«عمالقة الفن العربي».. للمتاجرة وتشويه التاريخ

خلافات الأسرة والمنتج تؤثر على مصداقية الأعمال التلفزيونية

TT

منذ عدة أيام صدرت فتوى قضائية لاحد القضاة المصريين الذي منح مدينة الإنتاج الإعلامي في مصر حق إنتاج مسلسل يتناول قصة حياة سندريلا الشاشة العربية الراحلة سعاد حسني على الرغم من تعاقد أسرتها وهم ورثتها الشرعيون منذ سنوات مع شركة العدل للإنتاج الفني على إنتاج قصة حياتها في مسلسل تلفزيوني. ذلك هو التعاقد الذي حصلت به أسرة سعاد على مبلغ كبير من المال لم يفصح عنه طرفا الاتفاق في وقتها. الا ان شركة العدل لم تنتج المسلسل الذي قيل إنها تتأني في الإعداد له وبخاصة مع استعدادهم لانتاج مسلسل آخر عن حياة العندليب الأسمر ليعرض في شهر رمضان المقبل. وهو ما دفع بالمنتج والسيناريست ممدوح الليثي إلى إعداد مسلسل تناول فيه حياة السندريلا وتقدم به إلى الرقابة للموافقة عليه، مما دفع الرقابة إلى اللجوء إلى القضاء للحصول على رأي فاصل في أيهما له حق إنتاج المسلسل؟ وجاء رأي القانون صريحا وليضع حدا للعديد من المشاكل التي تثيرها مثل هذه النوعية من العمال التي تتناول السيرة الذاتية للمشاهير. حيث أكدت الفتوى ان حياة المشاهير ملك للجماهير طالما انها ستقدم الحقائق بعيدا عن الإساءة بغير دليل. وانه من الممكن إنتاج اكثر من عمل عن أي شخصية، ليس هذا فقط بل ان الورثة ليس لهم الحق في منع إنتاج عمل فني عن تلك الشخصيات.. وهو ما أدى في النهاية إلى بدء مدينة الإنتاج في إنتاج المسلسل الذي تقوم ببطولته الفنانة منى زكي ومدحت صالح إضافة إلى عدد كبير من الفنانين.

مسلسل سعاد حسني لم يكن العمل الأول الذي يثير مثل تلك المشاكل مع ورثة المشاهير. فقد تكرر نفس الشيء مع مسلسل «أم كلثوم» الذي أخرجته إنعام محمد علي وكتبه محفوظ عبد الرحمن، عدة سنوات وكان الورثة قد هددوا بإقامة دعوى قضائية إذا لم يتم اطلاعهم على سير الأحداث في المسلسل وهو الأمر الذي استجابت له أسرة المسلسل حرصا على عرضه. أيضا مسلسل «أمير الدعاة» الذي تناول حياة الشيخ محمد متولي الشعراوي وكتبه بهاء طاهر واخرجه مصطفي الشال، فقد اثار ذات النوع من المشاكل وبخاصة مع مطالبة اسرة الشيخ الشعراوي بالحصول على مبلغ كبير للموافقة على تصويره الا ان منتج العمل لم يدفع لهم سوى مبلغ 50 الف جنيه فقط مما دفعهم إلى إقامة دعوى قضائية لوقف عرض المسلسل بدعوى انه أضاف أحداثا على حياة الشيخ لم تحدث له، الا ان القضاء رفض الدعوى لانه لم يكن بالمسلسل أي إساءة للشيخ الشعراوي كما ان العمل لاقي نجاحا كبيرا عند عرضه. كما تكررت نفس الوقائع مع مسلسل «يوسف السباعي» الذي رفضه أبناؤه في البداية وبعد محاولات من قبل فريق العمل قيل إنها انتهت وقتها بتوقيع اتفاق مالي وافق الأبناء على خروج العمل للنور.

