سميرة أحمد.. «امرأة من زمن الحب»

لعبت دور الكومبارس.. وفرضت نفسها في زمن السيدات

TT

أطلق عليها النقاد «حمامة السينما الوديعة» لكنها أصبحت تعشق لقب «امرأة من زمن الحب» الذي اكتسبته من عنوان أشهر مسلسلاتها التلفزيونية والذي قدمته منذ ما يزيد عن السنوات الست. وقد نجحت في فرض نجوميتها من قبل، في زمن كان للشاشة «سيدة» اسمها فاتن حمامة، و«دلوعة» اسمها شادية، و«عذراء» اسمها ماجدة، و«نجمة إغراء» اسمها هند رستم. فوسط كل هؤلاء، برزت سميرة أحمد في أدوار بطولة إلى جانب كبار النجوم، برومانسية فاتنة، أو في أدوار حادة وصارخة، كما في فيلم «الخرساء».

اسمها سميرة احمد إبراهيم خضير، ولدت لأب يعمل «باشكاتب» بمحكمة استئناف أسيوط وأم ربة بيت بسيطة ولها سبعة أشقاء وشقيقات هم بالترتيب: نوال، خيرية، سميرة، طلعت، بهجت، نشأت، وسامي.

وكانت الوظيفة الميري لوالدها تضمن للأسرة حدا ادنى من الاستقرار خاصة في فترة الاربعينات. ولا تتذكر سميرة احمد من طفولتها في أسيوط إلا مشهدا واحدا وهو رحلة انتقال الأسرة من أسيوط إلى القاهرة بعد أن تقرر نقل الأب إلى القاهرة، وقتها لم تكن أكملت الثامنة من عمرها.. ورغم عدم الاستقرار في مكان واحد خلال الفترة الأولى لإقامة الأسرة بالقاهرة إلا أن سميرة احمد كانت طالبة مجتهدة تعتني بدروسها وأيضا بمظهرها الخارجي «مريلة المدرسة وتسريحة شعرها ولمعان الحذاء وحقيبة الكتب». وخلال هذه الفترة عشقت الفتاة سميرة احمد نجمات الفن والتمثيل مثل ليلى مراد وشادية وتحية كاريوكا، ورغم ذلك لم تفكر أن تصبح واحدة منهن فقد كانت تحلم أن تصبح مدرسة أطفال مثل معلمتها «ابلة نبوية» والتي ارتبطت بها ارتباطا وثيقا.. ولكن حدث في حياتها حادث غير مجراها 180 درجة، فقد زحفت المياه البيضاء علي عيون والدها مما استدعى دخوله المستشفى لتضطرب أحوال الأسرة فتكاتفت البنات لمواجهة الهزة الاقتصادية التي أصابتهم فعملت الشقيقة الكبرى «نوال» في محلات صيدناوي ولصغر سن سميرة وخيرية لم يستطيعا العمل مثل شقيقتهما الكبرى. وقادتهما قدماهما بالصدفة البحتة إلى مكتب احد الريجيسيرات للعمل ككومبارس مقابل خمسين قرشا في اليوم وأصبحت سميرة احمد وجها مألوفا لدى مكاتب الريجيسيرات وحاولت أن تبدو اكبر من سنها فعرفت الماكياج وارتدت الفستان بدلا من المريلة وارتفع كعب حذائها لذلك كان يختارها المخرجون لتقدم دور كومبارس متكلم.

وتقول سميرة احمد عن بداية مشوارها الفني: قد تضحكون إذا قلت لكم إنني لم أتجه للفن بكامل إرادتي فموهبتي تم اكتشافها بالصدفة على يد مخرج الروائع حسين الإمام في فيلم «حكم القوي». كما لعبت الصدفة دوراً كبيراً في أول دور ناطق لي كان في فيلم «حبيب الروح» أمام أنور وجدي وليلى مراد وأقول الصدفة لكوني لم أكن أتوقع أن أحصل على هذه الفرصة من أنور وجدي الذي بدوت أمامه وهو يختبرني مجرد طفلة متوترة فولى بوجهه بعيدا عني الا أنني فوجئت باختياره لي بعدها. ثم جاءت أول فرصة لإثبات وجودي في عام 1953 مع المخرج الكبير صلاح أبو سيف في فيلم «ريا وسكينة» للعملاقتين زوزو حمدي الحكيم ونجمة إبراهيم، وأنور وجدي الذي بشرني بالنجومية.

