«الاجتياح».. استسهال واستعجال ومشاهد مشتتة

نيكول كيدمان في فيلم لا يستحق المشاهدة

مشهدان من الفيلم
TT

إنه لمن الغريب كيف تحاول "ناسا" دائماً حثنا على السفر إلى كواكب أخرى بالرغم من أن هوليوود توضح الأمور جيداً بأن أي شيء يأتي من الفضاء هو شيء مضر وخطير عليك. فقد تشربت الفكرة عند الجمهور السينمائي أن رواد الفضاء دائماً ما يعودون وهم يحملون أخبارا غامضة وأجوبة غير كافية وأحياناً مريبة للذين يعيشون على الأرض. ومع هذا، نحن نستمر بإرسال أشخاص إلى الفضاء على أمل أن نجد أشكالا أخرى للحياة. في فيلم نيكول كيدمان الجديد نشاهد كيف يمكن أن تكون هذه الأشكال الأخرى كريهة ومخيفة، وهو إعادة لرواية فيلم الإثارة والخيال العلمي (اجتياح خاطفي الجثث) الذي أنتج في أعوام 1956 و1978 و1993، مع الذكر أن الفيلم الأول هو الأفضل.

نسخة عام 2007 للمخرج الألماني أوليفر هيرسشبييغيل الذي قدم أفلاماً ممتازة في السابق على رأسها فيلم (السقوط) عام 2004، تركز على توفير توليفة مثيرة مشوقة ممزوجة بالتمثيل العاطفي من طاقم متمكن، لكن مع سير المجريات، الفيلم يفقد مساره ويفشل في تحديد أي نوع من الأفلام هو: رعب أم إثارة أم دراما أم خيال علمي إلى أن يصبح الفيلم مجموعة من الأفكار ضعيفة ومكررة الكتابة تلجأ أخيراً إلى أي خاتمة كي تنهي القصة نهاية مخيبة للآمال حتى وإن كانت مصنوعة بعناية إنتاجية دقيقة. القصة تدور حول كارول بانيل (نيكول كيدمان) الطبيبة النفسية المطلقة التي تشعر بالانزعاج بسبب ابتعاد ابنها أوليفر (جاكسون بوند) عنها، عندما يذهب لقضاء بعض الوقت مع والده تاكر كوفمان (جيرمي نورثام). يخبرها أعز أصدقائها بين (دانييل غريغ) بأن لا تقلق، إلا أن قلق كارول يبدو في محله. فيتضح أن مخلوقات غريبة قد سيطرت على تاكر وأن هدفه الرئيسي قد أصبح جعل كل الناس مثله. لا يمر وقت طويل قبل أن يتم تحويل البشر، وهذا التحول يحدث بسهولة: كل ما يتطلبه الأمر هو أن يقوم أحد المتحولين بالعطس عليك أو بصفعك بالإضافة إلى نوم ليلة واحدة هادئة. تقوم الحكومة بتسمية هذا الوباء بالـ"الإنفلوانزا" وتشكل مراكز لإعطاء لقاح مضاد له، لكن الذين لديهم فكرة أعمق عن هذه الكارثة مثل كارول يعلمون أن الطريقة الوحيدة لتفادي هذا التحول هو أن تبقى مستيقظاً. تسيطر العدوى على المدينة مع مرور الوقت، وأولئك الذي يستسلمون لقوة النعاس والنوم لن يبقوا على حالهم البشري عندما يستيقظون.

الفيلم يبني قصته حول عنصرين أساسيين، وهما الجو السياسي والحياة البشرية. من حيث السياسة، فهو تصور قدم قبل ذلك حول كيف أن كل المجتمعات لا بد وأن تمر في مرحلة من الجنون، تستغني عن التفكير والبصيرة من أجل صالح الجماعة وتبدأ بالتصرف بطرق عشوائية قاسية. من حيث عنصر الوجود البشري، الفيلم يقدم تذكيراً مخيفاً حول طبيعية الحياة الحقيقية، والتي نحاول أن نتجاهلها بسرور في كل شيء نقوم فيه، ألا وهي أننا وحيدون في هذا الكون. هناك محاولة حثيثة داخل القصة لافتعال حوار مع البشر ومناقشة خوفهم من وجود حياة وعوالم أخرى، وإبعادهم عن الانعزال المطلق.

كل هذه النظريات مبنية على الكثير من الزلات التي يقع فيها الفيلم مراراً كما وقعت فيها أفلام أخرى سابقة. فالطريقة المعاصرة في صناعة الفن (ومنها الموسيقى حالياً) قائمة على الاستسهال والاستعجال في تنفيذ الحكاية حتى لا يشعر الجمهور بأي مسؤولية في التفكير أو حتى القليل من التمعن على الشاشة. فهناك التقلب والتحول غير المركز بمواضيع ورسائل الفيلم، مشاهد الحركة التقليدية التي تشعر أنها ملفقة بصعوبة داخل الفيلم، الحوار المباشر غير المتقن (الذي يتحمل معظمه الممثل المظلوم جيفري رايت). على سبيل المثال، دور كارول يتطلب من نيكول كيدمان هنا القيام ببعض الأمور، عليها أن تبدو امرأة تستحق شفقتنا واهتمامنا حول قضيتها. عليها أن تصبح امرأة لا نريدها نحن الجمهور أن تتعرض لأذى وتصاب بالعدوى. وعليها أن تبدو خائفة لدرجة غير معقولة. ثلاثة أمور هي أسهل عليها من لعب دور فيرجينيا وولف، وتقوم بها كما أنها تقوم بنزهة في يوم العطلة. الممثلة توفر هذه الجوانب العاطفية والبشرية كلها فقط بوقوفها على الشاشة. هنا نشاهد نيكول النجمة أكثر مما هي الممثلة، على الرغم أن جهدها مشكور في لعب دور امرأة يائسة من الاجتماع مجدداً مع ولدها حتى وإن كان الأمل في النجاة وشروق شمس الغد ضئيلا. دانييل غريغ جيد وإن كان دوره سطحياً ويعيبه ضعف الكتابة، فأقوى لحظاته تكمن في البداية ونحن نشهد بداية تقوية علاقته مع كارول. وكما يقال مجازياً، كثرة الطباخين تفسد الطبخة، لأن هناك الكثير من المجريات في هذا الفيلم، وهذا يصيب المشاهد بشيء من التشتت والقليل من الضجر والكثير من الانزعاج. إلا أن الساعة الأولى جاءت بطريقة فاخرة وتوحي بقصة خيال علمي مشجعة، والمخرج يقوم بعمل جيد في وصف هلع كارول وهي تشهد انهيار الحياة البشرية من دون أي حيلة. كذلك هناك تصوير من الطراز الأول في بالتيمور والعاصمة واشنطن (بما فيه ظهور سينمائي نادر لنظام المياه التابع للمدينة) الذي يضع عناصر القصة في قالب واقعي صحيح وجذاب شكلاً وليس مضموناً، وبالتالي خيبة أمل كبيرة ينتج عنها فيلم لا يستحق المشاهدة.