المأساة ان تحكم الورثة في إنتاج أعمال تتناول حياة المشاهير، لم تؤثر فقط على خروج تلك الأعمال للنور، ولكنها أثرت أيضا على مدى مصداقية الوقائع التي تتناولها تلك الأعمال. هذا ما يؤكده الناقد طارق الشناوي الذي يرى انه لم ير عملا حتى الآن تناول سيرة حياة أحد المشاهير جمع بين المواقف العظيمة والمحبطة في حياتهم، أو قدم الأخطاء والهفوات كما قدم الحسنات والإنجازات. «فنحن نرى على الشاشة ملائكة لا بشرا.. مثال على ذلك مسلسل ام كلثوم الذي أصر على تقديم سيدة الغناء العربي بعيدا عن أي خطأ بشري، حتى قصة زواجها من الملحن محمود الشريف لم يذكرها على الرغم من أنني كنت على علاقة وثيقة به وأطلعني على الأوراق الدالة على صحة ذلك الزواج وقال لي ان أم كلثوم كانت تعرف انه متزوج من زوجته الأولى وليس صحيحا ما ذكرته الصحف وقتها من أنها طلبت الطلاق لأنها اكتشفت انه متزوج.. وأنها كانت تزور زوجته فاطمة التي كانت مريضة للاطمئنان عليها. كما أكد الشريف لي ان الطلاق وقع نتيجة ضغط خال الملك فاروق على ام كلثوم لانه كان يحبها ولم يستطع الزواج منها».

ويضيف الناقد طارق الشناوي قائلا: «لا يعقل ان تكون حياة اي من المشاهير ملكا لورثته وهم في الغالب يسعون إلى الاستفادة المادية من حياة هؤلاء المشاهير من أقربائهم. والأمثلة عديدة، فأسرة العندليب لم توافق على إنتاج أي عمل عن حياته الا بعد ان حصلت على ما يقرب من المليون جنيه من شركة العدل جروب. على الرغم من انهم لم يشاهدوا او يقرأوا النص الذي سيتناول حياته. كذلك أسرة الشيخ الشعراوي الذي كان الخلاف في الأساس بينهم وبين حسن يوسف خلافا ماديا لا خلافا في النص. ومن بين المواقف التي صاحبت عرض مسلسل «يوسف السباعي» منذ عدة سنوات هو ما صرح به الكاتب محمد جلال في إحدى الندوات من ان قصة جميلة بو حريد كانت من تأليفه وكان قد سجلها في الشهر العقاري وسرقها منه يوسف السباعي وعرض عليه وقتها الكثير من الاغراءات للتنازل عنها الا انه لم يفعل. واستشهد محمد جلال وقتها بالكاتب نجيب محفوظ الذي قال له بالحرف «لا تتنازل عن حقك».

المنتج ممدوح الليثي اكد ان حياة المشاهير ملك للمجتمع طالما ان العمل يتضمن حقائق. وتساءل هل يعقل ان اذهب إلى عائلة كل شخصية شهيرة للحصول على موافقته لأنتج مثل هذا العمل؟ وانا لي تجربة في هذا المجال تعطل إنتاج عمل عن علاقة المشير عبد الحكيم عامر بالرئيس جمال عبد الناصر. فمن المعروف ان المشير عامر مات بعد النكسة ببضعة اشهر. واختلفت الروايات حول سبب موته. أسرته تؤكد ان الرئيس أمر بوضع السم له في العصير، ورواية أخرى تقول انه انتحر، ورواية ثالثة تقول انه مات ميتة طبيعية. ولهذا فقد قمت بترك النهاية مفتوحة دون تحديد سبب الوفاة. وهو ما رفضته أسرته وهو ما عطل إنتاج الفيلم حتى الآن على الرغم من الانتهاء من كافة تفاصيله..

يذكر ان هناك العديد من الأعمال التي تندرج تحت هذه النوعية من الإبداع والتي تنتظر موافقة الورثة، يأتي على رأسها مسلسل يتناول حياة موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب والذي تطالب أسرته بمبلغ مليوني جنيه للموافقة على إنتاج مسلسل تلفزيوني عنه. وعمل اخر عن حياة المطربة الراحلة اسمهان التي ترفض أسرتها تصوير اي عمل يؤكد على علاقتها بالمخابرات الألمانية او يفسر قصة موتها التي تحوم حولها الكثير من الشبهات. سيعرض في الصيف الحالي فيلم العندليب الذي يتناول حياة عبد الحليم حافظ وكان اخر ما جسد الراحل احمد زكي وكتبه محفوظ عبد الرحمن واخرجه شريف عرفة.

كما تم البدء في تصوير مسلسل السندريلا والذي يتناول حياة سعاد حسني. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل سيذكر العملان مساوئ ومحاسن كلا الشخصيتين، ام سيبدو كل منهما كالملاك الذي لم يرتكب أي خطأ؟ وهل سيفتح الحكم القضائي الأخير الباب أمام المبدعين لتقديم السيرة الذاتية للمشاهير دون الرجوع إلى ورثتهم؟ ام سيظل الرأي الأخير للورثة؟ سؤال، الأيام وحدها كفيلة بالإجابة عليه.