«جبل بروكباك» المرشح للأوسكار .. فيلم كل شيء فيه متقن

ألم الحياة تحت أسرار مخفية

TT

فيلم «جبل بروكباك» للمخرج آنغ لي يشبه في فكرته أحد أفلام المخرج السابقة وهو «النمر المتوثب والتنين المختبئ»، فالفيلمان يتعاملان مع شخصين يحبان بعضهما البعض جداً لكنهما لا يستطيعان الاستمرار أو التعبير عن هذا الحب لأسباب وضغوطات اجتماعية أو دينية. هذا الفيلم يقدم علاقة غرام غير شرعية بين راعيي بقر شابين، لكنهما يبقيان هذه العلاقة سرا، في محاولة لعيش حياة اجتماعية مقبولة. انحراف طرفي قصة الحب هو أمر مزعج، لكن ظروف هذه العلاقة وحقيقة وقوعها في الغرب الأميركي شيء مثير للجدل والاهتمام، خاصة أن آنغ لي غير مهتم بتصوير علاقة حب منحرفة فقط لأنه موضوع حساس. القصة القصيرة لآني برولكس التي اقتبسها لاري مكمرثي وديانا اوسانا تتكلم عن ألم الفراق والبعد عن الحبيب داخل بيئة اجتماعية محافظة.

شابان عاطلان عن العمل، إنيس ديل (هيث ليدجير) وجاك سويفت (جاك غلينهول) يتقابلان لأول مرة عام 1962 عندما يجتمعان على رعاية قطيع من الخراف عبر أراضي وايومينغ الجبلية أثناء فترة الصيف. وبالتدريج، يبدأ كل من جاك الجريء اللطيف، وإنيس المتحفظ، بالانسجام مع بعضهما البعض. ليس لديهما شيء في البرية إلا أن يتعرفا على بعضهما البعض البعض. لكن في ليلة شديدة البرودة بينما يحاولان التدفؤ في خيمتهما، يشتركان في لقاء جنسي غريب وقاس. «كانت هذه المرة الوحيدة» إنيس يخبر جاك في اليوم التالي، ويكمل «أنا لست شاذاً». جاك يوافقه بسرعة، لكن في الليلة التالية يجدان نفسيهما معاً مرة أخرى. الرابطة بينهما تبدو صحيحة، وكلاهما يعرف ذلك، لكن إنيس متأكد انه مهما كان هذا الشيء بينهما فهو لن يستمر عندما يعودان إلى بيتيهما. «ربما في مكان وزمان آخرين» يقول إنيس عندما يقترح جاك أن يستمرا في علاقتهما.

عندما ينتهي عملهما الصيفي، يفترقان، إنيس يتزوج حبيبته منذ مدة طويلة إلما (ميشيل وليامز) ويرزقان بطفلين، وجاك يتزوج فتاة غنية اسمها لورين (آن هاثاوي). تمر أربع سنوات قبل أن يتقابلا مرة جديدة. جاك يقول إنه عابر سبيل من وايومينغ لبضعة أيام، لكن من الواضح أنه قدم ليرى إنيس. والعاطفة القديمة تظهر فوراً كما لو أنها لم تنته. ومع مرور السنوات تصبح لقاءاتهما منتظمة، جاك يعلن أنه سيتخلى عن حياته وعمله في حقل والد لورين إن كان هذا سيجمعها معاً. بينما إنيس يبقى على رأيه السابق، علاقتهما ستلحق الأذى بهما إن عرف أحد عنها، مما يجعل فرصهما في أن يكونا معاً قليلة جداً. الفيلم يسير على أنه قصة حب تقليدية جداً بكثير من الأساليب المعروفة. لكن الطريقة السرية لعلاقة جاك وإنيس تشكل خيطاً ثابتاً من الذعر والحرارة للفيلم. من المستحيل أن تنظر لأي واحد في الفيلم ولا تتساءل إن كان يعرف أو يشك بما يجري بينهما. براعة السيناريو تكمن في أنه لا يلفظ غرابة هذا الحب إلا نادراً جداً، ويفضل ترك هذا الأمر على أداء الممثلين. إنيس يتحدث عن زوج من رعاة البقر كبار السن عندما كان طفلاً صغيراً، أحدهم قُتل بطريقة وحشية. لا يقول ولا لمرة واحدة انهما كانا شاذين، فقط يلمح لذلك بخفة. الشيء الذي يشرح جيداً في الفيلم هو العقوبة التي سيتحملونها على الطريقة التي اختارا أن يعيشا فيها حياتهما. والده أجبره على النظر الى جثة أحد رعاة البقر الشاذين، يوضح له خطورة إعلان علاقته مع جاك وكرهه للعلاقات الشاذة. المخرج يرينا أن رفض إنيس لخطة جاك بالعيش في منطقة مخفية تحت ظل حكم بالإعدام هو الاختيار صحيح.

حرمة فكرة الفيلم في ديننا الحنيف لا تنفي وجود رسالة هامة في ثناياه، لا أدري إن كان آنغ لي يؤيد الحب من نفس الجنس البشري، لكنه بالتأكيد يوضح من خلال هذه القصة سهولة اتساعه وانتشاره كي يصل إلى الغرب الأميركي الأصيل. وفي معظم الأوقات يبدو أن اختيار المخرج لرجلين في طرفي قصة الحب هذه كان للتجديد فحسب وليس لإثارة الغرائز الشاذة أو الألسنة، والدليل على ذلك أنها مصورة بشكل يستدعي شفقتك وأنت تشاهد وجع الفرقة بين جاك وإنيس. كل شيء في «جبل بروكباك» متقن الصنع، التمثيل، التصوير، الموسيقى، التحرير، السرد، وخاصة إخراج آنغ لي. ومنذ المشهد الافتتاحي خارج مكتب صاحب المزرعة حيث ينتظر راعيا البقر الأخبار عن عملهما، إنيس يختبئ باستحياء خلف قبعته، جاك يتكئ على شاحنته، إلى المشهد الذي يزور فيه إنيس غرفة جاك في طفولته. إنها أكثر من رغبة غرام، قصتهم تكشف ألم الحياة تحت أسرار مخفية وشخصيات متعددة. والحب الذي يجمعهم يقبل عيوب كل واحد فيهما كما هو وعلى حقيقته. وكما كان فيلم كلينت إيستوود الأخير «فتاة المليون الدولار» بسيط ومؤثر للغاية في سرد قصته، فإن «جبل بروكباك» يستخدم نفس الأسلوب، يعتمد على ممثليه والأجواء العامة. السيناريو بالكاد يحمل أي حوار، يترك حساسية المشاعر وحدة المواقف تعبر عن كل حالة ومشهد. الفيلم بالطبع ليس للجميع، فهو يعرض دراسة علاقة غرام حادة بين رجلين يستحيل أن تتكلل علاقتهما بالنجاح. يمتاز هذا الفيلم بالجرأة والموضوعية وحتى الإثارة من مخرج مبدع لا تستطيع التكهن بتاتاً بمواضيع مشاريعه، لكن تأكد أنها ناجحة، قوية، وفي أغلب الأحيان تستحق التجربة كحال هذا الفيلم.