جنيفر وتحدي الوجود خارج التلفزيون

بعد خمس سنوات من فوزها في «ستار أكاديمي» الفرنسية

TT

لم يكن احد يتصور ان تلك الفتاة ذات التسعة عشر ربيعا والوجه الملائكي قادرة على الصمود حتى انتهاء الحلقة الاخيرة من برنامج «ستار اكاديمي» في التلفزيون الفرنسي. كانت عذوبتها هي كل رأسمالها، يضاف اليها صوت جميل ذو بصمة صغيرة، لكنه ليس من النوع الأخاذ. ومع هذا تمكنت جنيفر، هذا الاسم الصغير من دون لقب، ان تفوز في السباق وتوقع عقدا مع شركة «يونيفرسال» لاصدار «ألبوم» خاص بها.

ماذا يحدث لموهوبة صغيرة مثلها عندما تغادر الاكاديمية التي جعلت منها نجمة في غضون اسابيع قلائل؟

لا بد اولا من التذكير بان المسابقة التي خاضتها جنيفر جرت قبل خمس سنوات، وكانت تلك هي الدورة الاولى من البرنامج الذي استقطب ملايين المشاهدين. وقد تصدرت صور الفائزة اغلفة كل المجلات الفرنسية التي صدرت في اسبوع الفوز، وهو امر تحلم به أية نجمة من نجمات السينما والاغنية في فرنسا. وقد بلغ من شهرة جنيفر ان ميلها الى ارتداء الثياب الجلدية السوداء والقمصان البيض صار اسلوبا لدى بنات جيلها، وان الحوامل، تلك السنة، انجبن بنات حملت مجموعة منهن اسمها، وان شعرها الاسود الطويل قد اعاد الاعتبار الى التسريحات الكلاسيكية طاردا موضة الشعر الاشقر او الاحمر التي كانت مطلب الشابات، آنذاك.

لكن مسيرة جنيفر لم تكن بالسهولة التي يمكن ان يتصورها المرء. وليس صحيحا انها غنت اغنيتين امام الكاميرا وقفزت قفزتين راقصتين فصارت شهيرة وثرية بين ليلة وضحاها. فقد كان هناك قلق عميق في اوساط البرنامج، وتدريبات عسيرة، ومنافسة محتدمة، وشائعات لا تهدأ، وانهيارات عصبية يحتاط لها اطباء الاكاديمية بالمهدئات وجلسات العلاج النفسي.

والمشاهدون الذين كانوا يرون جنيفر متألقة ومبتسمة على الشاشة، لم يكونوا يتصورون انها انخرطت في نوبة بكاء قبل موعد البث بنصف ساعة، او ان حرارتها قاربت الاربعين، او انها قررت، في لحظة احباط، ان تترك كل شيء وراءها وان تهرب الى ابعد مكان ممكن عن اكاديمية النجوم.

لكنها لم تفعل، وربما كان السبب طبعها الهادئ المتعقل، وهو طبع كان يمكن له ان يبعدها عن الفوز لان لجنة التحكيم تميل الى الخامات الفنية ذات الجموح والتمرد والخروج من السرب، فهذه هي مواصفات النجم الذي يجتذب شباب اليوم.

ولا بد من الاشارة الى ان جنيفر تدين بالكثير الى مدير اعمالها الذي يضع نفسه تحت تصرفها كل الوقت، انه ينصحها ويقدم لها المشورة الفنية والاعلامية بل يساعدها في اختيار ثيابها وتعميق صورتها المميزة على المسرح. ولعل «الكليب» الاول الذي قدمته بعنوان «في الشمس» يدل على الجهد الذي يبذله الاثنان لكي تنطلق نجمة جديدة في فضاء الاغنية الفرنسية.

اتيح لجنيفر، بفضل الاكاديمية، ما لم يتح لغيرها، فقد ادت ثنائيات مع كبار المغنين، امثال جوني هاليداي وسيرج لاما، وشاركت في حفلات واسعة النجاح مع مجموعة «ليزونفواريه» الذائعة الصيت، واصدرت اسطوانتين خاصتين بها رغم انها على عتبة الخامسة والعشرين فحسب.

لم تصرفها الشهرة والثروة الهابطة عليها عن حياتها الخاصة، فأنجبت ولدا غنت له واحدة من اروع اغنياتها «انه من ذهب»، أدتها باحساس عال انتقل، مثل العدوى، الى كل من يستمع اليها. والامر نفسه يقال عن اغنيتها «ثورتي» التي تؤديها وكأنها تغني بأعصابها لا بحبالها الصوتية، وبكل ذرة من كيانها.

والآن، يتساءل بعض المهتمين بالغناء: هل ان ظاهرة جنيفر هي مجرد سحابة صيف، او بضعة أصياف، وان هذه «النجمة الصناعية» ستنطفئ سريعا مثل شهاب عابر؟

لا احد يملك الجواب عن سؤال «مستقبلي» مثل هذا، لكن هناك مؤشرات تؤكد ان بقاء جنيفر في الساحة لمدة خمس سنوات معناه انها تمتلك اسلحة الاستمرار والعطاء لمسيرة فنية قد تستغرق العمر كله، لكن يجب ألا ننسى ان «الموضة» هي المسيطرة اليوم على فن الاستعراض، وما قد يكون ملائما للاذواق اليوم، قد يبهت غدا ويستبدل به الجمهور موضة اخرى، اكثر جدة وطرافة.

المهم ان جنيفر ما زالت تقف على المسرح بثبات، وما زالت تحافظ على مظهرها الكلاسيكي وشعرها الاسود الطويل من دون التفات للصرعات الشكلية، وهي بملامحها الدقيقة تعيد الى اذهان العواجيز من مواطنيها ذكرى فيلم «ذهب مع الريح» وبطلته فيفيان لي.. اذ كم تشبه فيفيان جنيفر عندما كانت في عمرها!