وتصمت سميرة لحظات وتقول: الطريق أمامي لم يكن مفروشاً بالورود كما قد يتخيل البعض بل كان مفروشاً بالمعاناة والأشواك، فقد عملت أول ما عملت كومبارس في العديد من الأفلام مع فاتن حمامة وليلى مراد وشادية، وكنت أختفي عن «الريجيسير» عندما كان يختار بنات الكومبارس حتى لا يطلب مني العودة إلى المنزل لأنني في هذه الفترة كنت صغيرة جداً.. وأذكر ذات مرة ان الفنان الكبير الراحل أنور وجدي جذبني من وسط البنات فخفت بشدة واعتقدت أنه سيطلب مني العودة إلى المنزل فوقفت أمامه صامتة أرتعد ثم وجدته يقول لي أريد منك أن تقولي جملة واحدة وقالها لي فذهبت نحو الفنانة الكبيرة الراحلة ليلى مراد وقلت لها «تشربي حاجة يا ليلى هانم» وبالطبع قلتها وأنا أرتعد فابتعد عني أنور وجدي ولم أفهم أي شيء من هذا الموقف وقتها.

وإذا كانت الصدفة هي المحطة الأولى في مشوار سميرة احمد الفني فإن عام 1955 كانت المحطة الثانية والأهم بعد أن أثبتت وجودها كممثلة تكتسب صفات النجمات الكبيرات، وذلك في فيلم «أغلى من عينيّ» للمخرج الراحل عز الدين ذو الفقار، حيث مثلت دور فتاة ضريرة، وبعد إجادتها للدور اتفق المخرجون على أنها تصلح لأداء الأدوار الصعبة، ومن هنا قدمت سميرة أحمد شخصية الضريرة في أربعة أفلام أخرى هي «جسر الخالدين» عام 1960 إخراج محمود إسماعيل وأعقبته بفيلم «رجل في حياتي» ثم رائعة يحيى حقي «قنديل أم هاشم» واختتمت هذا بفيلم «العمياء».

إلا أن فيلم «الخرساء» الذي قدمته عام 1961 مع المخرج الكبير حسن الإمام يعد من أهم وأصعب أدوارها السينمائية فقد أثبتت فيه قدراتها في التعبير عن أدق المشاعر والانفعالات الإنسانية دون أن تنطق بكلمة واحدة وأدى نجاح هذا الفيلم لترشيحها لبطولة فيلم «الضياع» الذي قدمت فيه شخصية امرأة مشلولة، ومنه تم ترشيحها لشخصية المضطربة نفسياً في فيلم «هل أنا مجنونة». وإلى جانب هذه الافلام تعتز سميرة احمد أيضا بأفلام «شاطئ الحب» و«أم العروسة» و«السيرك» و«خان الخليلي» و«ليل وقضبان» والحاقد وصراع الأبطال وطريد الفردوس وغيرها من الأفلام الأخرى حيث أن عدد الأفلام التي قدمتها وقامت ببطولتها تجاوز المائة فيلم سينمائي. كان أبرزها فيلم «الشيماء» الذي قدمته عام 1973 والذي يعتبر العمل الوحيد الديني الذي قدمته سميرة ولكنه سيظل محفورا في ذاكرة السينما المصرية.

فيلم البنات والصيف الذي قامت ببطولته سميرة احمد أمام عبد الحليم حافظ يعد أيضا من أهم العلامات الفنية في مشوارها الفني لذلك تختزن في ذاكرتها العديد من المواقف التي صاحبت تصوير هذا الفيلم، فتقول: مؤكد أن العمل مع عبد الحليم كان أحد أحلامي الفنية، ومن هنا عندما بدأ صلاح أبو سيف الإعداد للفيلم بعد الاتفاق مع الأديب الكبير إحسان عبد القدوس على تحويل قصته للسينما وجدت أبو سيف ومعه وحيد فريد يتصلان بي لكي أمثل في الفيلم فشعرت بسعادة كبيرة لكن فوجئت بهما يرشحاني لدور «فتحية» الشغالة فرفضت بشدة فقالا لي: اقرئي السيناريو واختاري الدور الذي يناسبك فأخذت السيناريو، وعكفت عليه ليلة كاملة، وفي الساعة السابعة صباحاً اتصلت بوحيد فريد وأيقظته من النوم وأبلغته إنني سأؤدي دور الشغالة فتحية، فجن جنونه مني بسبب إيقاظي له في هذا الوقت دون انتظاره حتى يستيقظ في موعده المعتاد وقدمت الدور، وكان أعظم أدواري على شاشة السينما، ولا أنسى ما قاله لي إحسان عبد القدوس بأنني جسدت تلك الشخصية أفضل مما كتبها، وكان هذا هو أعظم وسام على صدري وقد أصبحت بعد هذا الفيلم صديقة عزيزة لعبد الحليم وأصر على أن أقوم بتقديمه في إحدى حفلات الربيع ليلتها فوجئت أثناء تقديمي له على المسرح بإحدى معجباته تقوم بإلقاء طوبة على كتفي سببت لي آلاما شديدة.

