هل غيرت السينما المصرية من أسلوبها في التعامل مع قضايا الشذوذ؟

فاروق الفيشاوي رفض الدور خوفا من الجمهور فكسبه الصاوي

TT

على الرغم من انها ليست المرة الاولى التي تتعامل فيها أحد أفلام السينما المصرية مع قضية الشذوذ الجنسي، الا أن دور الفنان خالد الصاوي في فيلم عمارة يعقوبيان، والذي يجسد من خلاله شخصية رئيس تحرير إحدى الصحف الذي يعاني من الشذوذ الجنسي، تعد من المرات القلائل التي تعاملت فيها السينما المصرية بتلك الجرأة والاستفاضة مع هذا النمط من الشخصيات. وهو ما يطرح تساؤل عما اذا كان فيلم عمارة يعقوبيان يمثل مرحلة جديدة في التعامل مع تابوهات الافكار والشخصيات في مصر؟

يذكر ان هذه الشخصية التي جسدها خالد الصاوي كانت قد عرضت على الفنان فاروق الفيشاوي الا انه رفضها خوفا من ردة فعل الجماهير عند عرضها. الا ان خالد الصاوي اعلن عقب عرض الفيلم انه منذ ان قرأ الرواية عند طرحها في الاسواق منذ عدة سنوات تمني ان يجسد تلك الشخصية المليئة بالمشاعر والتناقضات والقدرة على اخفاء مثل هذا السلوك الشائن في حياتها.

الاديب علاء الاسواني مؤلف الرواية أكد لـ«الشرق الأوسط» أن هذا النموذج من الشخصيات موجود في حياتنا العربية وبكثرة ولكننا مجتمعات اعتادت على اخفاء مثل هذه الامور تماما مثل النعامة التي تخفي راسها في الرمال. ولهذا فقد صدمت هذه الشخصية من قرأ الرواية في البداية ثم من شاهد الفيلم بعد ذلك. وبخاصة انها شخصية مرموقة ثقافيا واجتماعيا وماديا وتمتلك كل شيء الا انها ورغم ذلك تحترف ذلك السلوك البشع وتتحمل ما قد تلقاه من إهانة في سبيل اشباع رغبتها المذمومة تلك. وبعيدا عن فيلم عمارة يعقوبيان فقد قدمت السينما المصرية على مدى تاريخها عددا من الافلام التي تعرضت لمثل هذه الشخصيات لكنها تعاملت معها في اطار التلميح لا التصريح، ومن أشهر تلك الافلام «حمام الملاطيلي» الذي قدم في السينما في السبعينات من القرن الماضي وجسد فيه الفنان يوسف شعبان دور شاذ جنسيا ولكن من خلال بعض الإشارات التي توحي بذلك دون التصريح به، هناك ايضا فيلم «قطة على نار» الذي قام ببطولته الفنان نور الشريف وبوسي وظهر فيه صديق نور الشريف شاذا جنسيا وانتحر بعد ان رآه نور الشريف في احد الأوضاع المخلة (دون إظهارها على الشاشة).

ويعد فيلم «الإرهاب والكباب» من اكثر الافلام التي تعاملت مع هذا النمط من الشخصيات بخفة ظل لطيفة على الرغم من ان عرض هذا النمط من الشخصيات لم يتعد المشهد الواحد في الفيلم الذي قام ببطولته عادل امام وجسد فيه دور مواطن يبحث عن موظف لانهاء اوراق ابنائه الدراسية فيخبرونه انه في دورة مياه احد الفنادق القريبة من مجمع التحرير فيبدأ في الطرق على الابواب مناديا على مدحت، فيخرج اليه شاب يقول له «لو عايزني ابقى مدحت ابقى مدحت». ومن الطريف ان اسم مدحت اصبح من يومها رمزا بين الشباب المصري للدلالة على هذه النوعية من الشخصيات. والى جانب الارهاب والكباب هناك ايضا فيلم «جري الوحوش» وتم الاشارة إلى هذا النمط من الشخصيات من خلال مشهد جمع بين محمود عبد العزيز ونور الشريف الذي كان يبحث عن شخص يتبرع له بالانترلوب بمواصفات معينه.

وإذا كانت هذه الافلام قد تعاملت مع قضية الشذوذ بنوع من الفكاهة ودون التصريح باي كلمة، فإن فيلم «تيتو» الذي قدمه احمد السقا منذ نحو عامين تعرض لهذه القضية ولكن بشكل اخر. وذلك في المشهد الذي ظهر فيه احمد السقا المسجون في احدى الاصلاحيات وهو يقتل شابا آخر حاول الاعتداء عليه جنسيا في اشارة الى ان عقاب تلك الجريمة هو القتل.

السينما المصرية لم تتعامل مع الشواذ جنسيا من الرجال فقط. فقد قدمت الشواذ من النساء ايضا ولعل أشهر تلك الافلام فيلما «الطريق» الذي قدمته فاتن حمامة في الستينات من القرن الماضي وظهرت في بعض مشاهده الفنانة ملك الجمل وكانت تجسد شخصية امرأة شاذة وتعمل مدرسة في إحدى المدارس. اما الفيلم الثاني فهو فيلم الصعود إلى الهاوية الذي قامت ببطولته الفنانة مديحة كامل وجسدت فيه الفنانة ايمان او ليز سيركسيان شخصية عميله الموساد الشاذة جنسيا التي تقوم باستقطاب النساء من خلال علاقتها بهن.

