«في شقة مصر الجديدة» .. ذكريات وحب وانتظار

محمد خان يعود بفيلم جديد يهديه إلى ليلى مراد

TT

ينتقل بنا محمد خان في فيلمه الجديد من وسط العاصمة الصاخب، الذي يمر عليه هنا سريعاً مع بطلته الجديدة نجوى (غادة عادل)، إلى مكان أكثر هدوءاً هو مصر الجديدة. و«في شقة مصر الجديدة» التي تمثل مركز الأحداث، نتابع ساكنها الجديد يحيى (خالد أبو النجا)، الذي يعمل في سوق المال المصرية ويعيش حياة هادئة مع صديقته داليا (مروة حسين)، بالرغم من أن الشقة لا تزال تحوي حاجيات الساكنة القديمة تهاني، بالإضافة إلى وصول خطابات لها بانتظام، في حين أن نجوى فتاة ريفية بسيطة لم تسافر مسبقاً خارج «المنيا»، وهي على علاقة صداقة وثيقة مع مدرسة الموسيقى تهاني، وتشعر ناحيتها بالذنب بعدما تسببت في طردها من المدرسة ومن المنيا كلها، الأثر الذي تركته حكاية تهاني عن الحب وعن التقاء كل شخص بنصفه الآخر، جعلها ترفض أي عريس يتقدم لخطبتها باحثة عن نصفها الآخر، وأثناء رحلة تنظمها المدرسة التي تعمل بها للقاهرة، تذهب لمصر الجديدة للاطمئنان على صديقتها وأستاذتها، خاصة أنها لم تتلق أية ردود على خطاباتها الأخيرة.

مرة أخرى تدفع السيناريست وسام سليمان بطلتها للسفر في رحلة بحث عن الحب، كما فعلت في أول أفلامها «أحلى الأوقات». لكن هذه المرة فالأمر ليس مجرد قصة حب عادية تسير خطوطها بشكل تقليدي، فالسيناريو لا يبحث عن هذا الشكل المعتاد من الأحداث، و إلا لما ذهبت وسام ببطلتها إلى سكن المغتربات، حيث تقابل هناك مديرة السكن (عايدة رياض)، التي تجدها وحيدة مثلها وتبحث عن حبها الضائع. قوة السيناريو هنا تأتي من الكمّ الهائل للتفاصيل الصغيرة التي تمثل منهج خان أيضاً في أفلامه، الكثير من التفاصيل التي قد لا تضيف أثراً واضحاً في الدراما، لكن من دونها تشعر أنك تشاهد فيلماً سينمائياً لا تستطيع التوحد معه.

فمثلاً نجوى ليست نموذج مكرر للفتاة الريفية التي لا تعلم شيئاً عن العالم، فهي تقول لصديقتها لدى وصولهما محطة مصر بعد سؤال صديقتها عن المكان «إن المكان اسمه ميدان رمسيس، لكن رمسيس نفسه تم نقله». كذلك طريقة صعودها للمرة الأولى إلى الشقة. الأمر لا يتوقف عند التفاصيل، فالبناء العميق للشخصيات هي ميزة وسام/ خان المشتركة. خلفية يحيى وطبيعة عمله مع أسهم البورصة التي لا تثبت أبداً، قد أثرت في طبيعته وحالته النفسية، فقد نجد حالته المزاجية في المشهد الواحد بين الغضب الشديد ثم السعادة المطلقة. لاحظ حالته عندما يسمع أخباراً جيدة من العمل أو في مشهد محادثة الهاتف مع المذيعة، كذلك بناء شخصية نجوى، التي بالرغم من بحثها الدائم عن الحب، وكيف كان تصرفها عندما سمعت أول مغازلة في حياتها، أيضاً تصميمها على شراء القطع الأصلية عند تصليح الموبايل. ميزة السيناريو الأخرى تظهر في الحوار، مثلاً حوار نجوى عندما تستمع إلى صدمة أو خبر مزعج فتعبر عن انزعاجها بلهجتها الريفية بتلقائية تامة.

كما فعل مسبقاً في «خرج ولم يعد»، باختيار يحيى الفخراني، يختار خان الممثلة الأنسب للدور، بالرغم من تعجب الكثير. شخصياً كنت أشك في قدرات غادة عادل كممثلة، وكان اختيارها أحد أسباب تخوفي من مشاهدة الفيلم، لكن مجرد دقائق من بدء الفيلم، ستتأكد أنه قد تمت إعادة اكتشافها من جديد، فلأول مرة نشاهد غادة ممثلة، فهي لا تكتفي بإقناعك بالأداء وتتوحد تماماً مع الشخصية، لكن مع مرور الوقت ستنسى بالفعل أنها الممثلة غادة عادل. أداؤها في مشهد المطاردة الأخير بين الدراجة النارية والتاكسي وحده يقول الكثير.

خالد أبو النجا لم يقدم جديداً هنا، خاصة أن الكثير من خطوط دوره تتقاطع مع الدور الذي لعبه في فيلم «لعبة الحب»، مع ذلك فهو يترك شيئاً للذكرى في مشهد المحادثة مع المذيعة. ومن كان يمكن أن يقوم بدور مديرة السكن سوى عايدة رياض، التي تثبت أنها ممثلة قديرة بالفعل لم تستغل جيداً حتى الآن. أحمد راتب في دوره الذي لا يتجاوز الخمسة مشاهد رائع للغاية. حتى يوسف داود في دور العاشق النادم، مقنع جداً.

لا يمكن الكتابة عن الفيلم من دون الإشارة إلى التصوير. مديرة التصوير نانسي عبد الفتاح، لا تثبت فقط جدارتها في هذه المهنة الشاقة التي أعتقد أنه لم تطرق بابها امرأة من قبل في مصر، لكنها تقدم صورة بصرية شديدة العذوبة أعطت الفيلم إحساساً مختلفاً. يكفي المشهد الافتتاحي لتلحظ ذلك. كذلك مونتاج دينا فاروق في أفضل حالاته، فطبيعة الفيلم لم يكن ليناسبها سوى هذا الإيقاع الهادئ، فحتى تصاعد الإيقاع في المشهد الأخير كان يتطلب حساسية فائقة لكي لا يبدو دخيلاً على إيقاع الفيلم. لكن الشيء الوحيد الذي عكر صفو الفيلم هو الموسيقى. والمشكلة لا تعود إلى الموسيقى ذاتها بقدر ما تعود إلى أن العديد من المشاهد كانت ستبدو أفضل من دونها، أما المشكلة الحقيقية فهي توقيت دخولها في المشهد، فمثلاً في مشهد الرقصة كانت تحتاج انسيابية أكثر مع خروج الأغنية من شريط الصوت، ولا أدري إن كانت المشكلة تقع على المكساج وحده.

أمر مبهج أن يحمل 2007 فيلماً من توقيع محمد خان، الذي يعود هنا ليقدم فيلماً عذباً عن الحب ويهديه إلى ليلى مراد، التي لا يخفى على أحد مدى عشق خان لها، كما قال عنها في فيلمه السابق «بنات وسط البلد»، على لسان عزت أبو عوف «صوت ليلى مراد عمره ما يبقى أنتيكة». «في شقة مصر الجديدة» هدية العام الأولى بعد ثلاثة أشهر من الصمت وخمسة أفلام غير مشبعة مطلقاً.