محمود عبد العزيز.. «ساحر» السينما المصرية

بدأها بأدوار الفتى الأول ثم الكوميديا وختمها بـ«الفانتازيا»

TT

يبرر غيابه الذي قد يطول عن الوسط السينمائي لعدد من السنوات برغبته الشديدة في الحفاظ على ما حققه من نجاحات على طول مشواره الفني، مؤكدا ان تاريخه واسمه يجعلانه يدقق في اختياراته حتى تكون عودته وطلته على الشاشة بعد طول غياب ذات قيمة له وللجمهور فهو يؤمن بأن السينما ذاكرة الأجيال القادمة وأن الفن رسالة يجب إجادة التعامل معها. إنه الساحر محمود عبد العزيز. ساحر السينما المصرية الذي بدأ حياته الفنية بأدوار الفتى الأول أهله لها وسامته التي قدمته في أدوار رومانسية كفيلم الحفيد وفي منتصف مسيرته كان قراره بتغيير جلده الفني ليعلن عن طاقة كوميدية هائلة انطلقت مع فيلمه «العار» و«الكيف» و«جري الوحوش». تلتها بعد ذلك مرحلة أفلام الفانتازيا مع «السادة الرجال»، «سيداتي آنساتي» ثم الأفلام الإنسانية التي تناولت حياة المهمشين مثل «الكيت كات» و«الساحر».. ليؤكد في النهاية على وجود موهبة مميزة ذات طلة مؤثرة على الشاشة العربية. ولد محمود عبد العزيز في 4 يونيو (حزيران) 1946، في حي الورديان بمدينة الإسكندرية، وحصل على بكالوريوس الزراعة من جامعتها، تلاه بحصوله على درجة الماجستير في إنتاج النحل. وعلى الرغم من عشقه للتمثيل منذ صغره وممارسته له في المدرسة الابتدائية وحتى الجامعة الا انه لم يحترفه إلا بعد تخرجه.

البداية يصفها محمود عبد العزيز بانها كانت مجرد مصادفة منحته دورا صغيرا يكاد لا يلحظه احد منحه له المخرج الراحل نور الدمرداش في مسلسل «كلاب الحراسة». ويضيف قائلا «كان أجري في هذا العمل لا يتجاوز مبلغ أربعة جنيهات فقط. الا انه كان السبب في ارتباطي بعلاقة صداقة قوية مع المخرج نور الدمرداش فعملت معه كمساعد مخرج في مسلسل للتلفزيون السعودي كان عنوانه «بلا مقابل»، وقتها كان يعد لتقديم مسلسل «الدوامة» فاختارني للمشاركة به في دور هام مع الفنان محمود ياسين والفنانة نيللي وكان بمثابة بدايتي الحقيقية فمن خلاله شاهدني المنتج الكبير رمسيس نجيب فوقع معي عقدا لبطولة فيلم «حتى آخر العمر» ومن هنا كانت انطلاقتي في السينما».

قدم محمود عبد العزيز خلال مشواره السينمائي نحو 80 فيلما من ابرزها «كفاني يا قلب»، «طائر الليل الحزين»، «خطايا الحب»، «ابنتي والذئاب»، «ضاع العمر يا ولدي»، «المتوحشة»، «العار»، «العذراء والشعر الأبيض»، وغيرها من الافلام التي قدم فيها شخصيات متعددة تميزت بالتنوع والإبداع الذي لفت الانظار اليه كفنان مبدع.

وهو ما يؤكده الناقد أحمد صالح بقوله: «محمود عبد العزيز قيمة كبيرة في السينما المصرية قدرته تبدأ من اختيار الموضوع وحرصه على عملية الاختيار وعدم تكرار الشخصيات التي يلعبها وهذا وحده كفيل باستمرار نجوميته فهو لا يستهلك نفسه ابدا وليس لديه مانع ان يظل في منزله عام او عامين او ثلاثة طالما لم يجد الدور أو الشخصية التي يحبها ليقدمها». ويضيف «اذا نظرنا إلى مراحل تطور مشوار محمود عبد العزيز نجد انه يمتلك قدرة كبيرة على التطور والدخول في مناطق تمثيلية ربما لا يكون مصنفا فيها. فمثلا قدم الكوميديا في فيلم «الكيت كات» رغم انه ليس مصنفا كممثل كوميدي، الا ان عشقه للدور جعله يقدمه بقدرات رائعة في الكوميديا، وعندما نشاهد هذا الدور لا يمكن ان نتخيل ممثلا آخر يمكن ان يؤدي هذه الشخصية غيره».

