«عيد ميلاد سعيد» يرتفع فوق كل الحروب ليمجد الإنسان

تعتمد أحداثه على وقائع حقيقية حدثت عشية أعياد الميلاد عام 1914

TT

لعل ابرز ما يميز فيلم «Joyeux No» «عيد ميلاد سعيد» عن غيره من الأفلام المعادية للحروب، انه لا يتخذ وحشية الإنسان نمطا لبيان اثر الحروب على بناء المجتمعات، إنما يتطرق إلى إنسانيته التي أرادت وأدها وتجريده منها. «عيد ميلاد سعيد» هو بقية إنسانية أحياها جنود الحرب العالمية الأولى وتاقوا أن يعيشوها ولو لساعات قلائل. لقد اراد له مخرجه كريستيان كايرون ان يكون فيلم حرب انساني ولطيفاً لا تملأ شاشته الدماء ولا الجثث المفحمة المكدسة فوق بعضها البعض.

الفيلم يعود بنا الى الوراء قرنا من الزمان الى اولى الحروب العالمية التي قصفت بالعالم اجمع واوربا منها على وجه الخصوص وتحديدا في ليلة احد اعياد الميلاد، تلك الحرب على خط النار حيث يتحصن كل من الفرنسيين والألمان والأسكوتلنديين في خنادق يبعد كل منها عن الآخر امتارا قليلة في انتظار اوامر اختراق الخطوط. إلا انه ومع حلول ليلة عيد الميلاد بدأ كل طرف وعلى حذر الإحتفال ولو ليلة واحده في شتاء اوروبا قارس. غير ان هذا الاحتفال الذي تحده جدران خنادقهم ما لبث ان انقلب إلى احتفال مشترك يجمع كل الأطراف المتنازعة في تلك الجبهة، الألمان والاسكوتلنديين والفرنسيين. وعلى الرغم من وجود العديد من غير المسيحيين إلا ان رغبة الشعور بالأمان وتذوق حلاوة السلام جمعهم جميعا لليلة واحدة وتحت مظلة واحدة، يسمرون ويلهون ملقين متناسين امر نزاعهم المسلح، ومتغافلين اوامر قياداتهم. يعتمد الفيلم في احداثه على وقائع حقيقية حدثت عشية اعياد الميلاد عام 1914 للميلاد في عدة جبهات على طول الخطوط الأولى للقتال، وقد كان لها اثر كبير في الفتور الذي لحق بالجنود طوال سنوات الحرب التالية.

هذا الفيلم الضخم يأتي كأحد الأفلام القليلة التي يجمعها الإنتاج الأوربي المشترك، فقد شارك في انتاجه كل من فرنسا وانجلترا والمانيا وبلجيكا ورومانيا، كما انه لم تكن هناك لغة رسمية واحده للفيلم، فهو يتحدث الإنجليزية والألمانية والفرنسية واللاتينية، وإنه لشعور جميل ورائع هو الذي تشعر به حينما تشاهد فيلما لا تعرف الى اي صف يمكن ان يكون والى اي بلد يمكن ان ينتمي، فهو فيلم لكل الثقافات ولكل الشعوب، فيلم عن الانسان وللإنسان، الذي مهما اختلفت اعراقه وتوجهاته وتصرفاته إلا ان رغباته وطموحاته واحدة، الرغبة في العيش براحة وسلام، وهي الرسالة التي اراد الفيلم التأكيد عليها منذ بدايته وحتى نهايته. الفيلم في افتتاحيته يسلط الضوء على الدوافع التي جمعت كل هذه الجموع لتقاتل بعضها البعض، والتي تتلخص في دفع كل ما يهدد وجوده ولقمة عيشه وكرامته في هذه الحياة والقضاء عليه، إلا ان هذه التراكمات الفكرية المغلوطة تنهار واحده تلو الأخرى حينما تتجرد النفس البشرية منها ليكون الوئام والصفاء هو اساس تعاملاتها. وإنه لمشهد مهيب ومؤثر ذلك الذي جمعهم في ساحة واحدة ليتلو عليهم احد القساوسة الاسكوتلنديين صلوات عشية عيد الميلاد، إضافة الى ذلك فإن للفيلم، لطبيعة موضوعه وقصته ومفارقة الحدث التي جمعت اعداء كانوا يتقاتلون في ليلة حافلة، تأثيره في وجود بعض اللحظات والمفارقات الظريفة والمضحكة. البداية كانت بسؤال بدهي هو: كيف لي ان أصافح وأسامر عدواً يقاتلني قبل سويعات ثم انتهى الى نقيضه: كيف لي ان اقاتل من كنت اتناول واياه الشاي قبل لحظات، وهو سؤال اكثر صعوبة، فالحيرة لم تفارق اولئك الجنود وقادتهم الميدانيين في ما سيفعلونه في يومهم التالي.

الفيلم كتبه واخرجه المخرج الفرنسي كريستيان كايرون في ثالث عمل سينمائي يقوم به هو الأضخم والأهم بينها. وقد عرض في عدة مهرجانات عالمية اولاها مهرجان كان في دورته السابقة، وقد اختارته فرنسا ليكون مرشحها الرئيسي لأوسكار افضل فيلم اجنبي هذه السنة، والذي ستعلن نتائجه الشهر القادم.