«كيف الحال» و«ظلال الصمت».. وادعاء أسبقية بداية السينما السعودية

النقاد: يحاربان الإرهاب ولا يعبران عن المجتمع

TT

على الرغم من الاستقبال الحافل الذي قوبل به بكرا الانتاج السينمائي السعودي فيلما «كيف الحال»، الذي عرض في إطار بانوراما السينما العربية، و«ظلال الصمت» الذي لم يتسن له العرض الرسمي في إطار فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي الدولي لعرضه في مهرجان نانت الفرنسي مؤخرا، ليعرض بشكل غير رسمي على هامش المهرجان، الا ان كلا الفيلمين يطرح العديد من الاسئلة، في مقدمتها من تخاطب السينما السعودية، التي لا تملك دورا لعرض انتاجها على الجمهور السعودي؟ ومن يملك القدرة على الحكم على تلك السينما اذا كان الجمهور المستهدف منها لن يراها؟.

وبعيدا عن صيحات التهليل التي أعلنت ان السينما السعودية قادمة لا محالة وبقوة وبغض النظر ايضا عن تأكيد البعض ان احداث 11 سبتمبر 2001، افرزت صناعة سنيمائية سعودية، للتأكيد ان المجتمع السعودي ليس منغلقا على نفسة، وبعيدا عن الجدل الذي اثاره منتجا فيلمي «كيف الحال» و«ظلال الصمت» حول احقية كلاهما بالسبق في الانتاج السنيمائي السعودي، كان لـ«الشرق الأوسط» جولة في كوالييس عرض كلا الفيلمين في القاهرة مؤخرا. في البداية جاء عرض فيلم «ظلال الصمت» في قاعة خاصة بفندق جراند حياة وقت انعقاد مهرجان القاهرة السينمائي في دورته الثلاثين التي انتهت منذ عدة أيام، وتبدأ مشاهد الفيلم بانفجار يدمر عدداً من البيوت دون تحديد لموقع الانفجار أو الاشارة إلى هوية البلد العربي الذي مني به، حيث تصلح الوقائع للحدوث في أى بلد من بلدان المنطقة من المحيط إلى الخليج. وبعد الانفجار الهائل وهرولة أسرة عربية لجمع أفرادها وما تبقى من ممتلكاتها ومن بينها تلفاز يحرص رب الأسرة على حمله بين يديه والاحتفاظ بالريموت كنترول الخاص به، تلقي مجموعة من الجنود الاجانب الذين يتحدثون الإنجليزية القبض على رب الأسرة ولعدم وجود لغة تفاهم بين الطرفين، يظل رب الاسرة يردد كلمة (N0 , No) قاصدا عدم ابعاده عن اسرته او الاستيلاء على التلفاز، وليؤكد لهم أنه صاحب التلفاز يخرج «الريموت كنترول» من جيبه فيفاجأ بأنهم يشهرون الأسلحة في وجهه ويطرحونه أرضاً اعتقاداً منهم بنيته القيام بتفجير جديد فيعتقلونه في مشهد بالغ القسوة. لينقلنا بعدها المخرج عبد الله المحيسن إلى مشهد هادئ تماماً حيث نكتشف، أن هذا الانفجار الرهيب يتم عرضه على خبراء يتحدثون العربية عبر شاشة تلفزيونية، تم جمعهم من قبل جهة تسيطر على الحكم في هذا البلد العربي، وتبحث كيفية تهدئة الأوضاع للسيطرة على مقاومة الاحتلال. فيقومون باستدعاء صحافي معروف بكتاباته التي تلقى مصداقية لدى المواطنين ويجسد شخصيته الممثل السوري «غسان مسعود». فيحاولون اغراءه بالمال والمناصب للعمل معهم. فيتردد في القبول في البداية، الا انه يقبل في نهاية الأمر لحاجته للمال. ويبدأ بعدها اعداده في احد المراكز الخاصة لغسيل المخ للكفاءات والمفكرين وفق آليات وأساليب عصرية متطورة، حيث يلتقي فيه بعلماء وسياسيين ومفكرين تم احضارهم لذات الغرض.

