عبد الكريم عبد القادر .. بصمة الأغنية الكويتية

«الصوت الجريح» الرافض للغناء على المسرح : الأغنية عدة شواطئ

TT

وسط جيل الكبار، عوض الدوخي وسعود الراشد وعبد الله فضالة، ظهرت مجموعة من الاصوات الشبابية في مطلع الستينات ومنها صالح الحريبي وغريد الشاطي وشادي الخليج ومصطفى أحمد وبينهم الفنان الكويتي عبد الكريم عبد القادر.

وشكلت هذه الاصوات الشبابية آنداك المرحلة الجديدة للاغنية الكويتية، وهي تلك الفترة الخصبة بالعطاء والبناء والتجدد في الكويت. حيث كانت كل مفردات البناء الفني سواء من حيث المسرح او الفن الغنائي تتحرك لتأسيس قواعد فنية. ومن هنا ظهر عبد الكريم عبد القادر «الصوت الجريح» ـ مثل ما يحب جمهوره تسميته ـ في اطلالته الاولى في أغنية «تكون ظالم» مع الملحن الفنان عبد الرحمن البعيجان، واستطاع حينها بصوته المليء بالشجن أن يتبث أقدامه على ساحة الفن. ومنذ ذلك الوقت حرص على ان يسير على نفس النهج وهو الالتزام. وهي المعادلة الاصعب في مسيرة وتاريخ الكثير من النجوم. وما يميز أبو خالد هو اختياره للمفرادت الشعرية بعناية، بالاضافة الى انه يتأمل طويلا في الجمل اللحنية وصياغتها.

لم يخرج احساس وفن عبد الكريم عبد القادر من فراغ، فهذا الاسمر النحيل، كان يزور في بداياته ـ الستينيات الميلادية ـ بخجل وهدوء جمعية الفنانين في منطقة الدسمة ليلتقي مع ابناء جيله من شباب الاغنية الكويتية وفي الوقت ذاته يلتقي مع كبار الاغنية، فهناك في الزاوية الفنان سعود الراشد يدندن بآلة عوده ليجهز لحنا جديدا وفي الزاوية الأخرى الشاعر يوسف ناصر يهمس بمفردات قصيدة غنائية جديدة للملحن يوسف المهنا. وكانت هذه الجمعية في تلك الايام ملتقى أهل الفن تخرج منها الاعمال الخالدة ويجلس سويا اصحاب القلوب الصافية وكان عبد الكريم آنداك مجرد زائر يدخل مثل «همسة» من النادر ان يرفع صوته يختار مفرداته بعناية للحديث مع المبدعين.

في رصيد عبد الكريم عبد القادر، الكثير من البصمات الخالدة والتي ستظل شواهد حقيقية على مساحة الالتزام والدقة في الاختيار، وتحويل الاغنية الى لحظة وقضية تسجد معاناة والم ووجع الانسان. ليشكل في وجدان جمهوره وعشاقه الكثير من المعاني الخصبة والدلالات اللامتناهية.

«آه يا الاسمر يازين» هذه الاغنية التي قدمها عبد القادر بصوته، واصبحت تردد في الاذاعات والقنوات الخليجية منذ انطلاقتها في بداية السبعينات، بل ان هذه الاغنية بدأ في تقديمها أصواتا اخرى عرفت في الفترة القريبة. وتلها بعد ذلك اعمال اخرى منها «رد الزيارة» وهي من كلمات يوسف ناصر، وايضا «وادعية» وهي من روائع الملحن يوسف المهنا وهي تلك الاعمال التي كانت نقطة الانطلاقة.

ولكن التجربة الجديدة جاءت مع الموسيقار عبد الرب ادريس وهي مرحلة مختلفة.

وشكل في مسيرة عبد الكريم نقلة غنائية عربية وظهر المزيج المختلف بينهما، وهي أغنية «غريب» وهذه الاغنية واحدة من الاعمال التي تضع في قائمة وقواعد واسياسيات الأغنية الخليجية سواء من حيث الكلمة او اللحن او الاداء.

وبعد هذه التجربة التي جمعت عبد القادر بـ ادريس، تحولا الى ثنائي جميل، وعن ذلك يقول عبد الكريم «توجد توأمة بيني وبين عبد الرب كما هو الامر مع عدد من الفنانين. الدكتور عبد الرب يختار لي بعناية فائقة يحس بأن هذه المفردة تصلح لي، وأن هذا اللحن ينادي صوتي، كما أن العلاقة التي تجمعنا تتجاوز حدود التعاون الفني، فهي صداقة حميمة وبيننا تواصل دائم وحوار مشترك.

وعبد الكريم عبد القادر الذي رفض منذ بداياته تقديم اغانيه على خشبة المسرح منذ منتصف السبعينات، مفضلا عدم توضيح اسباب ذلك، حتى وان التفت الاشاعات فهو يفضل عدم كشف سره ابدا. ابوخالد يشبه الاغنية بالشواطئ ويقول «الأغنية لها شواطئ عدة، وكل متذوق يرسي على الشاطئ الذي يريده، والأغنية التي اقدمها أنا هي للجميع، ولا يمكن تحديد شريحة معينة أو جيل، ففني للجميع وجمهوري يعرفون انفسهم وانا سعيد بالتفاهم معهم».

ورغم ان عبد الكريم يحن للماضي، الا انه فضل مواكبه العصر والعودة الى الجمهور بشكل مختلف ودخل مرحلة مختلفة مع ملحنين جدد، يتعاون معهم لاول مرة، وجاءت تلك الفترة بعد تحرير الكويت من احتلال نظام صدام حسين، والشيء بالشي يذكر عبد الكريم رفض الخروج من الكويت اثناء الاحتلال، وفضل الجلوس في العاصمة محبا للارض والوطن، وبعد الاحتلال قدم اول تعاون له مع الملحن انور عبد الله في اغنية امتزجت بين الوطنية والعاطفة، وهي «وطن النهار» والتي اصبحت مرتبطة ذكراها بالغزو وراح يرددها كل كويتي وخليجي، حتى انها اصبحت تدرس ويرددها طلاب المدراس في الكويت.

وعن مراحل مشواره الفني الممتد لأكثر من اربعين عاما، يقول عبد الكريم «مع الفنان الراحل عبد الرحمن البعيجان البداية، ومع الدكتور عبد الرب الانطلاقة، ومع الجيل الجديد الاستمرارية والتنوع».

هذا هو «الصوت الجريح» الذي لا يزال يسير على النهج الذي احتفظه لنفسه رغم المغريات التي تدور حوله فهو يعيش بقناعة تامة، فهو ذلك الحزين الذي اختار الالتزام هوية لمسيرته ومشوراه.