«الدويتو».. قصة عاشقين من الزمن الجميل يجابه الانحسار بسبب جودة النص

الجيل الجديد يجد فيه فرصة للانتشار والظهور السريع

TT

ارتبط ظهور الدويتوهات في الغناء العربي مع البدايات للسينما المصرية، التي ساهمت إلى حد كبير، في ظهور ثنائيات غنائية. رسمت الملامح الأولى لفن الدويتو، التي عتقت نصوصها وأصوات مؤديها ذاكرة المتلقي من أجيال الأربعينات والخمسينات، فيما حرضت إعادة عرض الأفلام التي حملت بين مشاهدها تلك الدويتوهات فنانين من الجيل الجديد على تكرار التجربة.

وبين من يجد في إقبال البعض على خوض غمار التجربة حاليا وسيلة للانتشار والظهور السريع في ساحة الغناء العربي المزدحمة، خاصة إذا كان برفقة فنان من الوزن الثقيل، وهو ما مثله النجاح الذي حصده دويتو أغنية «يانا يانا» الذي جمع الفنانة رولا سعد بشحرورة الوادي صباح، والذي لقي رواجا كبيرا في الآونة الأخيرة، جعلها تكرر التجربة من خلال كوكتيل لأغنيات الشحرورة وبصحبتها، الأمر الذي يثير تساؤلا مشروعا حول دور الدويتو في انتشار الفنان وقلة توجه البعض الآخر منهم لعمل دويتوهات تضاف لخريطة الغناء العربي وسط حمى الولادات المستمرة للفنانين. ولأن الدويتو في الأغنية العربية ليس ظاهرة فنية جديدة، كما يقول الموسيقار إلياس الرحباني «الدويتو ليس ظاهرة فنية جديدة بل هو لقاء بين الكبار يجسد لغة المحبة ورسالة الفن الجميل في الزمن الجميل»، مشيرا إلى الثنائيات التي جمعت كبار الفنانين من خلال أغنيات ما زالت محفورة في القلوب، منها تلك التي تألقت فيها صباح نفسها مع صوت الجبل وديع الصافي في اكثر من لقاء.

يأتي ذلك في وقت يحجم فيه السواد الأعظم من الفنانين عن المشاركة في الدويتو مقابل الاكتفاء بأغنياته الخاصة، مما ترك بصماته في انحسار فن الدويتو في الآونة الأخيرة، مقارنة بما كان عليه الحال في زمن الأبيض والأسود، وربما كانت أشهر الثنائيات الفنية تلك التي جمعت العندليب الأسمر مع الفنانة شادية في أغنية «بتخونوه»، في حين لم تكن البنت الشقية شادية، إلا قاسما مشتركا في كثير من الدويتوهات، منها دويتو «ياسلام على حبي وحبك.. وعد ومكتوب لي احبك»، الذي التقت فيه بفريد الأطرش في فيلم «انت حبيبي»، فيما يطل دويتو «حكيم عيون» الذي جمع موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب والمطربة سامية أحمد كأشهر دويتو ما زال يردده كثير من العاشقين في أزقة وحارات العالم العربي.

إلا أن عودة الدويتو في لبنان كانت مع بداية التسعينات الميلادية، من خلال دويتو «مين حبيبي أنا»، والذي استطاع من خلاله المخرج سيمون أسمر أن يجمع بين نجمين من نجوم ستديو الفن، وهما وائل كفوري ونوال الزغبي عبر كلمات معاتبة شكلت لجيل الثمانينات، ملامح الحب العصري ولغة الحوار بين المحبين والتي حققت نجاحا جماهيريا كبيرا حينها، في حين كان لقاء صوت الجبل بشمس الأغنية اللبنانية نجوى كرم في أغنية «وكبرنا يبي» محاولة لإعادة إحياء الدويتو من خلال فكرة واضحة ساهمت في إنجاح العمل، وليس اعتمادا على الأسماء، كما اشار إلى ذلك الملحن سامي احسان، برغم قلة النصوص الغنائية وجودتها التي تلعب دورا في عدم الإقبال على الديو.

