المشاهد العربي على موعد مع «الدماء» عبر الشاشتين الفضية والذهبية

بعد أحدث العراق ولبنان.. «أفلام 2006» عنف وجريمة واغتصاب

TT

يبدو أن الشاشتين الفضية والذهبية، اتفقتا على الجمهور المصري والعربي، ففي الوقت الذي لطخت فيه اسرائيل جدران الشاشة الصغيرة بدماء اللبنانيين الأبرياء، الذين ملأت أخبارهم نشرات الاخبار العربية والعالمية، جاءت أغلب افلام الموسم السينمائي الصيفي مليئة بمشاهد العنف والجريمة، ليصاب المشاهد في النهاية بغصه مما يراه على الشاشتين.

كانت البداية مع فيلم «عمارة يعقوبيان» قصة دكتور علاء الاسواني وسيناريو وحوار وحيد حامد واخراج مروان حامد، والذي تضمن مشاهد عنف كثيرة، منها مشاهد التعذيب التي تعرض لها الفنان محمد امام الذي جسد شخصية طه، الذي يفشل في الالتحاق بكلية الشرطة فيتحول إلى احد اعضاء الجماعات المتطرفة، ويعتقل في احدى المرات، ونشاهد اسلوب الشرطة في تعذيبه على الشاشة، إلى جانب مشهد النهاية الذي يتم فيه قيام طه باغتيال الضابط الذي رفض التحاقه بكلية الشرطة. ليشاهد الجمهور الشاشة وقد طغى عليها لون الدم الاحمر، وفي الفيلم نفسه ترتكب جريمة قتل اخرى، حيث يجهز شاب على الصحافي الشاذ جنسيا ويقتله في غرفة نومه ويفر هاربا، بعد ان يسرق امتعته.

معركة أخرى تحولت إلى ما يشبه المجزرة في فيلم «واحد من الناس»، تأليف بلال فضل واخراج احمد نادر جلال، حيث تقع جريمة قتل شاب على يد ابن رجل اعمال شهير، ثم تحدث جريمة قتل اخرى تموت فيها زوجة بطل الفيلم الشاب البسيط، الذي تورط في شهادة حق كان فيها شاهد عيان على جريمة القتل الاولى. ثم نشاهد مقتل جندي في الأمن المركزي حاول رئيسه ضابط الشرطة اقناعه بالاعتراف انه القاتل حتى يحمي ابن رجل الأعمال، وعندما يعود الجندى ليؤكد انه اعترف خطأ بأنه القاتل «يشاهده الجمهور مخنوقا» في السجن. ناهيك من مشاهد الحرائق والاختطاف والتعذيب، التي شاهدها جمهور الفيلم على مدار الاحداث.

أما فيلم «وش اجرام»، تأليف بلال فضل واخراج وائل احسان، فجاء هو الآخر متناغما مع افلام الدم هذا العام، حيث معارك بالرصاص، ومطاردات طرفاها رجل اعمال ومدير بنك كانت نتيجتها اختطاف «طه» بطل الفيلم، ليقود هو الآخر فيما بعد المطاردات. وعندما يصل إلى الجاني ويسلمه للعدالة، ويكاد الجمهور ان يتنفس الصعداء لتعود حالة الاحتقان، عندما يرفض مسؤول كبير القبض على الجاني لأنه من رجال الاعمال.

ومن «وش اجرام» إلى جانب فيلم «جعلتني مجرما»، تأليف نادر صلاح الدين واخراج عمرو عرفة، نجد البطل وهو شاب بسيط يفشل في العثور على فرصة عمل أفضل فيتحول إلى مجرم دون ان يقصد، حيث تختطفه ابنة رجل اعمال بخيل بمساعدة صديقها، وتبلغ والدها ان شابا لا تعرفه اختطفها وعندما يداهم البوليس المنزل، ويقبض على الشاب تظهر الفتاة ورقة زواج عرفي كتبتها لتؤكد للبوليس انها زوجة الشاب ومن غير المعقول ان يخطف زوج زوجته وعند رحيل البوليس، يأخذ الشاب الورقة ويبدأ في مساومة والد الفتاة على طلاقها ويحصل منه على شيك بمبلغ كبير من المال، مقابل تسليمه ورقة الزواج العرفي، الا أن ضميره يستيقظ ويمزق الشيك.

