«مذكرات جندي أميركي قبل وأثناء حرب الخليج».. تروي قصة الروتين اليومي

مهند الجندي

TT

خاصية «الانتظار» ليست موجودة عند الأميركان، الأكل سريع، السيارات سريعة، الطائرات أصبحت نفاثة تتسع لـ500 راكب، التكنولوجيا أكثر سرعة وتطوراً، حتى القرار السياسي أصبح أكثر سرعة ومرونة. نسبة مرتفعة من المواطنين الأميركيين لم يصوتوا في الانتخابات الأخيرة لأنهم على علم أن إجراءات الانتخابات بطيئة ومملة. ووفقاً إلى مذكرات جندي حرب الخليح أنتوني سوافارد التي نشرها عام 2003 واقتبسها ويليام براولز في هذا الفيلم من إخراج سام مينديس، فإن الجنود الشباب تدربوا كي يصبحوا قتلة بالفطرة، لكن ماذا سيحدث إن لم تعثر على أي عدو تطلق النار عليه والأيام تمتد لدرجة أنك تشعر بأنك ستبقى على هذه الأرض إلى الأبد؟ الفيلم يدور أثناء حرب الخليج، وبالضبط داخل معسكرات حيث الجنود ينتظرون نداءهم كي يتوجهوا إلى أرض المعركة للقتال في الكويت والعراق قبيل عاصفة الصحراء. كيف يتعامل الجنود الأميركيون مع الانتظار؟ ليس بشكل جيد على الإطلاق.

أنتوني سوافارد الملقب «سواف» (جيك غلينهول) يحاول أن يسير على خطى والده الذي خدم في حرب فيتنام، يقوم بتسجيل نفسه كجندي بحري. يرسل إلى معسكر تدريبي أساسي حيث يمر بالإذلال التقليدي والمثالي لهذه المعسكرات، وأساليب وتقنيات تجعل شباب العشرين سنة الساذجين يتحولون إلى آلات قتل بحتة فعالة. سواف ورفيقه تروي (بيتر ستراسغارد) يصبحان قناصي الكشافة، مما يعني أن عليهم استخدام رشاشات عالية المستوى وبدقة كبيرة. عندما يصلوا إلى المملكة العربية السعودية، تواجههم تجربة أكثر إثارة والتدريب على معارك حقيقية. المقدم كازنيسكي (كريس كوبر) يفتح عقول هؤلاء الجنود المتعطشين للحرب إلى الصورة الوطنية الأميركية التي تقول: «سنريهم من المتحكم في هذه الحرب». سواف، تروي وبقية الجنود يقدمون تقاريرهم إلى الرقيب الفصيلة سايكس (جيمس فوكس) الذي يبدو مستمتعاً بحياته كجندي.

لكن مع مضي الوقت يتضح لهؤلاء الجنود أنه ليسوا في المكان الصحيح للحرب: بدلا من المقاتلة عليهم أن يعانوا من أيام طويلة حارة والقيام بإجرات مملة غير مجدية، يشربون الكثير من الماء ويقضون الحاجة أكثر. لا عجب أن سواف حلم باستفراغه للرمال. كي يسلوا أنفسهم، يرتب الجنود معارك للعقارب ويبتكروا حائط فضائح لكل الصديقات والزوجات الاتي خانوهن. نفاد صبر سواف وإحباطه لا يتجلى إلى عندما يرى عجز جندي آخر، يخرج غضبه وسأمه على زميله المسكين. في أكثر مشاهد الفيلم ترويعاً وإثارة للإشمئزاز ربما، يقوم جندي طويل اللسان اسمه فلاور (إيفان جونز) بسحب جثة رجل عربي مفحم إلى حفرة حفرها بنفسه. يدخل تروي وسواف في الموضوع لالتماس الرحمة في هذا الجندي بينما الجثة تجر على الأرض. كل هذه المشاهد مجمعة كي تعرض نوع الغضب والتجرد من الإنسانية الذي أدى إلى حادثة سجن أبو غريب وسجون عراقية أخرى. الفيلم يشبه بطريقة ما فيلم ستانلي كوبريك لعام 1987 Full Metal Jacket في نظرته للحرب، لا يمجدها بقدر ما يشرح كيف يمكن أن تكون المعارك مربكة ومشوشة ومفاجئة الطابع. الجمهور الذي يتوقع الكثير من الرصاص والحركة لن يجد ما يريده هنا، سام يبحث عن الواقعية والسخرية اللاذعة، هناك عدة حوارات بين سايكس وسواف تشير إلى المشاهد أينما كان إلى السبب الذي يدعو هؤلاء الشبان للتطوع والعيش في مثل هذا المكان والوضع المريب. التجربة مهما كانت سلبية أو إيجابية، بالنسبة لهم تعتبر غير عادية. الفيلم أيضاً يرينا صعوبة التحول إلى جندي أميركي جاهز، طبيعة العلاقة التي تنشأ بين الجنود والروتين اليومي الذي يتخلل حياتهم الحربية السقيمة. صحيح أن الفيلم يبدو أحياناً ضعيفا في توفير التسلية، ويجتر بعض المشاهد، ويحتاج لتحرير بعض مواقف، إلا أن ذكاء وتلميح حكايته وقوة أداء الممثل جيك غلينهول يدخلنا في هذا العالم الحربي المظلم والحزين. المخرج سام مينديس (صاحب الأوسكار في جمال أميركي مع كيفن سبيسي، والطريق إلى الهلاك مع توم وهانكس وبول نيومان)، يقدم فيلما معاديا للحرب لكن لا يركز على أي هجوم سياسي محدد كما قدمت عشرات من الأفلام الحربية السابقة، بل يسلط الضوء على الجنود وإحباطاتهم ونفاد صبرهم بينما ينتظرون فرصتهم للاشتراك في القتال، والآلية القاتلة التي تحولوا عليها بعدما كانوا شبابا عاديين. «هل سنقوم بقتل أحدهم يوماً ما؟» هو السؤال الذي يراود ويؤرق كل جندي أميركي.

الفيلم بشكل عام يعتبر أقل مباشرة من (ثلاثة ملوك) انما يتشابه معه في أغراض وطريقة التهكم، يفتقر للقوة الجمة التي اكتبستها أجواء (القيامة الآن) و(الكتيبة)، إنما بطريقته الخاصة والهادئة الرزينة (وهو أسلوب سام مينديس المعروف) يرينا سخافة الحرب والمواقف العديدة التي قد تقضي على الأميركيين كحكومة وجنود لعدم قدرتهم على الانتظار واتخاذ الإجراء المناسب في حرب المناسبة، لأن تروي وسواف في النهاية بعد انتظارهم المطول اكتشفوا حقيقة الحرب التي دخلوها.