لم يكن احد من اولئك السينمائيين الشبان على يقين بأن ما بدأوه عام 1978 في ولاية يوتا الأميركية سيكون محط انظار صناع السينما داخل اميركا وخارجها واللبنة الأساسية لواحد من اهم مهرجانات العالم واكبرها فيما اصبح يعرف لاحقا وبعد عدة سنوات بمهرجان سندانس للأفلام المستقلة. ولم يكن مهرجان تورنتو الدولي عن ذلك ببعيد، فالمهرجان الاحدث من بين مهرجانات العالم الكبرى ابتدأ مشواره في الثمانينات بميزانية متواضعة وعدة عروض بسيطة لبعض الأفلام التي لفتت الانتباه في مهرجانات العالم العريقة، وليصبح اليوم اهم نقطة تنطلق منها افلام الشمال الأميركي المنتظرة ومعيار جودتها الابتدائي، كما ان مهرجان كان السينمائي الذي يعد الأكبر والأضخم والأهم على مستوى العالم واجه في بداياته ـ رغم الدعم الحكومي الذي يحظى به ـ العديد من العقبات والتي ابطأت من خطواته وعرقلته وأدت الى توقفه عدة سنوات بسبب غياب الدعم المادي. إن مثل هذه النماذج وغيرها تؤكد على حقيقة طبيعية لا بد لها ان تكون، فأي مشروع فتي لا بد له وان يتبع فطرة النشوء، والنمو الفطري الإيجابي والصحي يجب ان يبدأ منذ الصفر، ومشوار الألف ميل يبدأ بخطوة واحدة، ولا بد من عقبات في طريق النجاح إنما لتكن كبوة فارس و«غلطة شاطر» له استراتيجياته وخططه المستقبلية الواعدة حتى يصل الى مراده ويبلغ غاياته. إن المشاهد لما هي عليه بعض ادارات المهرجانات العربية السينمائية يجد انها لا يمكن أن تقبل بهذا المبدأ، وهي كما هو العقل العربي بأنفته يخجل من ان تكون بداياته بسيطة وعملية ومحسوبة، فهي تسعى لتحقيق الكمال في الوقت التي لا تزال فيه صناعتها السينمائية تعاني كثيرا من عيوب فاضحة والذي يجب ان تكون هي اللبنة الأولى لأي مهرجان ناجح، لأن الاكتفاء بصناعة ضجة اعلامية وتخصيص ميزانيات ضخمة للظهور بمظهر فاخر، واستئجار بعض النجوم التي لا تتعدى زيارتهم لذلك المهرجان كونها رحلة سياحية، هي بلا شك مجرد فقاعة اعلامية لا تلبث ان تزول. المهرجانات العربية لا تزال حديثة العمر، غضة العظم ولدعمها والمضى بها قدما يجب ان تتغير سياساتها التنظيمية ودعمها الجاد للسينما المحلية والإقليمية الجادة والبحث عن سينما الظل الحديثة التي لا تجد لها مكانا في مهرجانات العالم الكبرى، فهذا ما يجعل منها بمرور الوقت لافتة للأنظار وإضافة مهمة لمهرجانات العالم وهدفا يقصده كل مهتم للسينما حول العالم.