إبراهيم خان.. آخر ما تبقى من وحدة مصر والسودان

«أمير الشرق» الذي رحل في هدوء

TT

رفض أن تطول إقامته في المستشفى، فطلب من الأطباء السماح له بالمغادرة، متعهدا بتنفيذ التعليمات الطبية المقررة، وكأنه كان يشعر باقتراب ساعة الرحيل، فأبى إلاّ أن يموت في فراشه، لكن القدر أعاده إلى المستشفى ليلفظ فيه النفس الاخير بعد يومين فقط مساء الثلاثاء الماضي.

إنه الفنان ابراهيم خان، الذي لم يشعر برحيله أو جنازته احد ليرحل في هدوء وبلا أي ضجة، ويدفن في هدوء أيضا من دون أن يمهله القدر تسلم جائزة تكريمه التي كان مقررا له تسلمها في الثامن عشر من يناير (كانون الثاني) الجاري من خلال فعاليات مهرجان سودانيز ساوند، الذي يقام بالخرطوم، وهو المهرجان الذي تنظمة إحدى شركات الانتاج الفني، وقد اختارته هذا العام كضيف شرف المهرجان، ليتم تكريمه بما يليق وتاريخه الفني الطويل، وهو التكريم الذي قال عنه قبل وفاته: «سيكون هذا التكريم تتويجا لمشواري الفني الطويل». عاش ابراهيم خان محبا للجميع ومخلصا لوطنة وفنه، ومات رافضا إزعاج المحيطين به بحقيقة مرضه، وكان المحيطون به يطلقون عليه ألقابا عدة منها «آخر فرسان جيل الفن الجميل» و«آخر ما تبقى من الوحدة المصرية السودانية». الايام الاخيرة في حياة ابراهيم خان كانت شديدة الدراما، حيث كان مشغولا رغم مرضه بإنهاء مشاهده الاخيرة في مسلسل «أمير الشرق»، وهو انتاج مصري ـ سوداني مشترك، يرصد تاريخ المقاومة السودانية ويلقي الضوء على عثمان دقنة بطل الثورة المهدية، وقائد حركة تحرير السودان، التي بدأت عام 1840 واستمرت حتى 1915.

سقط ابراهيم خان على الارض اثناء تأديته لمشاهده في المسلسل لينقله زملاؤه إلى المستشفى، وكانت المفاجأة ان هذا الرجل المتماسك يكتم آلامه ومعاناته من تليف الكبد والرئة حتى لا يعكر صفو حياة زوجته سالي خان، التي تزوجها بعد قصة حب طويلة، وأنجب طفلته الوحيدة رحمة، التي لم يتعد عمرها اربع سنوات. أيام قليلة ومات ابراهيم خان قبل ان يحقق أهم أحلام حياته، بأن يرى طفلته الوحيدة عروسا يزفها إلى زوجها.

ما بين البداية والنهاية خمسة وسبعون عاما، ففي مدينة ودمدني السودانية ولد ابراهيم خان من اب سوداني وام مصرية، طفل مدلل يصطحبه والده إلى السينما في الخرطوم ليشاهد الافلام المصرية ليرسخ في وجدانه حب الفن ويداعب خياله التمثيل. فكان يتقمص الشخصيات المحيطه به. وبعد ان تخرج في جامعة كومبوني، انتقل إلى القاهرة ليعمل موظفا بإذاعة ركن السودان.

وفي مصر، تعرف على الفنان رشدي أباظة، الذي جمعته صداقة قوية به، ولعب دورا في اتجاه خان إلى التمثيل الذي قرر ان يمتهنه عن دراسة لا عن هواية فقط. فالتحق بمعهد الفنون المسرحية عام 1958، وبعد تخرجه في عام 1961، قدم مع رشدي اباظة وسعاد حسني وصلاح ذو الفقار اول أفلامه الذي حمل اسم «الشجعان الثلاثة»، ثم قدم فيلمه الشهير «شروق وغروب»، الذي وضعه في مصاف النجوم ليصبح بعد ذلك قاسما مشتركا في العديد من الأفلام المصرية، لتبدأ نجومية ابراهيم خان في السطوع ليس فقط بسبب براعته في التمثيل، لكن بسبب حب كل من تعامل معه، فلم يختلف اثنان على طيبة قلبه ونبل اخلاقه وحبه لوطنه. وقد قدم خان مجموعة من الافلام المتميزة تحدى في بعضها نفسه مثل فيلم «كرم الهوى» و«ابن الشيطان» و«نهاية الشياطين» و«الصعود إلى الهاوية» و«دائرة الانتقام» و«قطة على نار هادئة» و«البنت الحلوة الكدابة» و«دائرة الشك» و«شياطين المدينة». وفي التلفزيون، كانت له أيضا بصمات واضحة كما في مسلسلات «جاسوس على الطريق» و«رأفت الهجان» و«أحلام البنات» و«ابن ماجة» و«نور الصباح»، وكانت آخر الاعمال التلفزيونية التي شارك بها وعرض في رمضان الماضي مسلسل «حبيب الروح».

أما ابرز مسرحيات ابراهيم خان فهي «أجمل لقاء في العالم» و«بداية ونهاية» و«كناس في جاردن ستي».

حياة ابراهيم خان الخاصة كانت دائما بعيدة عن الاضواء، فقد اختار منذ بدايته أن يعيش في هدوء فاتخذ لنفسه ركنا بعيدا في الساحه الفنية فلم يسمح للاعلام باقتحام خصوصياته. لتقتصر حياته على زوجته سالي وأصدقائه المقربين منه، وعلى رأسهم الفنان عمر الحريري، الذي كان شديد التأثر في جنازة خان حتى انه بكاه قائلا: «كان يفضي لي بما يجوب في صدره وهو يعلم تماما انه يلقي بأسراره في بحر عميق، وقد كان نِعم الاخ والصديق ولا أملك سوى الدعاء له بالرحمة». أما زوجته سالي فقالت عنه: «كان إبراهيم محبا للحياة وللناس وكان بالنسبه لي الاب والاخ والزوج، ولا اعرف ماذا أقول لابنتنا رحمة التي لا تعرف حتى الآن بوفاة والدها، لكنني موقنة من انه برحيله فقدت كل شيء. لكنني أحمد الله انه انعم علينا بابنتنا رحمة التي كانت كل حياة ابيها، وما يشعرني بالحسرة ان ابراهيم كان يتمنى ان يراها عروسا يزفها إلى زوجها، لكنه القدر الذي عجل برحيله، ولن انسى لزوجي انه لم يشعرني مرة واحدة بأنه مريض، فقد لازمته الابتسامة حتى لفظ انفاسه الاخيرة».