فيلم «شيفرة دافنتشي» اختبار حرية العرض السينمائي

الرواية الشهيرة التي حققت أعلى المبيعات مهَّدت لترقب العالم له

TT

شاهد الملايين في أنحاء العالم أكثر الأفلام ترقبا وأهمها خلال عام 2006 حتى الان الا وهو فيلم The Da Vinci Code «شيفرة دافنتشي» في أول أيام عرضه الافتتاحي في اشهر مهرجان سينمائي، وهو مهرجان «كان» في فرنسا أمس الأول.

كل هذا الترقب الذي عاشه العالم منذ اعلنت «سوني» الشركة المنتجة انها اشترت حقوق الرواية الاصلية لدان براون وستعمل على اخراجها فيلما لا يأتي فقط كون هذا الفيلم اسند الى احد كبار مخرجي هولييود حاليا: رون هوارد، الفائز بأوسكار افضل مخرج عن فيلمه «عقل جميل»، ولا بكون الشخصية الرئيسية ستكون للممثل الكبير ونجم شباك التذاكر الأول «توم هانكس»، وانما يأتي كل هذا الانتظار من اجل الرواية ذاتها التي حققت أعلى المبيعات في السنوات الأخيرة وأثارت الكثير جدا من الجدل وتم حضر بيعها ومقاطعتها في عدد من الدول في العالم بسبب موضوعها المثير الذي طرحه دان براوان، أشهر الروائيين حاليا، والذي يتعلق بتقديم صورة أخرى لبينة الدين المسيحي وتاريخ المسيحية، والتأكيد على بشرية المسيح عيسى وتقديم رؤية جديدة لعدد من المعاني الدينية كالكأس المقدسة ومكانة الانثى في الديانات البشرية التي ألغتها المسيحية، حسب الرواية، واتهام رجال الفاتيكان بالتزييف وتغيير الحقائق وتفسير جديد لأشهر لوحات الفن الحديث وربطه بالرموز الوثنية المعروفة. كل هذا كان يأتي بطريقة خاصة تميز بها دان براون تجمع ما بين الاثارة والتشويق والحس البوليسي في البحث والاستكشاف وفك الغموض.

في «شيفرة دافنتشي» كان هناك العالم روبرت لانغدون، استاذ علم الرموز الدينية، (يقوم بدوره توم هانكس) يحاول تفسير الجريمة البشعة التي تعرض لها أمين متحف اللوفر بباريس، جاك سونيير، والرسالة التي اراد توصيلها وهو مستلق ميتا بطريقة غريبة، ودوافع هذه الجريمة، تساعده في ذلك حفيدة سونيير المتخصصة في علم الشفرات صوفي نوفو (تقوم بدورها الممثلة الفرنسية اودري توت بطلة فيلم اميلي).

يتكئ الكاتب في هذه الرواية على حقيقة ان هناك جمعية دينية سرية تسمى «جمعية سيون» تأسست عام 1099 وتضم نخبة من العلماء والمشاهير مثل نيوتن وفيكتور هوغو ودافنتشي، وهذه الجمعية تمتلك عقيدة جوهرية تتعلق «بالأنثى المقدسة» وتحمل تفسيرها الخاص للدين المسيحي ورموزه المقدسة، وهي بجانب ذلك تمتلك عددا من الوثائق السرية التي لا يمكن نشرها بسهولة لانها تعطي انقلابا كبيرا على المعتقد المسيحي. لكن هذه الجمعية ستظل ملاحقة من قبل مجموعة اسقفية فاتيكانية تسمى «اوبوس داي» وهي مذهب كاثوليكي متشدد لن يقبل مثل هذا الانقلاب الذي تحتفظ به جمعية سيون السرية. بالتأكيد فان الرواية بهذا الشكل فاجأت العالم وأثارت جدلا كبيرا، وبرز اسم دان براون الذي ليس له تاريخ روائي يذكر من قبل وكان الموقف تجاه هذه الرواية التي ترجمت لأكثر من خمسين لغة بحدة الرواية ذاتها، إذ رفضها الكثير وخرجت مجموعة من الكتب التي ترد عليها مثل «حل شيفرة دافنتشي» و«الحقيقة وراء شيفرة دافنتشي» وبلغ الامر في بلد عربي مثل لبنان الذي تميز بحريته الاعلامية قياسا بباقي البلدان العربية الى ان صدر قرار يقضي بمنع تداول الرواية وبيعها.

