شادي شامل .. العندليب الجديد للأغنية المصرية

TT

بعد ثمانية اسابيع من التنافس وبعد لحظات من التوتر قبل اعلان النتيجة، حاول تلطيفها بابتسامات كانت عابرة، تمكن المصري شادي شامل من انتزاع اللقب في برنامج «العندليب... من يكون؟»، ليفوز بالتالي بدور عبد الحليم في مسلسل يروي سيرة حياته، سيعرض في شهر رمضان المقبل على شاشة الـ«أم.بي.سي». فإذا برع شامل في مهمته هذه، هل سيفلح في ما بعد في التحرر من أسر هذه الشخصية التي طبعته، حتى بات يضحك ويتكلم ويتصرف كأنه يتنفس عبد الحليم؟ أم يكتفي بالتركيز على الجانب التمثيلي الذي يبدو انه يملك «مفاتيحه»؟ شامل الذي استطاع في الفترة الاخيرة تحسين تمثيله بشكل ملحوظ، ها هو امام مسؤولية كبيرة، اذ يترتب عليه الآن أن يقدم للمشاهد حياة العندليب، الذي يمثل للكثيرين أكثر من مجرد فنان يغني الحب بكل حالاته والوطن بصخبه والثورة بجنونها. ذلك انه استمد من الشغف ما يكفي ليجعل من كل اغنية وكل عمل، «مولوداً» أخرجه من «رحم الاحلام». ربما لهذا يستمر وهجه بعد 29 عاما على غيابه، فيوقظ مع كل نغمة «حليمية»، الذاكرة من سباتها ويضعها في مواجهة مع الحاضر المستبد بعقلانيته. لقد جعل من أغنياته لوحات يبدأها بـ«سواح» و«جانا الهوى» و«على قد الشوق»، ويتابع هذيانه الرومانسي ليصل الى «قارئة الفنجان»، فيوقف ريشته حين لا تتسع اللوحة لألوانها، تاركاً حينذاك المهمة لعاشقي فنه حتى يتابعوا رسم ما يخالجهم... وربما ما ميّز عبد الحليم هو شخصيته الواثقة من دون تكبر، والمعانِدة بإيمان من يصر على الوصول، والطامحة بهدوء حالم، والمتواضعة من دون خجل... وربما لكل هذه الاشياء مجتمعة كرّسه الجمهور ليكون العندليب في زمن العمالقة.

ودع المشاهدون البرنامج، الذي سمح ليس فقط بعرض مواهب جديدة، انما فتح لهم نوافذ جديدة على حياة العندليب. ولعلّ أجمل ما ميّز الحلقة الاخيرة، القصيدة التي قدمها المتنافسون الثلاثة مع الممثل اللبناني جهاد الاندري، الذي تولّى منذ بداية البرنامج مساعدة جميع المشاركين وتدريبهم على اصول التمثيل، بالاضافة الى انه عمل على اخراج المشهد على المسرح. فأطل من الكواليس للمرة الاولى ليلقي قصيدة «أريدك انثى» للشاعر الراحل نزار قباني، فكان لحضوره وقع خاص، اذ اتاح للشِعر الحضور للحظات على شاشة التلفزيون، بطريقة عنفوانية ملؤها الحب المجاهر، المطالب حينا والآمر أحيانا. ومعه رنّم الثلاثة تلك الكلمات ليغني على التوالي كل منهم مقطعا بإيقاعات مختلفة، فشامل كان عذبا مع البيانو الذي عزف عليه. والمصري شريف عبد المنعم كان رقيقا مع الغيتار والاردني يوسف كيوان علا صوته بعمق خلف الاندري. كانت النتيجة مبهرة أضفت رونقا على الحلقة، ويا ليت مساحتها طالت أو قدمت نماذج منها في حلقات سابقة، ذلك ان الاربعة شكلوا ما يشبه قطع الاحجية التي تجتمع بتراص فيكون لكل منها حضور اساسي لتكتمل اللوحة.

هذا العمل الذي نجح فيه الاربعة لم يكن على المستوى نفسه حين غنى الشبان «حاجة غريبة» مع ضيفة الحلقة نانسي عجرم، ربما لان صوتها لم يتلاءم مع الاغنية، خصوصا «توبة» التي غنتها منفردة. وقبل ان يؤدي المشاركون اغنياتهم لينالوا على أثرها علامات اللجنة وتقويمها، عرضت ريبورتاجات مختلفة تخص يومياتهم التي استفادوا فيها من طقس لبنان للخروج الى البحر وممارسة رياضات مائية مختلفة كالتزلج والطيران فوق الماء بواسطة منطاد أو التمرن على الغطس في حوض للسباحة كما فعل كيوان.

أما المشاهد التمثيلية التي أداها الثلاثة فكانت هي نفسها، كما في الحلقة السابقة، حين توالوا على تمثيل مشهد رومانسي مع مقدمة البرنامج الفنانة داليا البحيري. ولكن هذه المرة مع فارق وحيد هو انهم مثلوا الى جانب عبد الحليم لا مكانه، وذلك في مقطع متخذ من فيلم «الخطايا»، مما سمح بمراقبة ادائهم بوضوح اكبر. وكان لافتا اداء عبد المنعم الذي جمع الجانبين الانساني والمهني، كما يفرض دوره. فلم يبالغ في اظهار تعاطفه مع عبد الحليم (بدور حسين) ولم يكن صلبا في كلامه. لكن هذا الاداء المميز اتى متأخرا قليلا اذ ان تصويت الجمهور لم يصب في مصلحته، خصوصا انه لا يتمتع كشامل وكيوان بمقدار كبير من الشبه مع العندليب. هذا ما جعله يحل في المرتبة الثالثة بمعدل 8.01. أما كيوان فتألق هذه المرة في الغناء اكثر من التمثيل، لذلك كان في المرتبة الثالثة بحسب علامات اللجنة التي ركزت على الجانب التمثيلي، ربما لأن المسلسل الذي يحضّر لن يحتاج الى أصوات المشاركين. وهذا يثير جملة من الاسئلة عن سبب ايلاء الغناء كل هذا الحيّز من البرنامج، ما دام التركيز على الشكل والتمثيل، فضلا عن اختيار مغنية الاوبرا والمؤلفة الموسيقية اللبنانية هبة قواس، عضوا ثابتا في لجنة التحكيم، التي اعتمدت احيانا كثيرة في وضع علاماتها على الجانب التمثيلي لا الغنائي.

انتهى البرنامج على أمل ان يكون المسلسل المنتظر على قدر توقعات الجمهور.