أحمد السقا.. مغامر السينما المصرية

يرفض القيود ويسعى لاحتلال مكانة في قلوب الجماهير

TT

أطلق عليه البعض «فاندام السينما المصرية»، وقال عنه آخرون «فارس السينما الحديثة»، بينما يفضل هو لقب «دي نيرو السينما المصرية»، نظراً لعشقه الشديد لطريقة أداء ذلك النجم العالمي وتنويعه في ما يؤديه من أدوار.. إنه الممثل أحمد السقا الذي بدأ خطواته في عالم الفن من باب مسرح العرائس، ووصل فيه ليكون واحداً من فتيان الشاشة الكبيرة الوسماء. هو أحمد محمد صلاح الدين محمد أحمد عبد العزيز أحمد يوسف صلاح الدين السقا، كما يحب أن يعرف نفسه. ولد في السابع عشر من نوفمبر (تشرين الثاني) 1969 وسط عائلة فنية، فوالده هو الفنان صلاح السقا الأب الروحي لمسرح العرائس المصري وإحدى دعاماته، وجده لوالدته كان واحداً من أشهر المطربين القدامى وهو عبده السروجي صاحب الاغنية الشهيرة «غريب الدار». بدأت قصة السقا مع التمثيل مبكراً، حيث جذبه عالم مسرح العرائس بما فيه من إبداع وخيال وكان يراقب والده وهو يعمل وتمنى أن يكون ممثلا بالرغم من إحساسه بوجود مواهب أخرى بداخله، إلا أن التمثيل كان هو المسيطر عليه دائما. كان السقا شديد الارتباط بوالده وهو ما عبر عنه بقوله: «جعلني والدي أحترم العرائس، وأتعلم الكثير منه». لذلك التحق السقا بالمعهد العالي للفنون المسرحية قسم تمثيل وإخراج، وتتلمذ على يد المخرج جلال الشرقاوي، وتخرج وهو الأول على دفعته بتقدير امتياز، ولكنه رفض أن يعمل معيدا في المعهد لعشقه للتمثيل.

«شق طريقك بنفسك، وموهبتك ستفرض نفسها».. كلمات يتذكرها السقا لوالده الذي رفض مساعدته في بداية خطواته الفنية بما له من علاقات في عالم الفن. لذلك بدأ حياته الفنية من الصفر حتى لفت إليه الأنظار. فشارك في مسرحية «الحق خدلك قالب» عام 1991 والتي عرضت على مسرح الشباب بالقطاع العام، ورغم أن دوره لم يتعد حاجز الجملة الواحدة طيلة فصول العرض إلا إنها كتبت للسقا طريق النجومية المسرحية وشارك بعدها في مسرحية «فيما يبدو سرقوا عبدو» مع نجوم الكوميديا احمد ادم وصلاح عبد الله ورامز جلال، فاستطاع بتعبيرات ملامحه أن يخطف عيون الجمهور وحقق نجاحا أهله للانطلاق بشكل أكبر في المجال المسرحي. فشارك في مسرحية «النهار ده آخر جنان« مع النجم الراحل محمد رضا الذي تنبأ له وقتها بالصعود بسرعة الصاروخ.

كان السقا في البداية حائراً بين رغبته في إشباع حبه للتمثيل وتقديم أعمال مميزة، ورغبته في الانتشار وإيجاد مكانة له بين نجوم الفن. لكنه بالرغم من ذلك لم يقم بالاشتراك في أعمال يخجل منها بعد ذلك، رافضاً مبدأ الانتشار الذي يفضله البعض في بعض مراحل صعود السلم الفني. ولهذا قبل المشاركة بأدوار صغيرة في العديد من الأعمال التلفزيونية والسينمائية التي حققت نجاحاً ملحوظاً وأشاد بها النقاد والجمهور. من بينها مسلسل «نصف ربيع الآخر» مع يحيى الفخراني، ومسلسل «حلم الجنوبي» مع صلاح السعدني، و«زيزينيا» و«رد قلبي» وغيرها من الأعمال. ويدين السقا للكاتب أسامة أنور عكاشة بأنه العين التي التقطته ورأت فيه ممثلاً جيداً، حيث رآه وهو يقف على خشبة المسرح ليقدم مسرحية «خدلك قالب»، وعلى الفور اتصل بالمخرج محمد فاضل الذي كان يبحث في ذلك الوقت عن وجه جديد ليشارك بدور صغير في مسلسل «النوة» الذي قامت ببطولته الفنانة فردوس عبد الحميد ليقدم دوراً علق في ذاكرة الناس.

