عادل إمام.. الزعيم الظاهرة

الكومبارس الذي تربع على قمة الكوميديا العربية

TT

من الصعب الوصول إلى القمة، ولكن الاصعب منه هو الاحتفاظ بمكان لك عليها لوقت طويل. عبارة لا بد من ان تتذكرها عندما تشاهد اعمال الفنان عادل امام التي بدأت بمشهد لم يتعد الدقائق الخمس في مسرحية السكرتير الفني والتي رشحه للعمل بها الفنان عبد المنعم مدبولي وانتهت بحصوله على لقب زعيم الكوميديا في العالم العربي. ومنذ منتصف التسعينات وعندما غزت افلام محمد هنيدي شاشة السينما المصرية والعربية، توقع بعض النقاد انتهاء ظاهرة عادل امام وبخاصة مع تحقيق افلام هنيدي إيرادات تخطت الملايين وهو امر لم تعتده السينما المصرية وقتها، الا ان الزعيم أكد حينها ان لكل زمن اوانه ونجومه وانه لا يخشي هنيدي او غيره لانه ما زال يمتلك بداخله إمكانيات لم يكشف عنها بعد رغم مرور سنوات عمره.

ولد عادل إمام في 17 مايو (ايار) من عام 1940 في حي السيدة زينب أحد احياء القاهرة الشعبية، ولا شك ان علاقته بصفات الشهامة والمروءة التي يشتهر بها في الوسط الفني تعود في جزء كبير منها إلى نشأته في ذلك الحي الذي يتمتع اهله بتلك الصفات. وعلي الرغم من عشق عادل امام للتمثيل الا انه لم يلتحق بمعهد التمثيل لدراسته، حيث التحق بكلية الزراعة التي تخرج منها عدد كبير من نجوم الفن في مصر مثل صلاح السعدني وسمير غانم وجورج سيدهم. وانضم اثناء الدراسة إلى فريق التمثيل بالجامعة حيث لفت نظر الفنان عبد المنعم مدبولي فقدمه في مسرحية السكرتير الفني في مشهد قصير. بعدها قدم عادل امام دوره الشهير في مسرحية «انا وهي وهو»، فلم يكن يخطر على بال صانعي هذه المسرحية ان يلفت اليه الانظار بهذا الشكل او يعلق في أذهان الجماهير كما حدث، كان دور عادل امام في هذه المسرحية مجرد سكرتير فؤاد المهندس بطل المسرحية الا ان عادل اضفى على الدور الكثير من التأثير والبهجة عندما اطلق عبارة «بلد شهادات صحيح» وهي العبارة التي رددها الجماهير منذ ذلك اليوم وحتي يومنا هذا، ونجح هذا الدور في وضع عادل امام على اول درجات السينما التي قدمته في العديد من الافلام الكوميدية من بينها عفريت مراتي مع صلاح ذو الفقار وشادية، وأضواء المدينه مع احمد مظهر وشادية، وفتاة الاستعراض مع حسن يوسف وسعاد حسني، و7 ايام في الجنة مع نجاة وامين الهنيدي وحسن يوسف. كان هذا في حقبة الستينات من القرن الماضي وهي التي مثلت مرحلة في تاريخ عادل امام السينمائي اهلته لبطولة اشهر مسرحية في تاريخ المسرح المصري وهي «مدرسة المشاغبين» التي عرضت في منتصف السبعينات وشاركه في بطولتها عدد كبير من النجوم منهم احمد زكي وسعيد صالح وسهير البابلي وحسن مصطفى ويونس شلبي وهادي الجيار. وكانت تلك المسرحية التي استمر عرضها اكثر من خمس سنوات وعرضت في العديد من البلدان العربية، كانت ايذانا ببدء مرحلة جديدة في تاريخ عادل امام السينمائي والمسرحي على حد سواء. ففي السينما صار عادل امام بطل تكتب له الافلام السينمائية وتبدو ادوار النجوم الذين يشاركونه فيها كأدوار مساعدة لدوره وقد شهدت هذه المرحلة ثنائيات عادل امام مع بطلات افلامه وفي مقدمتهم الفنانة لبلبة التي شاركته في عدد كبير من الافلام على رأسها «إحترس من الخط»، «عصابة حمادة وتوتو»، و«خلي بالك من جيرانك». هناك ايضا افلامه مع يسرا ومن اشهرها: «علي باب الوزير»، «الانس والجن»، «الانسان يعيش مرة واحدة»، «الارهاب والكباب»، «المنسي»، «جزيرة الشيطان»، «كراكون في الشارع».

