الحنين لصورة الزعيم القديمة.. حولت «مرجان» إلى قصاصات من أفلامه السابقة

«مرجان أحمد مرجان».. الرجل الذي يستطيع شراء أي شيء

مشهد من الفيلم
TT

عندما قدم عادل إمام خماسيته الشهيرة مع السيناريست وحيد حامد والمخرج شريف عرفة في تسعينيات القرن الماضي، اتفق الكثير من النقاد على أنها أهم ما قدمه الثلاثي عبر مشوارهم الطويل، وعندما تمرد عادل إمام على هذا الإطار تخبط في عدة أفلام دون المستوى مثل «رسالة إلى الوالي» «هاللو أمريكا» «الواد محروس بتاع الوزير»، حتى قرر تغيير شكل أفلامه من جديد في الألفية الجديدة فقدم أفلاما جيدة تختلف ولو قليلاً عما قدمه من قبل وذلك في أفلام «أمير الظلام» «السفارة في العمارة» «عمارة يعقوبيان». وبالتوازي مع هذا الشكل قدم أفلاماً أخرى أثبتت مدى ذكائه في اختيار شكل يناسب مرحلته العمرية عندما قام بدور الأب باقتدار في أفلام «التجربة الدنمركية» «عريس من جهة أمنية»، ومؤخراً «مرجان أحمد مرجان» وقد شكل ملامح هذه الثلاثية المخرج علي إدريس الذي برع في خلق الهيئة الجديدة لتناسب عادل إمام في أفلام ماتت فيها الأم لسبب ما فيواجه الأب وحده مشكلات أبنائه. لكن ما يجعل فيلم «مرجان أحمد مرجان» يشذ عن هذه الصورة التي كانت تبدو منمقة ومتناسبة في تسلسلها الطبيعي، هو التمرد مرة أخرى على شكل الأب في محاولة للعودة إلى الشكل القديم المعتاد لأفلام عادل إمام والمتمثل في صورة الزعيم الذي يستطيع فعل أي شيء ويسحر النساء في أي مكان يتواجد فيه ويضرب أي مار على قفاه بدون داع، وهي الصورة التي بدأ ينساها محبو عادل إمام إزاء الصورة الجديدة المناسبة والمقنعة لهم، ولكن يبدو أن الحنين لفكرة الزعيم جعلت من «مرجان» صورة باهتة من أفلام قديمة فتحول الفيلم إلى مجرد قصاصات من هنا وهناك تحاكي أفلامه القديمة ، التي ستلحظها بسهولة مثل مشهد كرة القدم من فيلم «الحريف»، مشهد هيفاء وهبي من «المنسي»، مشهد مجلس الشعب من «النوم في العسل»، مشهد الانتخابات من «الجردل والكنكة» وهكذا، لذلك ففيلم «مرجان» هو محاولة رشوة الجمهور القديم الذي يحن لتلك الصورة تماماً كما يرشو مرجان أي شخص في الفيلم.

الفيلم يبدأ بمشهد الشاي بالياسمين ـ وهو دلالة على فكرة الرشوة ـ مع أحد رجال الضرائب إلى مبلغ يصل لـ 200 ألف جنيه وهو مشهد طويل زمنياً على الشاشة بدون داع، ولكن ما أن ينتهي حتى يبدأ مشهد رشوة جديد ويلحقه آخر حتى ينتهي الفيلم، لتكتشف أن الفيلم ما هو إلا مشهد واحد يأتي بتنويعات متعددة حسب متطلبات مرجان من وقت لآخر، لذلك فهو لا ينفك عن رشوة أفراد يمثلون جهات الإعلام والفن ومجلس الشعب وحتى كرة القدم، حتى تتصاعد فكرة الرشوة إلى مشهد تمرض فيه ابنة مرجان، لنفاجأ بمرجان في المشهد التالي يأمر مساعده بإطعام 650 مسكيناً وإقامة رحلات حج وعمرة لموظفي الشركة، وهو مشهد غريب لا يصف ندم مرجان وعودته لله بقدر ما يؤكد إلى أي مدى يعمل عقل هذا الرجل. ولكن ما يصل إليه مرجان في النهاية عبر مشاهد جادة بدت دخيلة وثقيلة على أجوائه، أنه لا يستطيع شراء الحب ولا العلم أو الصحة على نفس طريقة السينما المصرية دائماً في إلقاء الحكمة المدرسية التي يجب أن يتعلمها المشاهد الساذج كما يعتقد صناع الأفلام.

الفيلم يسرد علاقة أحد كبار رجال الأعمال المصريين "مرجان" بابنيه عدي وعلياء والتي توترت فجأة عندما بلغ فساد مرجان الحد الذي لم يعد من الممكن مداراته، والغريب هنا أن منطق المشكلة لا يأتي من فكرة فساد الأب الأخلاقي بقدر ما يأتي من تعليمه المتواضع، وهو لبس غريب في ربط قضية الأخلاق بالعلم ولكن لأنه يجب عليه مقابلة الدكتورة جيهان «ميرفت أمين»كما هو مكتوب في سيناريو الفيلم، يخضع لرغبة ابنيه بالالتحاق بجامعتهما التي يحاول شراءها لاحقاً كما يشتري أي شيء، ويبدأ في التعرض إلى المفارقات المتوقعة سلفاً. ولكن يمكن القول أن أفضل ما في هذا الجزء هو تعرفه على هيثم «أحمد مكي» الذي يتفوق على عادل إمام نفسه ويلفت الأنظار بشدة بأسلوبه وقفشاته المضحكة بشخصيته التي أتى بها من مسلسل «تامر وشوقية». أما علاقته مع د. جيهان فكانت غريبة من ناحية أنها لم تتطور كما هو متوقع ولم تزد سوى عن مشاهد تحدي مرجان لها في أنه الرجل الذي يستطيع شراء أي شخص حتى خطيبها، حتى تأتي النهاية التقليدية التي تجعل من الجميع سعداء كما يجب إلى الدرجة التي جعلت الأطفال يخرجون من قاعة العرض يهتفون بأعلى صوتهم: مرجان .. مرجان.

الخلل الأهم في سيناريو يوسف معاطي إذا تجاهلنا فكرة السيناريو المكتوب خصيصاً والمليء بالعيوب هو أنه يريد طرح كل القضايا وقول كل شيء في نفس واحد، مما جعل الفيلم يفتقر إلى التركيز ووحدة الموضوع ولم يستطع إسعافه سوى عادل إمام نفسه الذي جعل الجمهور يتغاضى عن الكثير من مشاكل الفيلم ربما لأن كل شيء جائز مع الزعيم، أما الإخراج فهو لم يكن يصب سوى في إظهار قوة مرجان بدءاً من المشهد الأول لوصوله إلى مقر الشركة، حيث تصوره الكاميرا من أسفل لتعطي طابع العظمة وحتى الاستعراض الأخير غير المسبوق حيث ينحني الجميع ويهلل أمام مرجان الذي سيجعل حياة الجميع بالمجان.