وتابع صالح بقوله «قدم الرومانسية كأبدع ما يكون في افلام عدة كما في «فيلم كفاني يا قلب» الذي كان لي شرف كتابة السيناريو له، وقام ببطولته واخرجه الفنان الكبير حسن يوسف وشمس البارودي ورغم ان الدور كان صغيرا لان محمود عبد العزيز كان وقتها في بدايته الا انه عبر عنه بموهبة فنية كبيرة وضعته في دائرة الضوء. ومنذ ذلك التاريخ لم تنقطع صلتي وعلاقتي وصداقاتي بمحمود عبد العزيز الذي اكتشفت فيه جانبا انسانيا كبيرا لا يقل عن موهبته الفنية فهو انسان واضح يتعامل مع الاخرين بوجه واحد فاما أن يحبك كل الحب أو لا».

ويرى الكثير من النقاد أن محمود عبد العزيز قد يكون النجم الوحيد الذي لم يمر بمرحلة الانتشار فلم يقدم ما يخجل منه على مدى تاريخه الفني كما لم يرضخ لمطالب السوق الفني في فترة الثمانينيات بتقديم تنازلات بغرض التواجد. وهو ما يبرره محمود عبد العزيز نفسه بقوله: «كنت دائما أضع امام عيني اسرتي واصدقائي وعائلتي وابنائي الذين لم اكن قد انجبتهم في ذلك الوقت كنت اخشى ان اقدم اي عمل اشعر بالخجل منه امام هؤلاء جميعا فقررت الحفاظ على كرامتي وفني».

الناقد طارق الشناوي يقول: محمود عبد العزيز احد فتيان الشاشة الكبار منذ 30 عاما ويثير حضوره على الشاشة حالة من البهجة لدى الجماهير كما يمتلك القدرة على العزف على أوتار قلوب الجماهير فقط اذا عثر على الدور الذي تشع من مفرداته البهجة». ويضيف، في مشواره لا بد ان نتوقف أمام أعمال هامة ومتميزة فيه منها «طائر الليل الحزين»، «شفيقة ومتولي»، «لا يزال التحقيق مستمرا»، «العار»، «إعدام ميت»، «تزوير في أوراق رسمية»، «سيداتي آنساتي»، والعديد من الافلام التي تفوق فيها على ذاته. واعتقد أنه بداخل محمود عبد العزيز بئر عميقة من الموهبة والعطاء ولا تزال تنتظره أجمل الأدوار والأفلام التي لم تأت بعد.

إننا جميعا، جمهورا ونقادا وشاشات، ننتظر عودة محمود عبد العزيز الذي مازال في جرابه الكثير والكثير من الإبداع.

في السنوات الاخيرة تعرض محمود عبد العزيز لانتقادات من قبل بعض النقاد بعد اقدامه على الغناء في افلام القبطان والساحر وسوق المتعة. وقالوا ان محمود يحاول استغلال نجاحه الذي تحقق بالغناء في فيلم الكيت كات والذي كان موظفا بدقة ضمن سياق الاحداث، في باقي افلامه على الرغم من عدم امتلاكه صوتا جيدا للغناء مؤكدين ان هذا احد اسباب عدم تحقيقها النجاح المرجو منها لان الجمهور لم يجد الفنان الذي اعتاد عليه. من جانبه دافع محمود عبد العزيز عن أفلامه الأخيرة التي لم تحقق النجاح الجماهيري في دور السينما بأنها افلام ذات طبيعة فلسفية، وقال: «أفلام «القبطان» و«سوق المتعة» و«الساحر» هي أعمال تسقط من نفسها حسابات المكسب والخسارة ويتخلى أصحابها عن روح رجال الأعمال ومن هنا كان هدفي إنجاز هذه الأعمال رغبة مني في المشاركة في صناعة سينما حقيقية. ويؤكد محمود عبد العزيز انه استجاب لرغبة ذاتية وبحث عن سعادة شخصية حرمه منها الجمهور لسنوات طويلة عندما قبل المشاركة في مثل هذه الأفلام. ومن هنا يرى ان هذه الأعمال تعد مغامرة بجماهيريته كنجم سينمائي.

