محمد صبحي.. ديكتاتور المسرح الجميل

TT

لم يكن محمد صبحي يرى نفسه إلا راقص باليه، حتى أنه لم يكن يفكر في احتراف التمثيل في صباه، فقد كان عالم الموسيقى والباليه يسحره، حتى أنه اتقن عزف الكمان وقرر على غير رغبة والده أن يتقدم لامتحانات معهد الباليه، وهناك فوجئ بقرار عدم قبوله من لجنة الممتحنين، ليعرف بعد ذلك أن توصية من والده باستبعاده كانت السبب في ضياع حلمه.. بعدها قرر صبحي ابن الرجل الذي أدار مسرح يوسف وهبي وكان أهم من يروج لعروض فرق القطاع الخاص، أن يدرس المسرح، وقتها لم يعترض والده بل رحب، فبدأت رحلة المليون مشاهد التي عاشها صبحي واستطاع طوال سنوات من الجهد والعرق أن يكسر رقم المليون مشاهد سواء في المسرح أو التلفزيون وكان أقل توفيقاً في السينما التي قرر مقاطعتها.

اسمه الثلاثي محمد محمود صبحي ولد في القاهرة بالقرب من حي محمد علي عام 1948، منذ طفولته كان محباً للفنون بكل أشكالها وكثيراً ما كان يقلد أصوات الفنانين، بعد التحاقه بمعهد الفنون المسرحية، شارك في عدد من الأعمال المسرحية في أدوار صغيرة لعل أقربها إلى ذهن القارئ شخصية الطبيب التي قدمها لدقائق في أحد مشاهد مسرحية «هاللو شلبي» مع عبد المنعم مدبولي وسعيد صالح.

تخرج محمد صبحي من معهد الفنون المسرحية في عام 1970 والتحق بسلك التدريس الجامعي حتى حصل على درجة «مدرس» ليصطدم بعدها بلوائح المعهد، بعد أن أصبح ممثلاً معروفاً نتيجة قيامه ببطولة مسرحية «انتهى الدرس ياغبي» في نهاية عام 1974، ومسلسل «فرصة العمر» وفيلم «الكرنك» عام 1975.

كان صبحي يريد وضع مناهج محددة للطلبة، إلا أنه واجه معارضة من قبل هيئة التدريس فقدم استقالته، ويعلق صبحي على هذا الموقف قائلا: «لم أتردد لحظة في تقديم استقالتي، وقتها أحسست أن طموحاتي لن أجدها في المعهد، ولن تتحقق أمام بيروقراطية القرار، وكنت أفكر في تلك الأيام في تكوين فرقة مسرحية مستقلة».

وفي عام 1980 كون صبحي فرقة «ستوديو 80» مع صديقه لينين الرملي، ليشهد الوسط المسرحي مولد ثنائي شاب دارس للمسرح ومتمرد، ولديه رغبة في إثبات الذات، فقد نجح الثنائي لينين كاتباً وصبحي ممثلاً ومخرجاً في أغلب الأوقات في تقديم مجموعة من أنجح مسرحيات هذه الفترة، مما جعل البعض يرى فيهما امتداداً للثنائي نجيب الريحاني وبديع خيري، ومن بين العروض التي قدماها في تلك الفترة «الجوكر» و«أنت حر» و«الهمجي» و«البغبغان» و«وجهة نظر».

في عام 1992 قدم صبحي تجربة اعتبرها البعض مغامرة غير محسوبة النتائج ولكن من يعرف صبحي يدرك أن شخصيته العنيدة والمتمردة على كل ما هو تقليدي تعرف ماذا تفعل، وما حدث أن صبحي قدم في هذا العام مسرحية «بالعربي الفصيح» دون الاستعانة بأي من نجوم المسرح المعروفين وقتها، واعتمد في العرض على وجوه شابة اختارها بنفسه من خلال اختبارات عقدها مع لينين الرملي في المسرح، ومن بين تلك الوجوه كانت منى زكي، هاني رمزي، وعلى الرغم من تخوف البعض وقتها في إمكانية نجاح العرض أو تحقيقه نجاحا ماديا ملموسا، إلا أن العرض نجح على مستوى النقاد والجماهير التي شجعت تجربة صبحي. على الرغم من البدايات القوية لصبحي في السينما من خلال فيلمي «أبناء الصمت» و«الكرنك» إلا أن خطواته فيها تعثرت بعد ذلك ليقدم أفلاماً لا تعبر عن موهبة حقيقية، كما لا تعكس نفس المستوى الفني لمحمد صبحي في المسرح، ومن بينها أفلام مثل «أنكل زيزو حبيبي» و«العبقري 5» و«علي بيه مظهر والأربعين حرامي» وغيرها من الأفلام التي يقترب عددها من التسعة عشر فيلما، إلا أن هذا لا ينفي أن صبحي قدم فيلماً سينمائياً اعتبره البعض من أفضل الأفلام الكوميدية الساخرة التي جسدت حالة الفوضى التي تعاني منها العاصمة المصرية في فيلمه «هنا القاهرة» الذي شاركته بطولته سعاد نصر وأخرجه محمد عبد العزيز في منتصف التسعينات.