المتتبع لمشوار عادل امام يستطيع ملاحظة تطور نوعية الافلام التي قدمها بدءا من الافلام الكوميدية فقط وهي المرحلة الاولى في حياته وحتى نهاية الثمانينات، مرورا بالأفلام الكوميدية المقدمة في اطار اجتماعي لتعالج قضايا اجتماعية باسلوب ضاحك وهي المرحلة السينمائية الثانية في مشوار عادل امام ومنها كراكون في الشارع الذي ناقش من خلاله مشكلة الاسكان في مصر، والمنسي الذي تناول فيه احلام الطبقة الكادحة وعلاقتها بالمجتمع الذي تعيش فيه، والارهاب والكباب الذي ناقش فيه قضية البيروقراطية وفكرة الأمن في المجتمع، انتهاء بأفلام تم تصنيفها تحت قائمة الافلام السياسية ومنها «طيور الظلام» و«النوم في العسل» و«عمارة يعقوبيان».

أما في المسرح فقد شكل عادل امام ظاهرة في حد ذاته، حيث استمر عرض اعماله المسرحية على قلتها لأكثر من خمس سنوات إلى جانب عرضها في البلاد العربية والاوروبية في جولات خارج مصر. وهذه المسرحيات هي «شاهد ما شافش حاجة»، «الواد سيد الشغال»، واخيرا «الزعيم» التي لا تزال تعرض حتى الان. وعلى الرغم من طول عرض هذه المسرحيات وتحقيقها نجاحا جماهيريا، الا ان النقاد لا يقيمونها بنفس تقييمهم لسينما عادل امام حيث يعتبرونها اقل فنيا مما قدمه من افلام للسينما.

اما علاقة عادل امام بالتلفزيون فحكمتها تجربتين على مدى تاريخه الفني هما احلام الفتى الطائر التي قدمها في نهاية السبعينات وشاركه بطولتها الفنان عمر الحريري وحققت نجاحا كبيرا عند عرضها. ومسلسل دموع في عيون وقحة الذي قدمه في منتصف الثمانينات ولاقى استحسانا منقطع النظير هو الاخر، وعرضت عليه بعدها العديد من الاعمال التلفزيونية الا انه كان يؤجل تكرار التجربة مبررا ذلك بقوله: «في السينما يأتي لك المشاهد او يمتنع عن مشاهدتك، وكذلك المسرح، اما في التلفزيون فانك تفرض نفسك على المشاهدين ليتابعونك على مدى عشرين يوما او اكثر ولهذا فيجب عليك ان تكون ضيف خفيف وان تتأكد من العمل الذي ستقدمه لجمهورك».

علي المستوى الانساني فقد تزوج عادل امام بالسيدة هالة الشلقاني التي تنتمي لاحدى عائلات المجتمع الراقي في القاهرة وتزوجت عادل امام بعد ان ارتبطا بقصة حب انجبا بعدها ثلاثة ابناء هما رامي وسارة ومحمد. وقد احترف رامي الاخراج السينمائي بعد انهاء دراسته بالجامعة الأميركية وكان اول اعماله فيلم «امير الظلام» الذي قام ببطولته الفنان عادل امام وهي تجربة حاول فيها كل منهما الفصل بين علاقة العمل وعلاقة الاب وابنه، وهي محاولة كانت تبوء بالفشل في بعض الاحيان وبخاصة مع فنان في حجم عادل امام وطبيعته التي يصفها البعض بالديكتاتورية في بعض الاحيان. وقال لي رامي عن هذه التجربة: كانت مهمتي شاقة فانا اعرف ابي ولكنني كنت اريد ان اثبت ذاتي والا يقال انني نجحت لانني احمل في نهاية اسمي لقب عائلة امام. وفي احدى جلسات العمل فوجئت به يقذف بالورق رافضا تنفيذ رأي لي، فما كان مني الا ان انسحبت من غرفة الاجتماعات حتي تصالحنا وادرك ابي ان من حقي ان اعمل من خلال قناعتي الخاصة. أما سارة الابنة الوسطي للفنان عادل امام فقد تزوجت منذ عامين وهي بعيدة تماما عن المجال الفني. اما محمد الابن الاصغر والذي يحلو للزعيم مناداته بإسم الحاج جمعه، فقد شارك ابيه أخيرا بطولة فيلم عمارة يعقوبيان واشاد بدوره النقاد والجمهور في دور طه الشاذلي ابن البواب الذي يتحول إلى ارهابي بعد رفض قبوله في كلية الشرطة.

بقي ان نعرف ان عادل امام الزعيم الفني في مملكة الكوميديا على وجه الخصوص، اختارته الامم المتحدة منذ عامين كسفير لشؤون اللاجئين وهو المنصب الذي يعتز به ولا يتأخر عن تلبية ما يفرضه عليه انسانيا مهما كانت ارتباطاته.