أبوبكر عزت .. الباحث عن قيمة العمل وسط تجاهل خريطة الدراما

قدم أكثر من 60 فيلما وغاب عن الجوائز المصرية

TT

عاش قانعاً بموقعه على خريطة الفن العربي والمصري، لم يتذمر، لم يغضب يوماً بسبب عدم حصوله على المكانة التي يستحقها، ولم يشغله حجم أو ترتيب اسمه على الأفيشات أو مساحة الدور الذي يلعبه في أي عمل سينمائي أو مسرحي أو تلفزيوني، دائماً كان شغله الشاغل قيمة الدور وفاعليته وأهميته الدرامية، إنه الفنان الذي رحل عن عالمنا مساء الاثنين الماضي، أبو بكر عزت، عن عمر يناهز الـ73 عاماً إثر إصابته بأزمة قلبية مفاجئة نقل على أثرها إلى المستشفى ولم تنجح محاولات إنقاذه.

ولد أبوبكر عزت في الثامن من أغسطس (آب) عام 1933، وحصل على ثلاث شهادات هي دبلوم معهد المعلمين، وليسانس الآداب قسم تاريخ، ودبلوم المعهد العالي للتمثيل.

وعندما كان يسأل أبوبكر عزت عن مشواره الفني كان يقول: جذبني الفن بالصدفة وظهرت كبطل مسرحي فجأة، واستمررت في طريق الفن والتمثيل، كلاعب الكرة الذي ينتظر فترة على دكة الاحتياطي، فلما يأذن له المدرب باللعب ينطلق.

لم يكن الفن في رأسي رغم مشاهدتي اليومية ليوسف وهبي وفاطمة رشدي وأنا ما زلت طفلا ألعب بالكرة في شوارع السيدة زينب، عندما كانا يعرضان مسرحياتهما في مسرح «إيزيس»، وعندما دخلت مدرسة الخديوية انضممت لفرقة المدرسة المسرحية وكان يخرج عروضها المخرج الراحل كمال ياسين، وفي الجامعة تعرفت على الضيف أحمد والسيد راضي وعادل إمام وصلاح السعدني ويوسف عوف، ثم التحقت بمعهد التمثيل وتخرجت منه عام 1959 وانضممت للمسرح الحر، وهناك وجدت عبد المنعم مدبولي وصلاح منصور وأنور محمد وعلي الغندور، وشاءت الصدفة أن أنضم للمسرح الحر عندما أسندوا لي بطولة مسرحية قصر الشوق لنجيب محفوظ، فقبل العرض بخمسة أيام قررت إدارة الفرقة إسناد البطولة لممثل آخر بعد تغيير البطل وسألوني تمثلها يا أبوبكر، قلت أكيد.. آن أوان النزول للملعب، ثم جاءت مسرحية مراتي بنت جن وقمت بلعب أربعة أدوار أخرى لزملاء مرضوا فجأة قبل عروض المسرحية، ولكن مسرح التلفزيون فتح أبوابه وذهبت إليه مفتوح الصدر والقلب، ولأول مرة عرفت طعم إسناد بطولة لممثل وما زالت المسرحية على الورق، بعدها بدأت البطولات المسرحية ولعبت دوري الشهير في مسرحية المفتش العام التي عرفني الناس من خلالها، والحقيقة أنني كنت مستبعداً من القيام ببطولة هذه المسرحية ولكن عبد المنعم مدبولي عندما تم اختياره لإخراجها أسندها لي، بعدها توالت الأعمال المسرحية.

قدم الفنان الراحل أكثر من 50 مسرحية لعب فيها أدوار البطولة، أبرزها «الدبور» و«البيجاما الحمراء» و«عريس في إجازة» و«المفتش العام» و«الدخول بالملابس الرسمية» و«مطلوب حياً أو متزوجاً» و«المغناطيس» و«سنة مع الشغل اللذيذ» و«زواج مستر سلامة» و«سعدون المجنون» و«30 يوما في السجن» وكان آخرها مسرحية «العالمة باشا» التي قدمها مع الفنانة سهير البابلي ليبتعد بعدها عن خشبة المسرح ويتفرغ للتلفزيون والسينما الذي كان لسنوات طويلة أحد وجوه نجومه المحببة، فقد نجح في أن يتسلل إلى كل بيت ويترك في كل قلب ابتسامة عريضة بخاصة مع أدواره على الشاشة الصغيرة ما بين الكوميديا والشر ويعتز جداً برحلته التلفزيونية لأنها حققت له الشهرة الحقيقية، فقد قدم أكثر من 150 مسلسلاً وبرامج أبرزها «طعم الأيام» و«دكتور في الغربة» و«رأفت الهجان» و«الشاهد الوحيد» و«أرابيسك» و«السقوط في بير سبع» و«التوأم» و«زيزينيا» و«وجع البعاد» و«بنت أفندينا» و«حلم الجنوبي» و«لا» و«نهارك نادي» وزمن عماد الدين» و«مؤسسة شهر العسل» و«أمس لا يموت»، وكان آخر أعماله التي يصورها قبل رحيله بعنوان «ومضى العمر الأول».

وحفل مشواره السينمائي بالنجاحات والأدوار المتميزة والتي تنوعت ما بين الكوميديا والتراجيديا فقدم أكثر من 60 فيلما أبرزها «النظارة السوداء» و«شقاوة بنات» و«اقتلني من فضلك» و«الوديعة» و«معبودة الجماهير» و«ثورة البنات» و«الثعلبة» و«ميرامار» و«أشياء لا تشترى» و«سوق الحريم» و«على ورق سوليفان» و«قمر الزمان» و«الكروان له شفايف» و«أفواه وأرانب» و«كدبة وكدبة» و«خائفة من شيء ما» وكان آخرها «المرأة والساطور» مع نبيلة عبيد.

«أعتقد أن الفنان لا يتجزأ، فلا نستطيع أن نحصر فناناً في المسرح فقط، أو السينما فقط، ولكن الفنان هو من يستطيع أداء الأدوار عبر أي وسيلة، ولكن أستطيع القول إن للمسرح مقومات تختلف عن السينما والتلفزيون، ولكل منهم طعم ونكهة خاصة يشعر بها الفنان عند تجسيد أي شخصية».. بهكذا جواب كان يجيب الفنان أبوبكر عزت عندما يسأل عن أي الفنون أحب إليه.

ويضيف: «على المسرح تشعر أنك ملك متوج ويزداد توهجك كفنان كلما شعرت بنبض الجماهير، وتجاوبهم معك، وفي السينما ترى أعمالك عند الانتهاء منها، أما التلفزيون فهو الذي يدخلك إلى كل بيت، ولهذا عليك أن تختار أدوارك فيه بحرص شديد».

لم يكن أبوبكر عزت من محبي حياة الصخب، بل كان رجلاً محباً للهدوء والحياة الأسرية الدافئة مع زوجته الكاتبة كوثر هيكل وابنتيه أمل وسماح، فكان قليل السهر خارج منزله، الذي كان يمارس فيه هوايته للقراءة، إلى جانب مشاهدة مباريات كرة القدم وبخاصة مباريات النادي الأهلي الذي كان يشجعه بتعصب.