الطريق إلى غوانتانامو.. الوجه الآخر للسياسة العسكرية الأميركية

عروض تجارية أولى له في أميركا وعدد من دول العالم بعد أسبوعين من انتحار سعوديين ويماني

TT

تأتي العروض التجارية الأولى في أميركا وعدد من دول العالم للفيلم الوثائقي البريطاني «الطريق الى غوانتانامو» Road to Guantanamo، بعد أسبوعين من إعلان القوات الأميركية انتحار سعوديين ويماني في معتقل غوانتانامو، حيث تحوم حول أسباب مقتلهم العديد من الشكوك من خارج القيادة الأميركية، وذلك في الوقت الذي لا تزال فيه القيادة العسكرية والسياسية الأميركية طوال السنوات الماضية تواجه ضغوطا عالمية تثار حول الانتهاكات الإنسانية التي تمارس ضد معتقلي غوانتانامو الذين لم توجه للغالبية العظمى منهم حتى هذا اليوم اية اتهامات قضائية، سوى دعوى أنهم مجموعة من أخطر القتلة والمجرمين في العالم اليوم. الفيلم يدور حول ثلاثة بريطانيين من اصول باكستانية، تم إلقاء القبض عليهم في افغانستان، ومن ثم ترحيلهم الى معسكر غوانتانامو لمدة عامين كاملين الى أن أفرج عنهم عام 2004 من دون توجيه أي تهمه لهم. وقد لجأ مخرجه البريطاني ونتربوتن في سرد أحداثه الى طريقة الدراما الوثائقية «الدكيودراما» التي تمزج بين السرد الوثائقي التسجيلي والسرد الروائي الذي قامت به مجموعة من الممثلين غير المحترفين، والذي بني على مقابلات شخصية مع هؤلاء الثلاثة تم عرض جزء منها في الفيلم، وتمثيل الآخر ومزجه بصور حقيقية اخرى. وعلى الرغم من انه لا توجد فصول واضحة في الفيلم، إلا انه يمكننا تقسيمه الى قسمين رئيسين: الأول ما قبل غوانتانامو، والآخر داخله. ويبدأ أولى دقائقه بعرض سريع لأسباب انتقال البريطانيين الثلاثة وبصحبة صديق رابع لهم الى باكستان وذلك لحضور زفاف أحدهم من دون التطرق الى خلفياتهم الاثنية والدينية أو الاجتماعية، إلا أنه تم التطرق لها لاحقا بين ثنايا الفيلم في مشاهد «فلاش باك» سريعة تأتي بين الفينة والأخرى. من باكستان، ينطلق الرفقاء الاربعة الى افغانستان في خطوة لم يكن خطط لها، وذلك للقيام ببعض المساعدات الخيرية التي مافتئ إمام الجامع يدعو اليها. إلا ان الرحلة ـ التي بدأت أحداثها بالتسارع منذ اللحظات الأولى ـ تسير على غير المتوقع، ويحدث ما يحدث من فوضى حيث يقع ثلاثة منهم في أيدي الحلفاء الشماليين ثم في أيدي القوات الأميركية، فيما فقد اثر الرابع، في تتابع مخيف ومفزع للأحداث هي الأفضل طوال الفيلم. ان المزج المتقن الذي تم في هذا الجزء بين ما تم إعادة تمثيله وبين الصور الواقعية، أعطى صورة واقعية غاية في البشاعة وحالة الفوضى المأساوية التي أعقبت تراجع قوات الطالبان عن كل مدينة تقع في ايدي التحالف. إن هذه الصورة كانت واضحة بجلاء منذ وصولهم الحدود الباكستانية الأفغانية، وكانت منبئة بصورة او اخرى عن حالة من ضياع الهوية، واختلاط الحابل بالنابل الذي سيفضي حتما الى سقوط المئات أسرى في أيدي قوات التحالف ممن لا ناقة لهم في هذه الحرب ولا جمل. ومن هنا وقع الرفقاء الثلاثة اسرى في ايدى القوات الأميركية، وذلك حسبما تقول الرواية الوحيدة التي يرويها الثلاثة، ليبدأ فصل آخر في هذه المغامرة المأساوية التي فرضها هؤلاء الفتية الذين لا يعرفون من العالم سوى وجهه الأبيض حيث كانت البيتزا وموسيقى البوب والروك. وفي الفصل الآخر، أصبح المعتقل والاستجوابات المتلاحقة وجلسات التحقيق المتوالية والتي أظهرت الجزء الأبشع والأوحش، والوجه الآخر للسياسة العسكرية الأميركية. إلا ان التمثيل الخالص الذي فرضه عدم القدرة على تصوير معتقلات غوانتانامو أو الاعتماد على غير رواية الشبان قد فرض هو الآخر خصوصية في سرد الحدث، مما أفقده القدرة على تعميم الحدث الذي يسعى مخرجه الى تحقيقه في جزئه الأول، والذي يبدو انه قد تأثر في طريقته في نظمه ببعض الأفلام الوثائقية الإيرانية كفيلم close-up، وإلى حد ما، الفيلم الآخرwhere is my friend home، وكلاهما للمخرج الإيراني الشهير عباس كايروستامي. وهو ما سلكه ايضا الفيلم الانجليزي Touching the Void، أحد أهم الافلام الوثاقية الانجليزية في الاعوام القليلة الماضية، إلا ان الفرق بينها وبينه هي الخصوصية التي تتمتع بها شخصياتها على النقيض من «الطريق الى غوانتانامو».

الفيلم قام بإخراجه ـ بالتعاون مع المخرج مات وايتكروس ـ المخرج البريطاني مايكل ونتربوتوم والذي سبق وأن أخرج عددا من الافلام الروائية التي رسمت له خطا سينمائيا متميزا حيث كانت السياسة دائمة الحضور، أهمها في فيلم In This World الحائز على الدب الذهبي في برلين والذي هو الاخر يدور في الفلك الأفغاني والحيثيات التي أعقبت الحرب الأميركية ـ الافغانية.

يجدر بنا الإشارة الى انه وبعد مشاهدة الفيلم بأيام، أعلنت الحكومة الأميركية عن الإفراج عن 14 معتقلا سعوديا وتسليمهم للسلطات السعودية من دون توجيه أي تهم رسمية لهم، فهل تبقى اللغة السينمائية هي الوحيدة التي تسعى الى تجريد الخطابات السياسية الأميركية ممثلة بالحكومة الحالية، من كل أبجدياتها المثالية وجعلها الحدث هو الذي يتحدث.