ميرفت أمين.. «حالمة» السينما المصرية

اقتحمت الفن من باب الشائعات.. وارتباطها بأمها الانجليزية أكسبها التعايش مع الآخر

TT

تتسلل اليك بأدائها الهادئ فتجبرك على استمرار النظر اليها ومتابعتها على الشاشة. تترك في نفسك أثراً بطلتها الناعمة الممزوجة بموهبة ولدت قوية منذ اللحظة الاولى، حتى مع مرور السنوات تظل وجها نجح في الحفاظ على مكانته بين نجمات الفن السابع الذي أدار ظهره للبعض منهن. ومهما تواترت السنون تبقى أفلامها وأدوارها جزءاً من مسيرة السينما منذ نهاية حقبة الستينات، هي ميرفت مصطفى أمين، التي اقتحمت الفن من باب الشائعات، الا أنها أثبتت أحقيتها بلقب نجمة.

في مدينة المنيا الصعيدية بجنوب مصر كان مولدها، في الرابع والعشرين من نوفمبر (تشرين الثاني) 1946، فنشأت في ظل والدها المصري الجنسية ووالدتها الانجليزية، والتي ورثت عنها جمالها الغربي الممزوج بالروح المصرية. في ظلهما عرفت معنى تعايش الحضارات وتقبل الآخر أيا كان جنسه أو هويته، وهو ما أثر على نظرتها للأمور في ما بعد. ومع تنقل الوالد في عمله كان الانتقال إلى القاهرة التي عاشت بها حتى كان التحاقها بكلية الآداب لدراسة اللغة الانجليزية التي كانت تتحدثها بطلاقة. وفي الجامعة انطلقت موهبتها الفنية حين اشتركت في فريق التمثيل بالجامعة وقدمت على مسرحها عدداً من المسرحيات كان أشهرها «يا طالع الشجرة» للأديب توفيق الحكيم. وليشاهدها فارس السينما المصرية أحمد مظهر الذي أعجب بتلقائية أدائها، فقرر تقديمها إلى السينما التي كانت في ذلك الوقت تبحث عن دماء جديدة تجري في عروقها. وعلى الرغم من علاقتها به والتي لم تتعد علاقة التلميذ بأستاذه، الا أن الشائعات طالت الفنان أحمد مظهر وميرفت أمين لتربط بينهما بعلاقة حب مختلقة على حد قولها. وبخاصة بعد أن قدمها في فيلم «نفوس حائرة» عام 1968، وهو الفيلم الذي أهلها لبطولة الفيلم السياسي «القضية 68» للمخرج صلاح أبو سيف في ذات العام، وقدمت من خلاله شخصية نبيلة الثائرة صاحبة المواقف الإيجابية. وتحكي ميرفت أمين قصة علاقتها بالاستاذ أحمد مظهر قائلة: «كنت أعتبره قدوتي في الفن والتمثيل ولا شك أنني ظللت حافظة لفضله بعد أن اكتشفني وقدمني إلى عالم الفن. ولا أعرف لماذا وكيف انتشرت شائعات تؤكد ارتباطه بي وهو ما لم يحدث على الاطلاق».

وتأتي انطلاقة ميرفت الثالثة التي جعلتها واحدة من فتيات أحلام الشباب على شاشة السينما. كان ذلك عندما قدمت مع عندليب الشاشة الاسمر عبد الحليم حافظ فيلم «أبي فوق الشجرة» عام 1969 وقدمت فيه شخصية الفتاة الرقيقة التي تقع في الحب وترفض الاغراءات ليظل حبها بريئاً. كانت الانطلاقة بمثابة قفزة إلى اعلى ولكنها حصرت ميرفت أمين في دور الفتاة الرومانسية لفترة طويلة امتدت حتى نهاية السبعينات، وذلك باستثناء دورها في فيلم «ثرثرة فوق النيل» عام 1971، مع المخرج حسين كمال، الذي جسدت فيه دور إحدى عضوات شلة المزاج التي يلتقي أعضاؤها كل ليلة في إحدى عوامات نيل القاهرة كوسيلة للخروج من حالة الاحباط التي يعيشون فيها. وفيما عدا ذلك حصرت ميرفت أمين في شخصية الفتاة الحالمة الرومانسية وهو ما ظهر جلياً في فيلميها «الحفيد» مع المخرج عاطف سالم عام 1974 و«الدموع الساخنة» مع المخرج يحيى العلمي عام 1975. وتشهد بداية الثمانينات مرحلة جديدة في مسيرة ميرفت امين بكل ما تعنيه الكلمة من معان، لتقدم نفسها للجمهور بشكل جديد كالفراشة التي خرجت من يرقتها. كانت البداية مع المخرج علي عبد الخالق في فيلم «الحب وحده لا يكفي» في عام 1981، حيث قدمت صورة فتاة من الطبقة الكادحة تتخرج في الجامعة وتفشل في الحصول على وظيفة وهو نفس الامر الذي يحدث مع من تحب فيقرران خوض العمل الحرفي ليبدأ الصراع بين حبها وضغوط اسرتها في تزويجها بمن يمنحها الامان المادي. وتواصل ميرفت امين خطواتها فتقدم في عام 1983 رائعة المخرج الراحل عاطف الطيب «سواق الاتوبيس» الذي حصد وقتها الكثير من الاعجاب والجوائز أيضاً في ظل جو سينمائي سيطرت عليه سينما المقاولات. تلى ذلك الفيلم دورها في «البنديرة» مع الفنان عزت العلايلي والمخرج عمر عبد العزيز، وقدمت فيه شخصية زوجة بسيطة لسائق تاكسي وأم لأربعة أبناء. الا أن الخطوة التي توقف عندها النقاد في مسيرة ميرفت أمين في تلك المرحلة كان دورها في فيلم «زوجة رجل مهم» عام 1988 مع الراحل أحمد زكي. وهو الدور الذي قال عنه النقاد إن أداء ميرفت أمين فيه كان قمة في الاتقان، حيث إنها لم تنجح فقط في تجسيد شخصية الفتاة الحالمة التي ترتبط بضابط شرطة متسلق ومتعجرف لا يعرف سوى لغة القوة، ولكنها وكما يقول النقاد جسدت ملامح فترة بأكملها بدءاً من فترة الاحلام الكبيرة في عهد عبد الناصر وعبد الحليم حافظ، وانتهاء بارتطامها بأرض الواقع فيما تلاها من سنوات. الا أن ميرفت التي حصدت إعجاب النقاد في «زوجة رجل مهم» فاجأت الجميع مرة أخرى في فيلم «الاراجوز» عام 1989 مع الفنان عمر الشريف والمخرج هاني لاشين، حيث كانت المرة الاولى لها التي تجسد فيها دور فلاحة مصرية وزوجة لعمر الشريف لاعب الاراجوز الذي تتزوجه رغم فارق السن بينهما بعد أن تقع في حبه. ومع نهاية الثمانينات تتراجع مشاركات تلك النجمة الا من عدد من الادوار كان أبرزها دورها في فيلم «القتل اللذيذ»، و«أحلام صغيرة». وفي عام 2001 تأتي طلتها مرة أخرى لتؤكد قدرتها على الاستمرار بتوقد من خلال شخصية زوجة الرئيس في فيلم «أيام السادات» مع الفنان أحمد زكي.