وعلى الجانب الآخر تخرج زوجة الصحافي للبحث عنه في الصحراء حيث لا توجد سوى الرمال، فتلتقي في إحدى الاستراحات بشاب يبحث هو أيضاً عن والده، الذي تم القبض عليه منذ سنوات طويلة، وفي إحدى الليالي وهما تائهان في الصحراء تهاجمها مجموعة من الذئاب وينقذهما بعض العرب الذين يقطنون الصحراء ويساعدهما شيخ القبيلة في الوصول إلى المعهد، ويقوم هو ورجاله بتهريب الزوج والأب وعدد من المقبوض عليهم الراغبين في الفرار من المعهد. ليصدم المخرج عبد الله المحيسن المشاهدين بمشهد يوضح أنه حتى عملية الهروب من المعهد تمت بمعرفة وتحكم النظام المتسلط، لينتهي الفيلم بدائرة من الأسئلة المفتوحة تاركاً للمشاهد فرصة التأمل والتفكير فيما يجرى حوله في عدد من البلدان العربية.

المخرج السعودي عبد الله المحيسن قال لـ«الشرق الأوسط» إن هدفه من هذا الشريط السينمائي هو عرض هاجس الإنسان العربي الذي لا يعرف خلف ما يجري حوله، وما هو مستقبل أمته، بالاضافة إلى الإجابة عن تساؤل، أيهما أجدر بالاهتمام من الأمة العربية: تحرير الأقصى أم فك قيود العقل العربي؟ مؤكدا أن السينما رسالة وليست للترفيه فقط، وانه لم يكن معنيا بالتعبير عن المواطن السعودي كما قد يظن البعض بقدر اهتمامه بالحديث إلى المواطن العربي في كل مكان، ولهذا فالفيلم في رأيه يعبر عن الواقع العربي بغموضه وقسوته. المحيسن قام بتصوير الفيلم في مدينة تدمر السورية، واستعان بنخبة من النجوم العرب المثقفين واختارهم بعناية من بينهم النجمان السعوديان عبد الحسن النمر ونايف خلف، والكويتي محمد المنصور ونجوم سورية غسان مسعود وفرح بسيسو ومنى واصف. المحيسن أشار إلى أن الفيلم تم عرضه في قاعات خاصة بالمملكة العربية السعودية، وتم وضع خطة عرض مخصصة للنقاد والمثقفين والإعلاميين في بعض المدن العربية والعالمية منها الرياض والقاهرة وبيروت ودبي والمنامة وروما وباريس وكان ولندن وغيرها، وهناك خطة لتوزيع الفيلم عن طريق شركة متخصصة تتولى هذا الجانب سواء العرض من خلال دور السينما أو محطات التليفزيون المتخصصة أو التوزيع التجاري من خلال أشرطة الفيديو «دي في دي».