كل هذا كان كافيا لان ينتظر الملايين عرض هذا الفيلم لمشاهدته. يقول الشاب طارق الحمد وهو متابع سينمائي ينوي السفر الى البحرين لمشاهدة الفيلم: «عادة أسافر من اجل مشاهدة فيلم جديد مهما كان، وافضل انتظار نزوله على اقراص الـ«دي في دي»، لكن هذه المرة شيء مختلف تماما». ويضيف: «لم اصدق حين اخبرني بعض الاصدقاء منذ فترة ان الفيلم يتم الاعلان عنه في صالات العرض في البحرين وكنت اخشى ان يمنع كما حدث سابقا مع فيلم آلام المسيح». وحول هذه المشاق التي سيتحملها من اجل مشاهدة فيلم، يجيب: «اذا كنت قرأت الرواية بالتأكيد ستتحمل مشقة السفر لمشاهدة الفيلم ومن الذي لا يرغب في اعادة احداث الرواية بطريقة بصرية هذه المرة ؟».

والحقيقة ان ترقب الفيلم ومتابعته جاءا منذ وقت مبكر، وكان المتابعون يترقبون كل خبر جديد عن الفيلم من حيث اختيار الابطال او تصوير المشاهد المهمة في متحف اللوفر الى حين الاعلان عن الانتهاء من الفيلم وتحديد موعد عرضه كفيلم افتتاحي في مهرجان «كان» في دورته التاسعة والخمسين. ويأتي هذا وسط دعوات متعددة بمقاطعة الفيلم ووقف عرضه جاءت من قبل الفاتيكان نفسه وغيره مثل المجلس المسيحي في كوريا وكثير من قساوسة كبرى الكنائس والكاتدرائيات البريطانية باعتبار ان الفيلم مبني على كثير من الاخطاء الجوهرية ومحاولة التشكيك في اسس العقيدة المسيحية، فيما وعدت منظات اسلامية بالانضمام الى جماعات مسيحية في حملة احتجاجاتها على عرض الفيلم في الهند، كما ان جماعة «اوبوس داي» الايطالية قامت بمخاطبة شركة «سوني» المنتجة تطلب منها مراجعة الفيلم بشكل جذري قبل عرضه بينما راحت شركة «سوني» تروج لفكرة ان الفيلم مبني على احداث خيالية وانه ليس فيلما دينيا بقدر ما هو فيلم اثارة في محاولة منها لتليين ردة الفعل الغاضبة تجاه عرض الفلم.

ما مصير «شيفرة دافنتشي» في البلدان العربية؟

بالنسبة للبلدان العربية، يبدو الامر موضوعا جديدا لاختبار حرية العرض السينمائي وكان الكثير من المتابعين ينتظرون بترقب الموقف الذي ستتخذه صالات العرض تجاه الفيلم، بالرغم من ان الاعلان عن عرضه كان قد بدا قبل اشهر من خلال العرض الدعائي للفيلم الذي نزل الصالات السينمائية في دول الخليج ومصر وان كان قد اختفى مؤخرا في اشارة الى احتمالية منع عرضه، وهو ما سيحبط الكثير من المتابعين والمهتمين والمتشوقين وحتى قراء هذه الرواية علما بأن مثل هذا الترقب والتخوف كان قد رافق العديد من الافلام المنتظرة مثل «فهرنهايت 9/11» وفيلم «ميونخ» و«سريانا» و«جبل بروكباك» و«آلام المسيح» واذا كان قد تم عرض الافلام الثلاثة الاولى بشيء من التقطيع لفيلم «سريانا» باعتباره يصور مكانا واحداثا خليجية، فان فيلم «آلام المسيح» الذي كان حديث العالم خلال عام 2004 وحقق اعلى الايرادات في شباك التذاكر لم يعرض سوى في لبنان كان قد منع من العرض لاسباب دينية اجتماعية، وأما «جبل بروكباك» فباعتباره يتناول قصية حساسة تتعلق بالعلاقات المثلية، إذ يروي قصة اثنين من الكاوبوي يرتبطان ببعضهما بعلاقة حميمية. وكان المنع هذه المرة بدافع اخلاقي حسب ما اعلنه القائمون على صالات العرض وهو الفيلم الذي كان الأفضل خلال العام الماضي وحصد العديد من الجوائز وترشح لاوسكار افضل فيلم فيما فاز مخرجه باوسكار افضل مخرج، الا ان مثل هذه الامور التي تعطي قيمة معتبرة للأفلام تبدو متماشية مع سياسة المنع التي تنتهجها الدول العربية وصالات العرض السينمائي. وسيكون فيلم «شيفرة دافنتشي» الذي لم يتأكد عرضه بعد في أي صالة عرض عربية اختبارا جديدا ايضا لحرية العروض السينمائية ومدى سطوة سياسة المنع والحجب على المواطن العربي.