اما فيما يتعلق بالغناء في أفلامه فيقول: لا أتعمد الغناء في أفلامي ولست مطربا ولكن المسألة بدأت في فيلم «الكيف» الذي كان يحارب المخدرات وأيضا الأغاني الهابطة التي تفسد ذوق وعقول الناس ثم غنيت في «جري الوحوش». وكل الأغاني التي أديتها موظفة في العمل الدرامي ويكون دائما الغرض منها إنعاش المشاهد، وليس صحيحا ان غنائي في الافلام الاخيرة كان استغلالا لنجاح اغاني «الكيت كات».

علاقة محمود عبد العزيز بخشبة المسرح ترصدها تجربتين فقط هما «خشب الورد» و«727»، بعدها ابتعد تماما عن التمثيل للمسرح رغم عشقه له وهو ما ويقول عنه: أحببت المسرح منذ المرحلة الابتدائية ومارسته على مسارح الجامعة الا انني في بداياتي كنت اخشاه حتي عرض على في عام 1987 مسرحية «خشب الورد» التي حققت نجاحا لدي الجمهور، مما شجعني على تقديم تجربة ثانية فكانت مسرحية «727»، ولكنها لم تحقق النجاح الاول لأسباب عديدة ففضلت الابتعاد.

ولمحمود عبد العزيز رصيد متميز على الشاشة الصغيرة لا في الكم ولكن في الكيف حيث استطاع من خلاله أن يقترب من الجمهور في كل بيت مصري وعربي ومن ابرز أدواره التليفزيونية «الدوامة» و«رأفت الهجان» بأجزائه الثلاثة ومسلسل «محمود المصري».

وقد حصد محمود عبد العزيز العديد من الجوائز سواء في مهرجانات محلية او دولية منها جائزة احسن ممثل من مهرجان العالم العربي بباريس عن فيلم الساحر وجائزة احسن ممثل في مهرجان الاسكندرية السينمائي الدولي في دورته الثامنة عشرة عن ذات الفيلم. الا ان افضل الجوائز التي يعتز بها هي جائزة احسن ممثل التي حصل عليها من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي عن فيلم «سوق المتعة» وهذا العام كرمه مهرجان القاهرة في دورته الثلاثين عن مجمل مشواره الفني في حفل الافتتاح التي جرت مشاهده يوم الثلاثاء الماضي وهو ما قال عنه محمود عبد العزيز: اجمل شيء ان يكرم الفنان في وطنه الذي شهد بداياته ونجاحاته ونجوميته وبالرغم من انه تم تكريمي في العديد من المهرجانات الا ان تكريمي في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي هو من اسعد الاخبار التي تلقيتها هذا العام في الوقت الذي استعد فيه لتصوير فيلم «طباخ الرئيس» تأليف يوسف معاطي واخراج عمرو عرفة والذي من المقرر بدء تصويره اوائل العام المقبل. ولمحمود عبد العزيز ولدان يعمل كلاهما بالفن وعلى علاقة بعالم التمثيل وذلك من زوجته الاولى جيجي التي انفصل عنها منذ عدة سنوات بعد خلافات طالت ساحات المحاكم ورفض هو التعليق عليها في الاعلام. بعدها تزوج من المذيعة بوسي شلبي على الرغم من الفارق العمري بينهما الا ان بوسي التي كانت تربط اسرتها علاقة صداقة بمحمود علقت على ذلك قائلة: الفارق العمري لا يعني اي شيء امام عطف وحب وقلب محمود الذي لم اجد في الدنيا ما يعوضني عنه فمعه الحياة لها طعم ومذاق اخر ومعه اشعر بالامان والحنان اللذين لا اجدهما في مكان آخر.