«45 يوم».. عبثية صناعته تغلبت على عبثية أحداثه

رهان صناع الفيلم على النهاية.. جعلهم يهملون التفاصيل

TT

أصبح اسم السيناريست محمد حفظي مقترناً ببعض الأفلام مثل «التوربيني» «فتح عينيك» «تيتو»، التي بالرغم من إخلاصها لسمات الفيلم الهوليودي، إلا أنها تحاول أن تجد خلفية تناسب أجواء السينما المصرية، فتقوم بالتركيز على الأماكن والأسماء المصرية أكثر مما تعتمد على شخصيات وأحداث يمكن أن تصدقها العين المصرية، ولذلك، ونتيجة لذلك التناقض، يصبح الفيلم مشوه الملامح. «45 يوم» لا يختلف كثيراً عن هذه الأفلام، فتعامل السيناريست هذه المرة مع المخرج أحمد يسري في أولى تجاربه التي امتدت إلى فترة طويلة، جعلت الرهان على أن يكون الفيلم بجودة «ملاكي إسكندرية» الذي تعاون فيه مع المخرجة ساندرا نشأت لأول وآخر مرة حتى الآن، ولكن النتيجة لم تتخط حدود العادي والمألوف في سينما محمد حفظي.

الفيلم يتناول قضية الشاب أحمد عز الدين (أحمد الفيشاوي)، الذي قام بقتل والديه، ما دفع المحكمة بعرضه على الطب النفسي لمدة 45 يوما لتتأكد من صحة عقله أو جنونه، وفي المصحة النفسية يقابل الطبيب (هشام سليم) الذي كان على وشك حصوله أخيراً على إجازة، وبدون سبب محدد يختار رئيس القسم هذا الطبيب بالذات ليتولى الإشراف على حالة «أحمد» الذهنية. المشكلة أن ذلك الطبيب الذي لم يستطع الحصول على إجازة واحدة منذ خمس سنوات، لا نجد لديه أي قدرات تدفع الحالة للحديث أو تستطيع أن تفهم ما يدور بداخله. على العكس نشاهده طوال الفيلم في مشاجرات مع زوجته الباردة في تعاملها معه بدون سبب، أو أن يقضي بقية وقته في دور السينما والملاهي الليلية. ومع الدقائق الأولى من «الفلاش باك» الذي يسرد «أحمد» من خلاله تفاصيل مشكلته، تتكسر سريعاً حالة الحيرة التي فرضها الفيلم طوال الربع ساعة الأول، إلى الدرجة التي تفقد معها الحماس لتكمل الفيلم.

يتخلل الفيلم عدد كبير من العلاقات الإنسانية الشاذة والمتشابكة بدون سبب واضح، فعلاقة الأبوين ببعضهما تشمل عدداً من الأفعال المبنية على دوافع غير مبررة من كلا الطرفين، وظيفة الزوج «عزت أبو عوف» كطيار تفرض عليه الغياب الطويل عن المنزل، ما يدفعه للشك في زوجته (غادة عبد الرازق) لكن من دون أن ترتكب غلطة واحدة، كما أن العلاقة تهتز بلا أدنى سبب. ولا نجد نقطة تحول واحدة تدفعه لذلك، فحتى عند تنصته على مكالماتها لا يجد على الخط الآخر سوى صديقاتها، كذلك الحال مع ابنته التي يعاملها على النقيض من ابنه الذي يصل به الأمر إلى الشك في نسبه، بدون إبداء سبب في تأكده من نسب ابنته بالذات دون ابنه، وحتى عندما يحاول الأب شرح الأمر لابنه في النهاية يكون المبرر غير مقنع لعقل طفل صغير. علاقة الطبيب النفسي مع زوجته جاءت كذلك غير مفهومة من كلا الطرفين، فتارة تجد أن المخطئ هو الطبيب الذي يفضل عمله على زوجته، وتارة تجد أن الزوج يجهز عشاء على ضوء الشموع فتقابله الزوجة بكل برود، وهو أساساً خط هامشي لا قيمة أو تأثير له في الأحداث، وهو خطأ واضح في أفلام الكاتب لم يستطع معالجته في الكثير من أفلامه، تذكر مثلاً مشاكل «أحمد حلمي» الهامشية في فيلم «السلم والثعبان» التي مثلت عبئاً على الأحداث والتي لا تختلف كثيراً هنا.

«أحمد يسري» كمخرج في أول أفلامه الروائية الطويلة، يثبت أن لديه تفهماً واضحاً للتكنيك السينمائي بشكل عام. فقد قام بتوظيف التكوين وإضاءة المشهد بشكل جمالي يظهر تفاصيل مهمة حتى وإن بدت متكلفة أحياناً. بالرغم من ذلك لديه مشكلتان أساسيتان في إخراجه للفيلم. الأولى هي مشاهد الفلاش باك والفوتومونتاج التي اعتمد فيها على القطع المعقد جداً بلا ضرورة كمشهد احتساء الأب وابنه للخمر، فهو استخدام سيئ للمونتاج الذي لم يخدم تطور حالة السكر لديهما بقدر ما تسبب في أذى لعين المشاهد بدون داع، المشكلة الثانية هي توجيه الممثلين، إذ نلاحظ أن جميع الممثلين يؤدون بعض المشاهد بناء على توجيهات محددة بدون ترك مساحة لهم لممارسة إبداعهم الشخصي، فمثلاُ ستجد في أي مشهد خوف أو غضب حركة الذقن والشفاه السفلية المترددة لدى الجميع، كما أن الوجوه الجديدة لم تترك أي علامة تذكر بعد انتهاء الفيلم.

«أحمد الفيشاوي» يقدم أداءً متذبذباً في البداية عند دخوله المصحة بدون سبب يستدعي ذلك، كأن يحني رقبته عند الحديث أو ضم كتفيه للأمام، «عزت أبو عوف» في دور الأب المتسلط يفقد مصداقيته مع الوقت والسيناريو يتحمل مسؤولية ذلك، «غادة عبد الرازق» تتقدم خطوة في طريقها السينمائي بمساحة الدور بدون أن تقدم جديداً يذكر، بينما تصيب أداء «هشام سليم» لامبالاة غريبة وكأنه افتقد الحماس للدور بعد بداية التصوير.

النهاية العبثية التي راهن عليها صناع الفيلم كمصدر لقوة الفيلم، دفعتهم لإهمال العديد من التفاصيل، كأن تنادي الأم قرب نهاية الأحداث على الخادم «عم إبراهيم»، الذي لم يظهر في الأحداث من قبل، أو أن تظهر الجدة وتختفي عن المنزل بدون سبب، أو عندما نكتشف هواية «أحمد» في الرسم، وهي تفصيلة زائدة عن الحاجة لم تخدم الأحداث خاصة عندما تلاحظ الرسم الذي تركه «أحمد» في الزنزانة كان بلا معنى، وغيرها الكثير من التفاصيل التي أهملها صناع الفيلم معتمدين على نهاية قد تفاجئ بعض المشاهدين.