محمود ياسين: التلفزيون ليس بديلا عن السينما

السويس أخذت سكن والده فتحول إلى «فنان الثورة»

TT

كان لنبرات صوته الحادة، ووسامة مظهره، وأدائه المختلف المتميز، دور هام في لفت الأنظار إليه كممثل شاب نجح في أن يلفت الأنظار على المسرح أولا ثم في السينما بعد ذلك الذي صار فتاها الأول وتربع على عرش نجوميتها لسنوات طويلة، منحه خلالها الجمهور لقب فنان بدرجة قدير، إنه محمود ياسين سفير النوايا الحسنة لمكافحة الفقر والجوع.

ولد محمود ياسين في 19 فبراير من عام 1941 بمدينة بورسعيد ـ 200 كيلومتر شمال القاهرة ـ وتخرج في كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1964 والتحق بالمسرح القومي قبلها بعام.

كان لمولد محمود ياسين في مدينة بورسعيد صاحبة التاريخ الحافل بالبطولات تأثير على الطفل الصغير الذي نما وترعرع وسط هذه البيئة ذات الطبيعة الخاصة والتي تمتزج فيها روح الأصالة الشرقية بمتغيرات الغرب.

يتذكر محمود ياسين بداية حبه للفن والتمثيل ويقول: عندما بدأت أشعر بحبي للفن والتمثيل نظرت حولي فوجدتني أعيش في مدينة بها العديد من دور العرض المسرحي و15 صالة سينما وعشرات المكتبات كما وجدت مجموعة من الأصدقاء ربطت بيننا حالة عشق الفن فكونا فرق مسرحية وقدمنا عروضا لدرجة أننا كدنا ننسى حبنا القديم للعبة كرة القدم والتي كنت فيها لاعبا «حريفا».

وعندما قامت ثورة يوليو كان عمر محمود ياسين وقتها 12 عاما لذا فقد نشأ وقد ترسخت مبادئها في وجدانه دون أن يفصح عنها حتى حدثت له واقعة حقيقية جعلته يفصح عما بداخله تجاه الثورة فقد كان والده موظفا في قناة السويس ويحصل على مرتب مرتفع نسبيا بمقاييس تلك الأيام مما جعل الأسرة تعيش في مستوى اجتماعي متميز وكانوا يسكنون فيلا جميلة بحديقة خاصة كانت ملكا لشركة القناة وقبل وفاة الوالد بثلاث أو أربع سنوات صدرت قرارات التأميم وأخذوا منهم الفيلا فحزن محمود ياسين جدا ولكن عندما نظر إلى والده وجده فخورا بتلك القرارات فتزايد إيمانه بالثورة واندفع يناصرها ويدافع عنها كلما أتيحت له الفرصة.

وبعد انتهاء دراسته الثانوية رحل محمود ياسين للقاهرة ليلتحق بجامعة القاهرة وتحديدا كلية الحقوق وطوال سنوات دراسته كان حلم التمثيل بداخله وخصوصا في المسرح القومي لذلك تقدم بعد تخرجه مباشرة لمسابقة في المسرح القومي وجاء ترتيبه الأول في ثلاث تصفيات متتالية وكان الوحيد في هذه التصفيات المتخرج في كلية الحقوق ولكن قرار التعيين لم يحدث، في الوقت نفسه تسلم من القوى العاملة قرارا بتعيينه في بورسعيد بشهادة الحقوق الوحيد في دفعته الذي يعين في موطنه الأصلي، ورغم حبه لمدينته إلا أنه لم يتصور فكرة الابتعاد عن المسرح، لذلك رفض التعيين الحكومي وعاش في انتظار تحقيق الأمل حتى وقعت نكسة يونيو 1967، وكان بمثابة انكسار فكري وروحي خاص للشباب، في هذا التوقيت بالذات تم تعيين محمود ياسين بالمسرح القومي فبدأ رحلته في البطولة من خلال مسرحية «الحلم» من تأليف محمد سالم وإخراج عبد الرحيم الزرقاني بعدها بدأت رحلته الحقيقية على خشبة المسرح القومي والذي قدم على خشبته اكثر من 20 مسرحية أبرزها «وطني عكا، عودة الغائب، وا قدساه، سليمان الحلبي، الخديوي، الزير سالم، ليلة مصرع جيفارا، ليلى والمجنون» وتولى خلال هذه الفترة إدارة المسرح القومي لمدة عام ثم قدم استقالته.

علاقته بالسينما بدأت بظلم شديد لها من جانبه ففي بداياته الأولى لم يكن يدرك محمود ياسين أهمية هذا الفن الساحر ومدى تأثيره على المجتمع وفي الناس ولم يكن وقتها قد شاهد أعمال المخرجين الكبار «صلاح أبو سيف، كمال الشيخ، وحسين كمال ويوسف شاهين» ولهذا كان تردده في قبول العمل بها حتى أنه بدأ مشواره السينمائي بأدوار صغيرة من خلال أفلام «القضية 68 ـ شيء من الخوف ـ حكاية من بلدنا» حتى جاءته فرصة البطولة الأولى من خلال فيلم «نحن لا نزرع الشوك» مع شادية وإخراج حسين كمال ثم توالت أعماله السينمائية ليصل رصيده لأكثر من 150 فيلما حصد خلالها لقب «فتى الشاشة الأول» ورغم التصاق هذا اللقب به إلا أن محمود ياسين كان لا يحب هذا اللقب ويرى أنه تعبير هوليوودي ورثناه من السينما التجارية الهوليودية وهو لقب استهلاكي كما أنه كان يرفض كلمة «نجم» ويرى أن النجم مثل «الثلاجة» التي نشتريها ونفرح بها وهي جديدة ثم نتخلص منها عندما ينتهي عمرها الافتراضي ولكن الفنان هو الذي يبقى ليس من خلال بريق النجومية فقط وإنما من خلال تنمية علاقته بالناس ومدى تأثيره فيهم وتأثره بهم والذي يصنع النجوم ليس المنتجون إنما الناس أنفسهم.