وعن حالة اللاتوافق التي شهدت علاقته بالسينما يقول صبحي: «لا أجد تفسيراً لعدم نجاحي سينمائياً، أو لوجود فارق بين مستوى الأعمال المسرحية وما قدمته للسينما، ولكنني قاطعتها منذ فترة لأنني أشعر أنني أجد نفسي أكثر في المسرح والتلفزيون».

علاقة صبحي بالتلفزيون بدأت منذ أن قدم مسلسل «فرصة العمر» في منتصف السبعينيات، ابتعد عنه بعدها، ليعود في عام 1984 من خلال مسلسله الشهير «رحلة المليون» بجزئيه الأول والثاني، والذي حقق نجاحاً ملموساً وقت عرضه وما زال، وفي عام 1996 بدأ صبحي في تقديم شخصية «ونيس» من خلال مسلسل حمل اسم «يوميات ونيس» في خمسة أجزاء، عرض من خلالها هموم الأسرة العربية وما يصادفها من عقبات أثناء تربيتها لأبنائها، صبحي يعترف أن سر نجاح المسلسل أنه لم يمثل فيه ولكنه قدم شخصيته الحقيقية، وجسد أسلوب تعامله مع ابنيه كريم ومريم وزوجته الفنانة نيفين رامز المديرة السابقة لفرقة رضا للفنون الاستعراضية، ويعلق صبحي على علاقته بأبنائه بقوله: «لم أحرم كريم ومريم من شيء كان بمقدوري تقديمه لهما، ولكنني حرصت منذ صغرهما على أن أغرس فيهما روح الاعتماد على الذات، حتى عندما أراد ابني شراء سيارة، أخبرته بموافقتي بشرط اعتبار ثمنها دين عليه لي يسدده على أقساط، وهو الآن مهندس كومبيوتر، أما مريم فقد درست التجارة، وعندما حان موعد زواجها تقاضيت مهراً لها جنيه واحد مصري لأنني اخترت لها الزوج المناسب لا التاجر الذي يشتريها».

من أحلام صبحي المسرحية تقديم عمل مسرحي يحمل اسم «خيبتنا» وهو يعترف انه اسم صادم ولكنه وسيلة صبحي لكشف سلبيات المجتمع المصري والعربي، صبحي يداعب جمهوره ويؤكد أنه سيأتي الوقت الذي يقول فيه الرجل لأولاده وزوجته «تعالوا شوفوا خيبتنا عند محمد صبحي»!.

خيبتنا واحدة من مسرحيات يحلم صبحي بتقديمها بجانب «ملك سيام» و«أستاذ حمام»، كما كان يستعد لتصوير مسلسله الجديد «عايش في الغيبوبة» قبل إصابته أخيرا بآلام العصب الثالث.

ليست كل أحلام صبحي المؤجلة تتعلق بالمسرح أو التلفزيون فتظل مدينة سنبل حلمه الأكبر الذي يحلم بإنجازه، فعلى طريق مصر الإسكندرية أقام مدينة سنبل وكتب على مدخلها عبارة «حلم تحقق» وعلى طريقة يوسف وهبي حلم بمدينة الفنون وحلم بأن تضم المدينة استوديوهات ومسرح هو الأحدث على مستوى المنطقة ومتحفا للفنون ودارا للفنانين المسنين وقرر صبحي أن يخصص 60 في المائة من إيرادات المدينة لرعاية أطفال الشوارع الموهوبين.

ويصف بعض المسرحيين محمد صبحي بالقائد العسكري، الذي يعمل بدقة متناهية لدرجة يراها البعض مبالغاً فيها، صبحي ديكتاتور المسرح الجميل يرى أن الممثل الذي يعمل معه لا بد أن يكون لديه قدرة تحمل واحترام للمواعيد وتقدير للعمل، ولعل هذا هو السبب في أن معظم أبطال أعماله لا يتغيرون، فهو يقول إن الدقة التي يعمل بها إما تجذب الممثل فيصير عضواً في جماعة صبحي المسرحية أو الفنية بشكل عام أو إنها تكون تجربته الأولى والأخيرة حيث لا يطيق الضبط والربط، دقة صبحي بلغت درجة تأجيل افتتاح أحد عروضه لمدة أسبوع وإلغاء الحجز طوال الأسبوع بسبب عدم التزام عدد محدود من أبطال العرض بشكل التحية للجمهور في نهاية العرض.