هي امرأة جمعت بين العديد من السمات التي أحاطتها بهالة من الغموض والانتقادات في آن واحد، لتبدو أمام من يراها امرأة صلبة وقوية لا يهزمها أي شيء. حواراتها جريئة لا تفتقر إلى الحدة في بعض الاحيان والاستفزاز للضيف أو المشاهد في أحيان أخرى. وعلى مدار تاريخها الاعلامي رأست العديد من القنوات الفضائية، وتحرير عدد من المطبوعات الصحافية الا أن النهاية كانت دائما واحدة خروجها من المكان الذي تعمل به لخلافات مع مالكه، إما بسبب اسلوب الادارة أو لوجود خلاف في وجهات النظر. انها الدكتورة هالة سرحان التي وصل الأمر عند خصومها إلى التشكيك في حصولها على درجة الدكتوراه، الا أن الواقع يؤكد حصولها عليها في الدراما من جامعة جورج واشنطن، وشهادة الماجستير في الدراما أيضا من جامعة لويزيانا بالولايات المتحدة الاميركية إلى جانب بكالوريوس إدارة أعمال لغة إنجليزية من جامعة القاهرة.
لا أحد يعلم الكثير عن حياة هالة سرحان التي شغلت الرأي العام العربي مؤخرا بقضية البنات الثلاث اللاتي ظهرن معها في احدى حلقات برنامج هالة شو على قناة روتانا، وادعين من خلال الحديث معها بعد إخفاء صورة وجوههن، أنهن فتيات ليل، وليعترفن بعد ذلك في برنامج آخر بأنهن مجرد كومبارس أرغمتهن الحاجة على تلبية رغبة هالة في تمثيل دور فتيات الليل مقابل 400 جنيه لكل واحدة منهن. هالة التي ظهرت باكية بلا مساحيق للتجميل على قناة الأوربت من خلال برنامج القاهرة اليوم الذي يقدمه عمرو أديب شقيق زوجها السابق الاعلامي عماد الدين أديب، نفت تلك الاقاويل بصوت مرتعش، مشيرة إلى تاريخها الإعلامي الذي بنته على مدار نحو ربع قرن من الزمان، مؤكدة أنها ليست بحاجة إلى فبركة حلقة بنات الليل. الا أن الضربة القاصمة جاءت عقب اعلان المسؤولين في مصر تقرير الطب الشرعي الخاص بالفتيات الثلاث، حيث أكد عذرية اثنتين منهن بينما الثالثة متزوجة، ليستمر غياب هالة سرحان عن مصر بعد أن أعلنت عن وجودها في العاصمة البريطانية لندن.
وكانت قد ذكرت صحيفة «الأوبزرفر» البريطانية في عددها الصادر في 4 مارس (آذار) الحالي، أن هالة سرحان، التي وصفتها «بأوبرا وينفري الشرق الأوسط»، صرحت لها من لندن أن الفتيات اللواتي ظهرن في برنامجها هن شخصيات حقيقية وليست متخيلة، وأنها تحتفظ بتسجيلات تثبت ذلك، وأنها ستتخذ إجراءات قانونية ضد من اتهمومها بالفبركة.
قصة صعود هالة سرحان بدأت بعد زواجها من الاعلامي عماد الدين أديب الذي عينها في منصب نائب رئيس تحرير مجلة كل الناس المصرية، كما منحها صفحة في المجلة الاسبوعية كانت تكتب من خلالها خواطرها الخاصة كامرأة ترفض سياسة الخنوع لسطوة الرجل. ونجحت هالة سرحان في أن تلفت اليها الانظار من خلال ما كانت تكتبه في تلك الصفحات كرأي نسائي يمتلك قدرا من خفة الظل في مناقشة علاقة المرأة بالرجل. تصعيد هالة سرحان إلى القدر الذي بلغته لم يكن النتيجة الوحيدة لزواجها بعماد الدين أديب، حيث أثمر زواجها منه إنجاب ابنها الوحيد محمد، ولكن سرعان ما دبت الخلافات بين الزوجين لتنهي علاقتهما. ولم يكن من السهل على هالة التي تعشق القيادة أن تتخلى عن مكانتها التي حققتها في مجلة «كل الناس» التي تركتها عقب انفصالها عن زوجها عماد الدين اديب، حيث فوجئ الوسط الصحافي بصدور مجلة جديدة يتشابه اسمها مع المجلة الاولى التي شهدت بداية هالة سرحان، وهي مجلة »كلام الناس« التي كان يمتلكها رجل الأعمال اللبناني وليد أبو ظهر، وشغلت هالة سرحان منصب رئيس تحريرها.
إلا أن هالة التي نجحت خلال تلك السنوات في توثيق علاقتها بالكثير من الفنانين المصريين لم تستمر كثيرا في شغل منصب رئيس تحرير مجلة «كلام الناس» بعد أن حلت مكانها غادة وليد أبو ظهر. بعدها أسست مجلتها الخاصة «سيداتي سادتي» على نفس خطى مجلة «كلام الناس»، وكانت تلك خطوة ناجحة على الطريق الصحيح لمواصلة المشوار الإعلامي واستثمار علاقاتها الاجتماعية التي كونتها في المجتمع المصري.
