام جان ديلانوي». ذلك لأن الأول كان يملك طابعا خاصا، وهو الشيء الذي افتقده الثاني. نظرية المؤلف في الحقيقة ليست نظرية لقراءة الأفلام بقدر ما هي نظرية لقراءة المخرجين أو كما يقول تروفو «ليس هناك أفلام جيدة وأخرى سيئة، هناك مخرجون جيدون وآخرون سيئون». أتمنى فقط لو كان تروفو حيا الآن ليخبرني كيف يمكن مثلا أن نحكم على مخرج لا يملك سوى فيلم واحد؟

[email protected]