وبالرغم من بداية السقا المسرحية الممزوجة بالدراما التلفزيونية، إلا أن نجاحه وشهرته جاءا من خلال الفن السابع، حيث اشترك في العديد من الأفلام التي ظهر فيها بأدوار ثانوية ومنها «المراكبي» من إنتاج التلفزيون المصري وبطولة صلاح السعدني ومعالي زايد، وفيلم «هارمونيكا» عام 1989 للمخرج فخر الدين نجيدة وبطولة محمود عبد العزيز، وأيضاً مع الفنان نور الشريف في مشهد بفيلم «ليلة ساخنة» للمخرج عاطف الطيب. وواصل السقا مسيرته بدأب ومن دون تعب أو ملل، ليحقق أولى خطوات النجومية في فيلم «صعيدي في الجامعة الأمريكية» الذي قام ببطولته محمد هنيدي عام 1998، ونجح الفيلم نجاحاً كبيراً محققاً إيرادات عالية، ما شجع الاثنين على تقديم فيلم «همام في أمستردام» بعدها، حيث قدم السقا شخصية «أدريانو» الشاب المصري المغترب بهولندا الذي يساعد البطل همام الذي جسد شخصيته محمد هنيدي، في تحقيق طموحاته ونجاحاته في الخارج. لكن كان البطل هنا أيضاً هنيدي، بينما السقا هو صاحب الدور الثاني. وبالرغم من اشادة الكثيرين بأداء السقا في هذا الفيلم وحصوله على بعض الجوائز من خلاله مثل جائزة المركز الكاثوليكي المصري، إلا أنه بات أمام العديد من التحديات. وتمثل التحدي الأول في الخروج من عباءة الفنان أحمد رمزي، حيث قارن الكثير من النقاد بينه وبين أحمد رمزي، مؤكدين أن السقا يسير على دربه، حتى ان النجم أحمد زكي قال عنه في أحد حواراته التلفزيونية القليلة «السقا موهبة شابة واعدة ولكنه إن لم يرسم لنفسه خطا فنيا بعيدا عن أحمد رمزي فلن يكون له وجود حقيقي في السينما». أما التحدي الثاني الذي واجه السقا فتمثل في نوعية الأفلام التي سيطرت على السوق السينمائي منذ ذلك الوقت وهي الأفلام الكوميدية، فالسقا لا يريد تقديم كوميديا فقط وعليه البحث عن مناطق أخرى للإبداع، فهو يرفض القيود.

وفعلا وجد السقا ضالته في سيناريو فيلم «شورت وفانلة وكاب» للمؤلف مدحت العدل، ومن إخراج سعيد حامد. كان الفيلم هو أول بطولة حقيقة له بعد العديد من الأدوار الثانوية. جسد السقا من خلاله شخصية خالد الفتى الطموح الذي يعمل بشرم الشيخ ويقع في حب ابنة أحد الوزراء العرب، ونجح الفيلم نجاحاً كبيراً، وأدرك وقتها السقا أن السينما فتحت له جميع أبوابها، حيث أشاد بأداء السقا العديد من النقاد والمخرجين والمؤلفين، لدرجة أن كاتباً بحجم اسامة انور عكاشة قال عنه في أحد الحوارات الصحافية عندما سألوه عن النجوم الذين لهم مستقبل في السينما:«انه لم يبقى سوى القليل فقط على رأسهم أحمد السقا لأنه يمثل دور الجان الذي نفتقده في السينما».