كانت صورة جديدة للنساء في عالم الصحافة إلى الحد الذي منحت فيه مساحة اسبوعية في جريدة أخبار اليوم المصرية الصادرة صباح كل سبت، حيث كانت تتناول في مقالها العديد من الأمور والقضايا التي تنوعت ما بين السياسة والغناء والتمثيل والمجتمع في أسلوب لم يخل من الطرافة الممزوجة بالسخرية في كثير من الاحيان. كما ألفت عدة كتب من بينها «أكتب لكم من الحرملك» و«المدام مرفوعة مؤقتا من الخدمة» و«أحبك في المشمش» و«أمريكا خبط لزق».
وفي النصف الثاني من التسعينات بدأت هالة سرحان في العمل في مجموعة قنوات راديو وتلفزيون العرب (أي ار تي)، لتقدم برنامجين من أشهر برامج تلك القنوات التي حققت نجاحا، لثبت أنها ليست صحافية فقط ولكنها وجه تلفزيوني يملك القدرة على الاستحواذ على المشاهدين. هذان البرنامجان كانا «ياهلا» و«الليلة» واستمر عرضهما طويلا على شاشة المحطة. ومع مطلع الالفية الثالثة قررت هالة سرحان تقديم استقالتها من القناة بعد أن أحالتها صفاء ابو السعود المسؤولة عن قنوات الافلام بالشبكة للتحقيق، والسبب كما أعلن وقتها هو قيام هالة سرحان بالرقص في أحد ليالي الخيمة الرمضانية التي كانت تقيمها الشبكة في رمضان من كل عام وتبثها مباشرة للمشاهدين عقب الإفطار، وهو ما عده الكثيرون خروجا على قواعد العمل الاعلامي، خاصة فيما يتعلق بشهر رمضان.
هالة سرحان شخصية لا تعرف اليأس، تقع لتقف مرة أخرى بشكل أكثر صلابة، حيث كان الظهور هذه المرة من خلال قناة دريم الفضائية الخاصة، المملوكة لرجل الأعمال المصري أحمد بهجت، والذي لم تكتف هالة بتقديم البرامج فيها بل شغلت منصب مدير القناة، وأطلقت على شاشتها شعارها الشهير «اوعى إيدك والريموت كنترول» وهو الشعار الذي بات علامة مميزة للقناة من خلال مجموعة البرامج المختلفة، التي قدمتها في كافة المجالات. وقد قدمت هالة برنامجا حمل اسم «على الهوا» مارست فيه هوايتها الاعلامية في النقاش والجدل والفرقعة أيضا. ولعل من أبرز حلقات ذلك البرنامج كانت الحلقة التي لا تقل سخونة عن حلقة «فتيات الليل» وناقشت فيها العادة السرية، والتي أثارت وقتها العديد من الانتقادات. وعلى الرغم من ذلك الا ان احدا من المنصفين لا ينسى أن تجربة هالة في قناة دريم أنتجت العديد من الظواهر الايجابية من بينها تقديم عدد من البرامج الجديدة في أفكارها ومقدميها والموضوعات التي تناقشها. فهالة كانت أول من قدم عمرو خالد كوجه جديد للدعاة في مصر، كما قدمت العديد من البرامج السياسية في عهد رئاستها للقناة، والتي تميزت بالجرأة والخروج عن النمط المألوف، حتى البرامج الترفيهية جاءت مختلفة، ومن أشهرها برنامج «على ورق» الذي شهد الميلاد التلفزيوني للاعلامي محمود سعد.
وعلى الرغم من هذا النجاح الا أن رحيل هالة جاء سريعا أيضا عن قناة دريم، وحمل الخروج أيضا ضجة إعلامية.
الشعار الجديد الذي روجت له هالة عقب انتقالها إلى روتانا التي تقلدت فيها منصب مدير البرامج والمدير الاقليمي لها بعد خروجها من قناة دريم كان «روتانا سينما مش حتقدر تغمض عينيك» والتي رددها معظم نجوم مصر والعالم العربي الذين استضافتهم هالة في برنامجها على شاشة القناة. الا أن الامر لم يسلم أيضا من بعض الانتقادات، حتي كانت حلقة «بنات الليل» التي كانت بمثابة الضربة القاصمة لمسيرة هالة سرحان، والتي لا يعرف أحد حتى الآن كيف ومتى ستنتهي، على الرغم من تأكيد العاملين في قنوات «روتانا» عن عودتها القريبة. الاعلامي عماد الدين أديب رفض منذ تفجر الازمة وحتى الآن الحديث في هذا الأمر، مؤكدا انها في البداية والنهاية والدة ابنه محمد، وأن الموضوع أخذ أكبر من حجمه. أما «روتانا» فأكدت على لسان أحد مسؤولي الشركة لشؤون الانتاج السينمائي، أن هالة سرحان ستعود قريبا إلى القاهرة بعد قرابة شهر على مغادرتها للبلاد بعد أن تنهي فحوصا طبية، حيث إنها «تخضع حاليا للرعاية الطبية وستعود للقاهرة قريبا لمباشرة عملها».
وحسم موقف «روتانا» المعلن والمساند لهالة سرحان شائعات انتشرت خلال الفترة الماضية حول تخلي الشركة عنها بسبب الازمة التي أدت إليها حلقاتها التلفزيونية وإمكانية انتقالها من العمل بروتانا إلى قنوات أخرى بينها «أو تي في» التي يملكها رجل الاعمال المصري نجيب ساويرس، حيث تردد وجود مفاوضات في ما بينهما.
ويبقى السؤال هل تعود هالة سرحان إلى الوقوف مرة أخرى أم أن هذه هي المرة الأخيرة؟.. الايام وحدها قادرة على الاجابة عن هذا السؤال.