أما فيلم «ظاظا» تأليف طارق عبد الجليل، واخراج علي عبد الخالق، فألقى الضوء على ما يحدث في العراق بإسقاط على سلوكيات بعض الرؤساء العرب تجاة الغزو الأميركي للعراق، من خلال شاب بسيط يتحول بالصدفة إلى رئيس جمهورية، ثم يأتيه السفير الاميريكي، ليؤكد له انه سيضرب بلدا عربيا، ويقرر رئيس الجمهورية بعد اجتماع مع وزير دفاعه شراء أسلحة نووية من كوريا، فيعلم السفير الأميركي ويعطي أوامره بقتل رئيس الجمهورية اثناء إلقائه خطابا سياسيا. فيموت الرئيس برصاصات يطلقها عليه قناص.

أما فيلم «عودة الندلة» تأليف بلال فضل واخراج سعيد حامد، فعلى الرغم من خلوه من المعارك والدماء، الا انه احتوى اجراما، تمثل في تشكيل عصابي من رجل وزوجته يقتحمان فيلا فيجدان طعاما يطلب الزوج اللص من زوجته اعداد الطعام له قبل السرقة، ويخرج من الفيلا ليدخل اصحابها ويسلموا زوجته للعدالة لتقضي في السجن 15 عاما، ثم تخرج لتجد زوجها تزوج اخرى، وفي محاولة منها لاسترداد ابنها تتنكر وفقا لرغبة الزوج في شخصية شقيقته التي قتلت زوجها، وخرجت من السجن بعد قضاء العقوبة، وفي النهاية يعلم الابن أن عمته هي امه.

بعض النقاد لم يلتفتوا إلى ظاهرة الاجرام في افلام الموسم الحالي، بل رأوا ان الاساس في اي فيلم هو قصته واسلوب معالجتها إلى جانب مجموعة العناصر الفنية الأخرى المساعدة في ظهور الفيلم بشكل جيد. ومن هؤلاء الناقد كمال رمزي، الذي يؤكد أن مضمون الفيلم وجودة حبكته الدرامية هي الاساس، حتى لو كانت كل الافلام تتناول مشاهد عنف او اجرام، المهم ان تكون لدينا صناعة سينما جيدة. في حين رأي البعض الآخر ان سيطرة فكرة واحدة على افلام الموسم الحالي أمر ليس جديدا على السينما المصرية، التي سبق لها تقديم افلام متشابهة في سنوات سابقة، ففي فترة سيطرت على السينما المصرية افلام المخدرات، وبعدها افلام حوادث الاغتصاب، وهكذا. ومن بين النقاد الذين يميلون إلى هذا الرأي الناقد طارق الشناوي، الذي يرى في هذا الامر نوعا من الافلاس الفني، فعندما تسيطر فكرة واحدة على مجموع افلام الصيف، حتى وان اختلف اسلوب معالجتها يكون هناك أزمة.

وعلى الرغم من آراء النقاد السابقة، الا ان الطب النفسي له رأي مغاير في هذه القضية، حيث يؤكد دكتور خليل فاضل استشاري الطب النفسي أن ما نشاهده على شاشة السينما، ما هو الا انعكاس لحالة العنف التي بات يعيشها المجتمع في اللاشعور، حيث تؤكد جميع الدراسات النفسية والاجتماعية زيادة معدلات العنف لدي شرائح المجتمع المختلفة ليس في ارتكاب الجرائم فقط، ولكن في اسلوب التعامل مع بعضنا البعض ايضا، وهو ما تعكسه ثقافة الزحام التي لا تنتج سوى الحقد والكراهية وسلوكيات عدم التسامح.