الرجاء ممنوع التدخين

TT

لقد اصبحت المفاجأة عنصرا خاملا في جداول القرارات لدى بعض المؤسسات العربية. فلم يعد هناك من قرار غير متوقع، ولا من اجراء لا يمكن التنبؤ به مسبقا، وهو ما اعتاد عليه العرب واصبح جزءا من ثقافتهم العريقة. إلا انه وبالرغم من ذلك فهي لا تخرج على الأغلب من دائرة الغرابة، خصوصا فيما يتعلق بالحريات الفكرية والثقافية والفنية. فما زالت العديد من مؤسسات ودوائر الرقابة تفرض مبدأ الوصاية على المخرجات الفنية وبيد من حديد حتى لا يقع المواطن العربي البسيط والساذج في براثن العفن الثقافي الفني ولأسباب سطحية وتعبر عن وجهات نظر شخصية بحتة. إلا أن هذه التصرفات لا تعدو عن كونها تعديا صارخا على ابسط حقوق المشاهد المشروعة له كإنسان «هدي النجدين». لقد اثار انتباهي واستغرابي ما اوردته بعض الصحف من ان دائرة الرقابة المصرية رفضت مشروع فيلم للمخرج يوسف شاهين بعد اطلاعها على السيناريو. ولم يكن مثار الاستغراب مبدأ الرفض، الذي لو لم يكن احد اولوياتها لما وجدت كدائرة رقابية. إنما في اسباب ذلك الرفض. فقد كان احد اهم الاسباب الثلاثة التي اوردتها الدائرة التي دعت الى رفض الفيلم «ظهور فتيات، حسب ما ذكر في السيناريو (لأن الفيلم لم يصور بعد) يقمن بالتدخين في دورات المياه ما قد يدعو الى التأثير على المشاهد الكريم واقتداء بعض الفتيات الساذجات بهذه التصرفات غير المسؤولة». إنه لأمر مؤسف حقا.. هذه النظرة السطحية للطرح الفني الذي يسعى الفنان الى تحقيقه. لقد كان الفن ولا يزال بكل فروعه وتنويعاته ذا نزعة فردانية، وبقي منذ الازل حكرا لعقلية واحدة وفكرة واحدة هي عقلية وفكر الفنان. وان اي تدخل في هذه الخصوصية والامتياز الحصري سيؤدي بالضرورة الى خلل في لغته ومنظومته التي ينظمها، ما يفضي الى تشوهها ووصول صورة مغلوطة وغير مكتملة عن الرساله التي يريد الفنان والمخرج والمبدع ايصالها للمستقبل. وان كانت السينما العربية ممثلة بالسينما المصرية تعيش عبثا فنيا وتافها في اغلب احواله، فإن ذلك يرجع في احد اهم اسبابه الى الرقابة السمجة التي تحد من الإبداعات الفنية ومن ثم خلق سينما راقية وواعية، فإن لم يكن ذلك فلم العبث والسعي وراء سينما ناضجة وواعية وجرئية ولتكن شعاراتنا السينمائية «بوحه» «و».

[email protected]