ويقول احسان «انتشار الدويتو ونجاحه يعتمد على جودة النص عبر التوظيف الجيد لخدمة فكرته»، يأتي ذلك في وقت تبدو فيه النصوص على قلتها، خالية من شرط الجودة والفكرة المخدومة، ويوضح إحسان «النصوص المغناة الآن لا تقوم على فكرة واضحة، والهدف منها هو الظهور والانتشار، وهذه لا تخدم الدويتو كفن قائم بذاته»، مشيرا إلى أن عدم اقبال كتاب الكلمة على كتابة الدويتو، يعود إلى الاتجاه السائد من قبل أغلب الفنانين نحو الغناء بلغات أخرى.

وفي ظل محاولة البعض تغيير إطار صورة الدويتو من ثنائية المرأة والرجل اتجه البعض الآخر للمزاوجة بين اللغة العربية ولغات أخرى منها دويتوهات لفنانين مثل جواد العلي، الذي شارك المطرب التركي في أغنية «يجيلك يوم»، وأغنيات أخرى لفنانين تجاوزوا منطقة الشرق الأوسط، محلقين خارج السرب نحو الآفاق الأوروبية مثل حكيم وأمل حجازي وسميرة سعيد وعمرو دياب في محاولة لجذب المتلقي الغربي، وفي الوقت الذي يجد فيه كثير من النقاد الفنيين أن هذه التجارب لا تمت بأي حال من الأحوال إلى الغناء العربي، كما اشار كل من الموسيقار الياس الرحباني والملحن سامي احسان، إلا أن تجربة الدويتو تعد ذات مذاق مختلف في منطقة الخليج، وربما كان للكلمة التي ما زالت تحتفظ بشيء من جودتها دور في ذلك.

يقول «احتفاظ الكلمة الخليجية بجودتها، ساهم لحد كبير في اقبال فناني المنطقة على الدويتو، لكن في ظل معايير معينة ابرزها وضوح الفكرة وجودتها»، وشهرة نوال الكويتية ودقة اختيار الكلمة وحرصها الشديد كانت من العوامل التي جعلتها قاسما مشتركا في اشهر الدويتوهات بدءا من «كان ودي نلتقي» الذي جمعها بالفنان عبد الله رشاد، لتحصد نجاحا باهرا في أغنية «أعذريني»، التي جمعتها بصاحب الصوت الرخيم عبد الله الرويشيد.

وفي مقابل وجود الدويتو على مستوى الغناء العربي، تبرز الثنائيات الفنية على مستوى اللحن أو الكلمة والغناء والتي يتربع الرحابنة على قمتها في واحدة من اقوى الثنائيات، إن لم تكن ثلاثية جمعت اللحن والكلمة لتصهره في بوتقة فيروزية شكلت الذائقة الفنية لأجيال متعاقبة.

في حين كونت ثنائية وردة الجزائرية مع الحان بليغ حمدي شهابا مضيئا في تاريخ الثنائيات الفنية على مستوى الأغنية، ولم تقف الدانات السعودية في معزل عن الثنائيات الغنائية. فقد استطاعت كتابها التحليق عاليا عبر نوارس بحرالأغنية السعودية. مما ساهم في تكوين ثنائيات حفرت في الذاكرة من أمثال تلك الثنائية التي جمعت بين رحباني الكلمة السعودية بدر بن عبد المحسن مع طلال مداح، والشاعر عبد الرحمن بن مساعد مع الفنان عبادي الجوهر، في الوقت الذي كانت فيه جديلة الثنائية التي ربطت فنان العرب محمد عبده بجواهرجي الأغنية السعودية ابراهيم خفاجي تشتد أواصرها. ولم يكتف محمد عبده بتلك الثنائية ليشكل ثنائية من نوع آخر مع شاعر الكلمة الحكيمة خالد الفيصل من خلال أغنيات ترسخت في الذاكرة الفنية للمتلقي.

يأتي ذلك في الوقت الذي برزت فيه ثنائيات أخرى على مستوى اللحن والأداء، ربما كان أبرزها ثنائية عبد المجيد عبد الله والملحن خالد الشيخ أوائل الثمانينات إلى جانب تلك التي جمعت بين الملحن صالح الشهري وراشد الماجد. وفي ظل توجه الكثير من الفنانين للبحث عن موطأ قدم في الساحة الغنائية المزدحمة، يظل فن الدويتو بعيدا عن الأنظار في انتظار لقاء عاشقين يحكيان قصة أخرى من زمن الحب والأساطير.