ومحمود ياسين من الفنانين القلائل الذين يؤمنون بضرورة تواصل الأجيال وتدعيم الأجيال الجديدة بالخبرة والمشورة ويرى أن سينما اليوم تعبر عن ثقافة مجتمعها ويرى أن الشباب يسمعون من خلالها لغتهم لهذا يقبلون عليها وهذا حقهم تماما كما أن من حق الجيل القديم أن يعتبرها «فجاجة» أو فساد ذوق فكل جيل تربى على قيم وأذواق ولغات مختلفة وليس عيبا أن تبحث السينما عن الإضحاك وقد قدم الريحاني والكسار الكوميديا وصنعوا مسرحا تجاريا محترما ويرحب بوصول الكوميديا إلى الهزليات ولكنه يرفض أن تتحول إلى «سوقية».

وعندما خرجت السينما من مسارها الصحيح اتجه محمود ياسين للشاشة الصغيرة التي حققت له لحظات امتاع حقيقية في الأداء والموضوعات التي يقدمها ربما لم تتح له في السينما فقدم حتى الآن أكثر من 50 مسلسلا أبرزها «الدوامة ـ الافيال ـ الطريق إلى القدس ـ سوق العصر ـ العصيان ـ بابا في ثانية رابع ـ سلالة عابد المنشاوي» وغيرها من الأعمال المتميزة.

محمود ياسين أعلن من قبل أن التلفزيون ليس بديلا عن السينما فلا يوجد فن بديل عن فن أخر لان لكل مجال معطياته وظروفة وتوجهاته والفارق الوحيد بين التلفزيون والسينما أن السينما فن شاب خلقا وتنمية وإيقاعا واستمرارية ولا يوجد فيها تواجد جيل لمراحل عمرية أخرى أما التلفزيون فهو يسمح بتواجد كل المراحل العمرية بشكل إيجابي ومؤثر.

على مدار حياة الفنان محمود ياسين حصل على أكثر من 50 جائزة في مختلف المهرجانات في مصر وخارجها وكلها جوائز لها أهميتها عنده فقد حصل على جوائز التمثيل من مهرجانات «طشقند عام 80، ومهرجان السينما العربية في أميركا وكندا عام 84، ومهرجان عنابة بالجزائر عام 88، وحصل على جائزة الدولة عن أفلامه الحربية عام 1975 وجائزة الإنتاج من مهرجان الإسماعيلية عام 1980. كما اختير محمود ياسين رئيس تحكيم لجان مهرجان القاهرة للإذاعة والتلفزيون عام 1998 ورئيس شرف المهرجان في نفس العام إلى جانب توليه منصب رئيس جمعية كتاب وفناني وإعلاميي الجيزة، كما حصل على جائزة أحسن ممثل في مهرجان التلفزيون لعامين متتالين 2001، 2002، كما تم اختياره العام الماضي من قبل الأمم المتحدة سفيرا للنوايا الحسنة لمكافحة الفقر والجوع لنشاطاته الإنسانية المتنوعة.

حياة محمود ياسين الأسرية لا تختلف كثيرا عن حياته كممثل فعنوان كلاهما «الالتزام» وهو ما دفع زوجته شهيرة على التأكيد في اكثر من حوار أنه كان لها بمثابة الأب والأخ والزوج قبل الحبيب وكان نموذجا للأب الصالح مع ابنائه عمرو ورانيا اللذين اقتحما عالم التمثيل ونجحا فيه، وبخاصة في عالم الدراما التلفزيونية.

وقد تعرف محمود ياسين على زوجته «شهيرة» عام 1969 في ذلك الوقت كان قد بدأ يخطو أولى خطواته نحو الشهرة كنجم مسرحي وذات يوم فوجئ بصديقه وزميله مدكور ثابت يطلبه للعمل في فيلم بعنوان «صور ممنوعة» وأخبره أن البطلة أمامه وجه جديد اسمها «عائشة حمدي» وطالبة بالسنة الأولى بمعهد السينما ولكن محمود لم يوافق إلا بعد رؤيتها في البروفة وهناك وجدها فتاة صغيرة ولكنها واثقة من نفسها ولا تهتم إلا بعملها وبعد فترة وجد نفسه مشدودا لها، وعرض عليها توصيلها إلى حيث تسكن في شارع علوبة بالهرم ـ والذي يقيمان فيه حاليا ـ وظلا يسيران في الشارع ذهابا وإيابا إلا أنه لم ينطق بكلمة واحدة، ولفت انتباهه في تلك الفترة أنها ترتدي ملابس سوداء وعلم أن والدها توفي حديثا، وعقب انتهاء فترة الحداد تقدم لخطبتها رسميا وتمت الخطوبة وقدم لها دبلة ألماس ثمنها في ذلك الوقت 2750 جنيها واستمرت الخطوبة تسعة أشهر أما الزواج فجاء أثناء تصوير فيلم «الخيط الرفيع» وأقيم حفل الزفاف خلال شهر أكتوبر في فترة الحداد على الرئيس جمال عبد الناصر وكان شاهدا العقد المشير أحمد إسماعيل وزير الدفاع الأسبق والفنان الراحل أحمد الشامي.

وعلى الرغم من ابتعاد محمود ياسين عن السينما والمسرح في السنوات الأخيرة إلا انه وبتواجده على شاشة التلفزيون من خلال أعمال مميزة أثبت أن عمر الفنان لا يقاس بالسنين ولكن بمقدار عطائه.