بعدها كان الغياب عن السينما حتى غلبها الشوق فعادت مع الفنان عادل إمام منذ أيام في فيلم «مرجان أحمد مرجان» في دور الدكتورة جيهان أستاذة الجامعة التي ترفض إغراءات الرشوة والفساد التي يحاول احد رجال الاعمال فرضها عليها فتجبره على التغير بعد أن يقع في حبها. وقد كاد تصوير الفيلم يتوقف بسبب أحد المشاهد التي لم تقتنع ميرفت بأدائه، حيث كان المشهد عبارة عن تخيل البطل الذي يجسد دوره عادل امام لميرفت أمين وهي تغني أغنية «بوس الواوا» لهيفاء وهبي بنفس الملابس التي ارتدتها هيفاء في تصوير الكليب. تفسير المؤلف للمشهد أنه يأتي ليعبر عن فشل البطل في السيطرة على الدكتورة جيهان في الواقع، فيتخيلها على هذا الحال. في البداية طالبت ميرفت بحذف المشهد لولا إصرار المؤلف والمخرج عليه لتماشيه مع السياق الدرامي للاحداث وهو ما رضخت له ميرفت امين بعد إقناع عادل امام لها.

السعيد في العمل ليس دائماً سعيداً في الحب، مقولة قد تنطبق إلى حد كبير على الفنانة ميرفت أمين، التي ارتبطت بزيجات عديدة انتهت جميعها بالانفصال بدءاً بالمطرب السوري موفق بهجت في مطلع السبعينات، ثم عازف الجيتار عمر خورشيد، ثم الفنان حسين فهمي والد ابنتها منة الله، والمنتج حسين القلا وأخيراً برجل الاعمال المصري مصطفى البليدي. وتجيب ميرفت عند سؤالها في احد الحوارات معها عما إذا كانت قد وجدت الحب في حياتها قائلة: «لا أستطيع ان أقول إنني لم أجده حتى لا أكون كاذبة، لكني أعترف أنني تسرعت كثيراً وأوهمت نفسي أحياناً بأنني عثرت على الحب ورحت أتخيل أن الحب سعادة دائمة وهناء مستمر ثم أكتشف أنني حالمة بعيدة عن الواقع الاليم».

في عالم التلفزيون تمتلك ميرفت أمين رصيدا كبيرا لا بأس به، بدأته بمسلسل «الزوجة آخر من يعلم» الذي قدمته مع زوجها الفنان حسين فهمي قبل الانفصال في منتصف الثمانينات، ونال شهرة كبيرة بعد نجاحه جماهيريا، وهو ما شجعها على خوض التجربة التلفزيونية في اكثر من عمل، حتى بلغ مجموع ما قدمته 25 مسلسلا كان أبرزها «الرجل الآخر» مع الفنان نور الشريف منذ عدة اعوام.

يذكر أن رحلة الفنانة ميرفت أمين مع الفن استمرت طوال 37 عاماً تصفها بقولها: «أخذت من الفن الكثير، كالشهرة وحب الناس، وهو أيضاً أخذ مني الكثير كراحة البال والهدوء والاستقرار. ولكنني بأية حال سعيدة بنصيبي منه».