قلعة صلاح الدين تحتضن نيران الأناضول

TT

في سرعة اللهيب كانت سرعة خطوات ودقات راقصي فرقة نيران الأناضول، الذين أضفوا على برودة هواء ليل القاهرة نوعا من الحميمية والدفء، حتى التحمت إيقاعاتهم الموحدة مع دقات قلوب من كان يشاهد عروضهم.

تبدأ أحداث العرض بتصاعد النيران فوق جبل نمرود، ليصافح لهيبها سماء مدينة الأناضول التركية، فتبدأ كافة المخلوقات في الالتفاف حول النيران، ليشاركوا بأجسادهم في الرقصة المباركة في نفس مكان النصب التذكاري للسلام.

ويظهر «بروميثيوس» رمز الخير ممسكا بيده جذوه النار للبشرية قادما من أرض الأناضول، لتبدأ النيران في الانتشار في مختلف انحاء الأرض، ويبدأ الاحتفال بها وينحت التاريخ اللحظات الأولى لاشتعال الصراع بين الخير والشر وتبدأ الحكايات والأساطير، لتأتي الأجيال وتقول كلمتها باللغة التي تريدها، هذه هي فكرة العرض الموسيقي الذي قدمته فرقة نيران الأناضول اخيرا على مسرح «محكي قلعة صلاح الدين الأيوبي» في العاصمة المصرية القاهرة، حيث اختار مصطفى أردوغان مصمم الرقصات ومؤسس الفرقة لغة الجسد، ليقول كلمته بمصاحبة 120 راقصا وراقصة، أشعلوا «نيران الأناضول» على مدى 4 أيام استضافتهم فيها دار الأوبرا المصرية.

العرض التركي «نيران الأناضول» عرض مبهر بكل معنى الكلمة، ونجح في تحريك حواس مشاهديه ونيل إعجابهم، بعد أن نجح في بداية تاريخ الصراع الذي كاد أن يمزق بلاد الأناضول بمصاحبة موسيقى تنتقل بك لحقب زمنية تمتد لآلاف السنين، وإضاءة تساعدك في فك طلاسم الأحداث وملابس مبهرة في ألوانها وتصاميمها تأخذ التراث التركي قاعدة لها.

استعان «أردوغان» بشاشة عرض في خلفية المسرح تمتزج بأجساد الراقصين خلال تقديم اللوحات الراقصة، وتعلن بدء أو انتهاء مرحلة أو مشهد، وساعده في ترتيب وتسلسل الأحداث المؤرخ التركي نزيه باسجيلين»، وفي تصميم اللوحات الراقصة «ألبير أكسوي» و«أوكتاي كيرستيكي» الذين استوحوا أفكارهم من الرقصات الفولكلورية التي تملأ أرض الأناضول، الممتدة من بحر إيجه، حيث مئات أشجار الزيتون وحتى جبال «ميسيوبوتاميلا».

ويواصل التاريخ سرد باقي الأسطورة، حيث يرسل «زيوس» العواصف لجلب النيران للبشرية من خلال «ياندورا»، الذي يأتي محملا بكل الشرور على بنيته القوية ويحارب «بروميثيوس» رمز الخير، ويقيده بالأغلال، لكن قوى الخير تأتي لتخليصه من أغلاله، ويبدأ «زيوس» في جمع كل قوى الشر تحت قيادة «باندورا» لتحقيق النصر في هذه الحرب، ويعم الشر أرجاء الأناضول ويكسو المسرح السواد من خلال أجساد الراقصين المغطاة بالملابس السوداء، تتخللها أيام من النور تعبّر عنها زغاريد النساء.

ويرى مصطفى أردوغان أن نجاح عروض الفرقة تحقق بمواصلة الراقصين التدريبات الجادة، وخضوعهم لإشراف غذائي مناسب، وإعطائهم محاضرات في التاريخ ودراسة الفولكلور والموسيقى والرقص الشرقي والحديث، مما جعلهم على قدم المساواة مع فرق الرقص العالمية، إلى جانب الموهبة بالطبع، التي يؤكد عليها أردوغان بقوله «لقد حرصت منذ تأسيس الفرقة التي اسميتها في البداية (سلاطين الرقص) على اختيار راقصين من ذوي المواهب والحضور والليونة، وتقدم لي في البداية اكثر من ألفي راقص وراقصة تمت تصفيتهم إلى 750 أجريت لهم اختبارات أخرى وانتهت تصفيتهم إلى 120 راقصا وراقصة. بعدها تم إلحاقهم بمعسكر عمل تضمن التدريبات البدنية للوصول إلى شكل معين للجسم وإشراف غذائي ودروس في الرقص الشرقي والحديث والفولكلور والموسيقى، إلى جانب دراسة التاريخ، فالراقص المثقف يختلف حضوره وأداؤه على المسرح عن مَن هو دون ذلك، وكان ذلك عام 1997، واستمر لمدة 5 سنوات قبل البدء في تقديم أية عروض خارج البلاد، وكانت أول جولة عالمية خارج تركيا عام 2002، بدأت بألمانيا وبلجيكا وهولندا حتى وصل عدد جولاتنا 35 جولة».

«بالنسبة لمصر فهذه هي المرة الثانية التي نقدم فيها عروضنا على مسرح «محكي القلعة» وهو مكان رائع، لان الأجواء التاريخية بقلعة محمد علي تشبه مثيلتها في تركيا وتساعد الراقصين أكثر في الاندماج مع التاريخ وانعكس ذلك على الجمهور».

يذكر أن مصطفى أردوغان ولد بمدينة هكاري بتركيا عام 1965، وقام بدراسة الفلسفة والإدارة إلى جانب دراسته لعلم الموسيقى والرقص الفولكلوري، كما عمل كصحافي ومراسل لبعض المجلات التركية التي نشرت له مجموعة من الآراء النقدية حول حقائق الحياة وبعض الأبحاث.