وعلى المستوي الفني نجد ان هناك العديد من الشخصيات إلى أثرت في حياة سميرة أحمد لا يمكن أن تنساها في مشوارها الفني. أبرزهم الفنان أنور وجدي الذي سبق عصره بمراحل وتعلمت منه الكثير كما تأثرت بعبد الوارث عسر الذي تعلمت منه احترامه لنفسه وللآخرين والصدق في الأداء، وكانت تذهب له يومياً في منزله ليعلمها فن الإلقاء، ولا يمكن أن تنسى رشدي أباظة الذي كان صديق عمرها فكانت تفكر أمامه بصوت عال، فقد لمست فيه إخلاصاً ووفاء لم تجده في شخص آخر لدرجة أنه كان يتعارك مع أي شخص إذا أساء لها ولو بكلمة واحدة، وبالطبع لا يمكن أن تنسى فريد الأطرش صاحب أطيب قلب وأخف دم فكان مشهوراً بالظهور بشدة وقت الأزمات، وبالطبع لا يمكن نسيان وحيد فريد وصلاح أبو سيف وحسن الإمام فجميعهم أثروا فها بشدة.

ولأنها فنانة تعشق فنها لم تتردد لحظة واحدة في اقتحام تجربة الإنتاج السينمائي في وقت ابتعد فيه النجوم الرجال عن خوض التجربة ولكن إيمان سميرة احمد بقيمة ما تقدم من سينما جعلها تخوض التجربة وتقول عنها: تجربة الإنتاج كانت بلا شك تجربة لذيذة جداً فقد أنتجت سبعة أفلام بدأتها عام 1961 بفيلم «رجل في حياتي» إخراج يوسف شاهين ثم فيلم «عالم عيال عيال» عام 1973 وفيلم «امرأة مطلقة» عام 1986 إخراج أشرف فهمي، وكان لي الشرف عام 1989 بإنتاج فيلم «البريء» لأحمد زكي إخراج عاطف الطيب وهو من الأعمال التي لا تنسى رغم منعه من العرض في مصر، وهو من أهم الأفلام في تاريخ السينما المصرية وكان لي شرف إنتاج فيلم «البحث عن سيد مرزوق» الذي مثل مصر في مهرجانات عديدة، وحصل على العديد من الجوائز لعل أبرزها جائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي. نعم اعلم ان الانتاج مهنة شاقة ولكن السعادة التي تصاحب تقديم عمل ذو قيمه يشيد به الجميع لا يضاهيها سعادة أخرى.

وقد تم تكريم سميرة احمد في العديد من المهرجانات المحلية والعربية منها المهرجان القومي للسينما المصرية ومهرجان القاهرة السينمائي الدولي ومهرجان الإسكندرية وتم عرض أفلامها في محافل دولية وأقيمت أسابيع خاصة لعرض أفلامها بأمريكا وموسكو ولندن وفرنسا وغيرها ناهيك عن عشرات الجوائز وشهادات التقدير من جمعيات ومؤسسات فنية وقومية بكافة الأقطار العربية والجاليات العربية في أوروبا ولا يمكن أن ننسى جائزة أحسن ممثلة في مصر والعالم العربي عن فيلم «الخرساء» وجائزة الكاتب الكبير الراحل مصطفى أمين وهي من أفضل الجوائز التي كان يتم إعطاؤها في الستينيات.

وإذا كانت سميرة احمد قدمت هذا الكم من الأعمال السينمائية داخل مصر وبإنتاج مصري فإنها قدمت ثمانية أفلام إنتاج جهات غير مصرية خاصة في الفترة التي هاجر فيها معظم الفنانين المصريين إلى بيروت فقدمت أفلام «صخرة الحب» و«ابن كليوباترا» و«مهمة سرية في الشرق الأوسط» و«المتمرد» و«العمياء» و«مشاكل البنات» و«الضياع» و«سلام بعد الموت» وهذه الأفلام لم يتم عرضها في مصر. وخلال السنوات الأخيرة اتجهت سميرة احمد للشاشة الصغيرة لتقدم عددا من الأعمال الدرامية التلفزيونية التي أكسبتها نجومية فوق نجوميتها مثل «الحب الضائع» و«المعذبون في الأرض» و«غدا تتفتح الزهور» و«بيتنا الصغير» و«ضد التيار» و«امرأة من زمن الحب» و«أميرة في عابدين» و«يا ورد مين يشتريك» و«أحلام في البوابة» وهذا العام قدمت «دعوة فرح».