وفي بحث نشر على احد المواقع المهتمة بالقضايا السينمائية وكتبه باحث أميركي تناول اسلوب معالجة السينما المصرية لتلك الظاهرة باعتبارها أهم سينما في المنطقة العربية، ذكر أن المخرج يوسف شاهين أبرز من قدم تلك النوعية من الشخصيات في افلامه ولكن بطريقة غير معلنه ومن ابرز هذه الافلام فيلم «إسكندرية ليه» الذي ظهر فيه خال البطل على علاقة باحد جنود الاحتلال الإنجليزي. الطريف في هذا البحث انه اشار إلى ان الشذوذ لا يقتصر على العلاقة المثلية ولكنه يمتد إلى ارتداء الرجال لملابس النساء والعكس صحيح. وهو ما يعني ان السينما المصرية قدمت مئات الافلام التي تتناول الشذوذ بدءا من الآنسة حنفي الذي جسد فيه اسماعيل ياسين شخصية رجل يتحول إلى امرأة، وفيلم للرجال فقط الذي ارتدت فيه سعاد حسني ونادية لطفي ملابس الرجال من اجل تحقيق طموحهما في العمل، وسكر هانم الذي ارتدي فيه عبد المنعم ابراهيم ملابس سيدة لانقاذ صديقيه من احد المواقف المحرجة انتهاء بفيلم محمد هنيدي الاخير «يا انا يا خالتي».

الناقد السينمائي احمد صالح قال لـ«الشرق الاوسط» ان السينما المصرية تأخرت كثيرا في طرح هذا الموضوع على الرغم من تعدد مناقشته في السينما العامية في العديد من الافلام. ولكنه فسر ذلك بطبيعة مجتمعاتنا العربية التي تعاني من الكبت السياسي والاجتماعي والثقافي ايضا وهو ما يجعل طرح مثل هذه القضايا من الامور الصعبة ليس على كاتب القصة فقط ولكن على المنتج ايضا الذي يخشي من رفض الناس لمثل هذه النوعية من المواضيع. وقد سبق للسيناريست وحيد حامد تقديم هذه الشخصية في فيلمه ديل السمكة منذ عدة اعوام في مشهد استغرق على الشاشة نحو عشر دقائق وحاول فيه فتح هذه القضية من خلال شخصية كشاف النور الذي يدخل العديد من المنازل ويتعرف على شخصيات كثيرة من خلال عمله ومن بين هذه الشخصيات رجل ارستقراطي لكنه شاذ. الا انه في فيلم عمارة يعقوبيان قدم تلك الشخصية بوعي وعمق اكبر من كافة الجوانب ومن حيث الشكل والمضمون والحوار من خلال علاقة رئيس التحرير الشاذ بالمجند الذي يقنعه بعدم وجود اي اثم عليه نتيجة ممارسته الرذيلة معه ويتصاعد الموقف الدرامي حينما يموت ابن هذا المجند فيشعر ان الله يعاقبه فيهجر رئيس التحرير الذي يشعر بالصدمة إلى الحد الذي تنهمر فيه دموعه بعد معرفة هجر المجند له.

ويؤكد احمد صالح انه يتوقع اقدام السينما المصرية على تقديم افلام اكثر جرأة ليس في قضية الشذوذ وحدها ولكن ايضا في كافة القضايا التي كانت من المحظورات في طرحها. الدكتور هاني السبكي استشاري الطب النفسي قال لـ«الشرق الاوسط»: للاسف لقد تأخرنا كمجتمعات في مناقشة تلك القضية التي يعاني منها عدد ليس بالقليل في مجتمعاتنا العربية وعندما كانت تأتيني حالة للعلاج من هذا المرض النفسي كنت اسرح لبعض الوقت واتسائل: اين السينما من مناقشة تلك الحالة؟ وبخاصة ان هناك العديد من الاسرار التي لا يعرفها الا مرضى الشواذ والاطباء النفسيين الذين يتولون علاج هؤلاء المرضي.

فمن بين الامور على سبيل المثال كيف يختار الشاذ جنسيا رفيقه وكيف يتعرف عليه من بين مئات الاشخاص حتى لو كان في استاد رياضي كبير.

والاجابة ان هؤلاء الشواذ يعرفون بعضهم البعض من خلال ملابسهم واسلوب حديثهم حتى شكل اظافرهم. وهو ما اكده لي احد هؤلاء الشواذ اثناء تلقيه العلاج.

والحقيقة ان السينما عندما تعاملت مع هؤلاء الاشخاص لم تتعمق في طرح فكر الشذوذ كمرض نفسي واكتفت بعرضها في اطار ضاحك دون التصريح بما يتضمنه المعني. وكلنا نتذكر واقعة القبض على تنظيم الشواذ جنسيا في عام 2001 والذي ضم 55 رجلا اكدت التحقيقات تبنيهم لهذا السلوك. وللاسف لقد تعاملت معهم الجهات الأمنية على انهم منحرفين فقط ونسيت ان هناك في الطب النفسي مرض اسمه الشذوذ الجنسي.

ولا يبقى لنا الا السؤال هل تنجح السينما المصرية بعد عمارة يعقوبيان في اصلاح ذلك الخلل الموجود لدى البعض في المجتمعات العربية؟ أم ان طرح هذه الشخصيات من خلال الافلام السينمائية سيقتصر على مجرد الطرح فقط والاستفادة منها في شباك التذاكر؟