كما أن شيخ نقاد السنيما أحمد الحضري والدكتور رفيق الصبان تنبآ له بالاستمرار سينمائيا وتحقيق نجومية كبيرة لأنه يقدم أعمالاً سينمائية مهمة ويركز جيداً في اختياراته، فسقطاته السينمائية لا تذكر على الإطلاق.

وبدأت المرحلة الثانية من نجومية السقا وقام ببطولة العديد من الأفلام الناجحة ومنها «أفريكانو« مع الفنانة منى زكي التي كون معها ثنائيا ناجحا، حيث اشتركا في الفيلم التالي مباشرة بعنوان «مافيا» تأليف مدحت العدل، وإخراج شريف عرفة، وقدم أيضاً فيلم «تيتو» مع حنان ترك وخالد صالح وتأليف محمد حفظي واخراج طارق العريان، و«حرب أطاليا» مع نيللي كريم وخالد صالح، وتميزت جميع تلك الأفلام بطابع الأكشن والإثارة والمغامرات التي يعشقها السقا، بل إنه كان يقوم بكل المشاهد الصعبة في فيلمه من دون الاستعانة بدوبلير، كما حدث عندما قفز من القطار في فيلم «أفريكانو» بنفسه، كما ألقى بنفسه من فوق الكوبري بفيلم «تيتو»، وأيضاً اشتعلت النار في ملابسه بفيلم «حرب أطاليا».

ولكن السقا أراد الخوض في تحد آخر وهو الخروج من إطار الأكشن والمغامرات مراهناً على أنه فنان يجيد تقديم كل الأدوار، لذلك رحب بالمشاركة في فيلم رومانسي حمل عنوان «عن العشق والهوى» مع النجمة المفضلة له منى زكي، ليكرر التجربة الرومانسية مرة أخرى بآخر أفلامه السينمائية «تيمور وشفيقة» مع منى زكي أيضاً ليعيد للسينما المصرية عصر الثنائيات الجميل.

وبالرغم من انشغال السقا بالسينما إلا أنه لم ينس المسرح، حيث انه في وسط خطواته الواثقة نحو النجومية السينمائية، شارك في العديد من الأعمال المسرحية مع أصدقائه من نجوم السينما مثل «كده اوكيه» مع النجوم منى زكي وهاني رمزي وياسمين عبد العزيز واستطاع هذا العرض تحقيق نجاح جماهيري ونقدي على حد السواء، كما اشترك في مسرحية «الابندا» مع محمد هنيدي، لتأتي بعد ذلك آخر خطوات السقا المسرحية من خلال مسرحية «عفروتو» التي كتبها احمد عوض وقام ببطولتها النجوم محمد هنيدي ومدحت صالح وحسن حسني وإخراج محمد عبد العزيز، ليفترق هنيدي والسقا وهاني رمزي كل في اتجاه.

ويحرص السقا أن تكون حياته العائلية المكونة من زوجته مها محمد الصغير، وابنه الصغير ياسين، بعيدة عن الأضواء. وذلك منذ أن تزوج في 17 نوفمبر (تشرين الثاني) 1999. وكان قد تعرف على زوجته في إسطبل الخيل لأنها كانت صديقة شقيقته فاطمة وكانت تذهب معها لركوب الخيل، حيث يعد السقا عاشقاً لركوب الخيل وامتلاكها. وما زال السقا يواصل مشواره السينمائي، حيث يصور حالياً مشاهد فيلمه الجديد «الجزيرة» مع الفنان محمود يس والمخرج شريف عرفة، والذي يعود فيه السقا لأدوار الأكشن. وقد كاد أن يفقد بصره في تصوير ذلك الفيلم حين أصر على القيام بأحد المشاهد التي تضمنت إطلاق رصاصات دخلت شظايا إحداها في عينه بشكل استدعى إجراء جراحة عاجلة فيها، حيث تم نقله للقاهرة وخضع للعلاج نحو شهرين.

ببساطة هو نجم يرفض السهل ويسعى لاحتلال مكانة في قلوب الجماهير التي عشقت أداءه ويستحق بجدارة لقب «مغامر السينما العربية».