«ماسة الدم».. دراما سياسية نفذت بحرفية عالية

قصة تسلط الضوء على الاضطرابات الداخلية في القارة السوداء

TT

من النادر أن تجد أفلاماً تجمع بين المتعة الخالصة والرسالة التثقيفية في السينما الأميركية الآن، لكن المخرج إدوارد زويك صاحب ربما أفضل لمسات الميلودراما الهادفة المعاصرة بأفلام مثل (المجد) عن الحرب الأهلية الأميركية والعنصرية، وكذلك (أساطير الخريف) عن الحب والأخوة وتماسك العائلة، يملك الباع والعين والشغف ليوفر هذا التزاوج الهام والقليل من نوعه حالياً في فيلمه الجديد المثير (ماسة الدم). الفيلم الذي كتبه تشارلز ليفيت المقتبس عن قصة كتبها هو مع سي. غابي ميتشيل لديه الكثير من الأفكار التي تصل بسلاسة إلى الجمهور، وهي قصة خيالية طموحة كتبت لتسليط الضوء على الاضطرابات الداخلية الواقعية التي تحدث في القارة السوداء، وتجارة الماس القذرة التي تجري هناك.

من الواضح أن المخرج بذل جهداً جهيداً ليقدم هذه المادة الغنية بأسلوب مشوق مليء بالتشويق والمغامرة العنيفة، مع التركيز على العنصر الإنساني الذي لطالما كان شرطا أساسيا في كل أفلامه. ففي أعقاب الحرب الأهلية والفوضى العارمة مع نهاية التسعينات في السيراليون، ينضم كل من داني أرشر (ليوناردو دي كابريو) وهو أحد المرتزقة من جنوب أفريقيا، مع صياد سمك محلي يدعى سليمان فاندي (دجيمون هانسو) في مهمة مشتركة لاسترجاع ماسة زهرية نادرة بمقدورها أن تغير حياتهما. يعلم أرشر وهو في السجن بتهمة التهريب، أن سليمان الذي أُجبر على ترك عائلته للعمل في التنقيب عن الماس، قد وجد وخبأ هذا الحجر الفريد. وبمساعدة من مادي بوين (جينفير كونيلي) وهي صحافية أميركية تعتمد بتحركاتها على عمق علاقتها مع أرشر، يبدأ الرجلان رحلة مريبة في أراضي الثوار الهائجة والدموية، وهي رحلة قد تنقذ عائلة سليمان وتعطي أرشر فرصة تجارية ثانية والتي كان يعتقد انه لن يحصل عليها أبداً. الحكاية لا تحرك العواطف والمشاعر فحسب بل كذلك هي توتر المشاهد وتثيره لأبعد الحدود. هناك الكثير من الحركة خاصة في الغارة الختامية التي نفذت بحرفية عالية ومبهرة. الفيلم طويل في 135 دقيقة لكنه بعيد عن الوصول إلى حالة من الملل (قد تشعر في فترات قليلة بتكرار بسيط)، الطول هنا ضروري لأن المخرج يعمد إلى زرع وتأكيد بعض النقاط الهامة وأطراف المؤامرة وكل شخصية تظهر على الشاشة، كي لا يحدث معه كما يحصل في الكثير من الأفلام الموجودة من الصالات، حيث يخرج المشاهد من صالة العرض وهو لا يذكر سوى جمال قوام البطلة أو ذلك المشهد الغرامي الساخن. أما في (ماسة الدم) فإنك ستخرج وأنت لا تستطيع أن تحدد من كان أسوأ، الحكومة أم الثوار القتلة! الفيلم هو بالتأكيد من الأفلام القليلة التي تستحق وقت الجمهور هذا العام. مزيج من الدراما السياسية الهامة، حكاية عائلة تزلزل الأحاسيس، مشاهد حركية مثيرة صاخبة تدفع المشاهد للتساؤل عن كيفية تصويرها، بالإضافة إلى علاقة رومانسية شائكة وتمثيل رائع جداً. ليونادرو دي كابريو ينافس نفسه بدوره هنا مع دوره في فيلم مارتن سكورسيزي (الراحلون)، فقد أتقن هناك الجانب السوداوي التعس المضطرب، وهنا يقدم لكنة أفريقية ورجولة ممزوجة بحدة وعصبية مثيرة للإعجاب. أما دجيمون هانسو فهو مؤثر جداً بدور الأب الذي يبحث عن زوجته وأولاده، الممثل يكاد ينفجر مثل البركان في بعض المشاهد، وهو شعور صادق مرهف قلما نجده في التمثيل المعاصر والذي يطغى عليه البرود والكثير من البلادة. «قد تصلح من هذا المشهد دقيقة على الـCNN، في مكان ما بين الرياضة والنشرة الجوية. «جملة تصدر عن جينفير كونيلي الصحافية الأميركية وهي تنظر إلى مخيم اللاجئين الواسع، الجملة التي تلخص هدف المخرج إدوارد زويك من الفيلم ككل، أين العالم عن هذه البلاد؟ ما هو الحل؟