الفيلم الثاني هو «كيف الحال» الذي اختار مخرجه المعالجة المرحة لقصته التي تدور حول أسرة سعودية تجمع بين ثلاثة أجيال، فهناك الجد الذي يصوره الفيلم في صورة رجل متقدم في السن، إلا أنه أبعد ما يكون عن التزمت بل إنه يدعم ويشجع ويبارك الاتجاه للفن ويهوى الغناء ويمتلك موهبة النكتة. أما الأب فهو ليبرالي متفتح يؤمن بتعليم ابنته وامتهانها العمل، ويتيح لها قدرا كبيرا من الحرية، ويبدو متدينا من دون تزمت أو تطرف. إلى جانب ولدين أحدهما معتدل والآخر متزمت يميل إلى العزلة والانطواء، يرغب في تزويج اخته من صديق له من أصحاب الأفكار المتشددة. فتنشب بذلك الخلافات بين الشقيقين تنتهي بترك الابن الأول المنزل ومحاولة الثاني فرض وصايته على شقيقته التي تنجح في الالتحاق بالعمل في صحيفة يومية تحت اسم مستعار، تبدأ العمل بها بإعداد تحقيق صحافي تدافع به عن حق مجموعة من الشباب الساعين لتأسيس فرقة مسرحية وهو أمر مرفوض في السعودية. وبعد سلسلة من الاحداث ينتهي الفيلم وقد اصبح الشقيق المتطرف أكثر ميلا للاعتدال. البعض يرى أن أفضل ما حققه فيلم «كيف الحال» هو الوحدة العربية في افضل صورها بعد فشل السياسة في تحقيقها، فقد تم تصويره في الإمارات، وجاء ناطقا باللهجة السعودية وهو من إخراج المخرج الفلسطيني المقيم في كندا إيزادور مسلم، ومن تأليف اللبناني محمد رضا والمصري بلال فضل. وشارك في التمثيل فيه، ممثلون من السعودية والإمارات وكتب له الموسيقى اللبناني غسان رحباني. الا انه وعلى الرغم من تلك الوحدة التي حققها الفيلم بالجمع بين عدد من الجنسيات العربية المختلفة ضمن فريق عمله، فما زال حسب رأي عدد من النقاد لم يعبر عن المجتمع السعودي، ومن بين هؤلاء الناقد طارق الشناوي الذي رأي رغم تحفظه على المستوى الفني للعملين، ان إنتاج السعودية للفيلمين يعد بادرة أمل طال انتظارها.

وأضاف: يجب ان نساند الفيلمين لأنهما فتحا الباب امام الدعوة إلى تأسيس دور عرض سنيمائي في السعودية. وقد تعجبت من تصارع منتجيهما على من منهما الأحق بأن ينسب اليه سبق الانتاج. ففي رأيي أن السنيما السعودية تأخرت مائة عام. وتابع بقوله: كنت اتمنى ان يكون مخرج «ظلال الصمت» سعوديا، لكني على يقين من ان المخرج الجزائري الذي شاهدنا اسمه على التتر كمستشار فني هو مخرج الفيلم، اما التفكير الحالي في انشاء دور عرض سعودية فهو الخطوة الايجابية الجيدة، واتمنى ان نرى افلاما اخرى سعودية 100 في المائة، بدلا من حالة التخبط التي لمسناها في الفيلمين.

وأضاف «على السنيما السعودية ان تعبر عن اهلها، لأن ما شاهدته حتى الآن، لا يعبر عن الواقع السعودي الا في حدود ضيقة». الناقدة المصرية ماجدة واصف رئيسة قسم السنيما في معهد العالم العربي بباريس، أكدت انه لم يكن هناك شيء اسمه السنيما السعودية في كلا الفيلمين، فمخرج فيلم «كيف الحال» فلسطيني الاصل وصور الفيلم خارج السعودية. وكذلك فيلم «ظلال الصمت» تم تصويرة في الخارج، وبذلك نأى الفيلمان عن الواقع السعودي. اما الناقدة خيرية البشلاوي، فأكدت ان جهة إنتاج الفيلم تحدد هويته ولأن الشركتين المنتجتين لفيلمي «ظلال الصمت» و«كيف الحال» سعوديتان كانت جنسيتهما سعودية، لكن اغلب العناصر فيهما لاعلاقة لها بالسعودية.

وطالبت البشلاوي بعدم التسرع في الحكم على التجربتين والتعامل معهما على انهما تجربتان، وان حاول منتجاهما مداعبة شبالك التذاكر من خلال طرح دراما تستقطب الشباب، وخاصة في فيلم كيف الحال. والذي يحكم على جماهيرية الفيلمين هو الجمهور السعودي نفسه، لأن ما يناسبه قد لا يناسب جمهورا آخر، هذا اذا ما اقتنعنا بمداعبة الفيلمين لشباك التذاكر لكننا حتى الآن لا نعرف رد فعل الجمهور على الفيلمين. وأخيرا فإن لا مجال للانكار بأن التجربتين قد لا تعبران عن المأمول السينمائي من فناني السعودية، الا انهما يمثلان بداية لا يمكننا سوى التوقف أمامها والدعاء لها بمواصلة المسيرة.