مي المصري: «أحلام المنفى» نجوم صغار يحكون همهم الفلسطيني

عفوية الأطفال ومعاناتهم وضكاتهم وتحرير الجنوب والإنترنت أبرز تفاصيل الفيلم

TT

أطفال المنفى والشتات الفلسطيني تحولوا نجوماً سينمائيين في فيلم المخرجة الفلسطينية مي المصري «أحلام المنفى»، وعبر مشاهد مؤثرة تحاكي الوجدان العربي، روى هؤلاء النجوم بعض معاناتهم بعفوية فائقة، وفق رؤية فنية شاملة للمصري، سعت خلالها إلى تسليط الضوء على مأساة التهجير والظلم التي حولت الأطفال إلى «شيوخ» يترحمون على أيام فلسطين الخوالي وكأنهم عاشوا فيها أو وطأوا أرضها ويتطلعون إلى يوم يطيرون فيه إلى بلادهم مع آمالهم وأحلامهم وطموحاتهم الغنية فيحضنونها. أبرز «أحلام المنفى» مشكلة كل فلسطيني لاجئ في العالم من خلال أطفال «مخيم شاتيلا» في لبنان و«مخيم الدهيشة» في الأراضي المحتلة. القصة نفسها تتكرر في كلا المكانين، سجن شبّهه الأطفال بقفص العصفور، وقاربوا بخيالهم وأحلامهم الطائر وتمنوا لو يستطيع الواحد منهم تخطي الحدود والحواجز والوصول إلى فلسطين، فهي غايتهم سواء كانوا في مخيم شاتيلا، أو في قلب البلد المحتل في «الدهيشة»، حيث يتصرف الأطفال بعفوية، ولا يتوانون عن المرح والضحك، ورغم ذلك يعيشون انكسار الحلم وقهر الأمنيات وينقصهم رفع الحصار والتنفس بعيداً عن المستعمرات التي تخنقهم من جميع الجوانب، ويبعدون بالتالي عن اراضي 1948 آملين العودة إلى قراهم تماماً كلاجئي الشتات، فيما تواسي هؤلاء رائحة التراب الذي يحتفظون به من ارض بلادهم، في محاولة من المخرجة لإحياء التاريخ والجغرافيا والعواطف الجياشة، عبر مشهد طفلة تنثر تراب بلادها في إناء صغير بعيداً عن الوطن.

تتسع رقعة صداقة الأطفال من وراء الحدود عبر الإنترنت، ويأتي تحرير الجنوب ليجمعهم حول الشريط الشائك، وتبقى ضحكاتهم ودموعهم «هل يمكن أن يفصلني السياج عن تراب بلادي؟». وفي محاولة لعكس عمق تشتت الشعب الفلسطيني تشاء الصدف أن تهاجر صديقة الأطفال في شاتيلا «سمر» إلى لندن، ما يترك في أنفسهم عميق الأثر، ويبقى السؤال «هل يتابع أطفال فلسطين حياتهم على هذا النحو؟، وإلى متى يبقون لاجئين في دول عدة؟..».

ولا تستثني المصري انتفاضة الأقصى الحالية من رؤيتها الفنية، من خلال تسلسل للأحداث ونقل لانعكاس الثورة الشعبية في نفوس الأطفال، عبر مشاهد حية وثائقية خاصة بالفيلم (كما أكدت المصري)، وتبقى البداية والنهاية أرواحاً وآمالاً ارتسمت عبر شموع أضيئت وطيور رفرفت وموسيقى ترنمت.

وأرادت مي المصري تصوير معاناة اللاجئين في الشتات والداخل، فساعدتها الأحداث المتسارعة في فترة تصوير الفيلم على نقل وقائع سياسية اجتماعية وعاطفية لمجموعة من الأطفال الذين ربط في ما بينهم حب فلسطين، عبر صور واقعية نقلت من خلالها حياتهم اليومية واحداث نراها مرة أخرى بنمط رقيق وشفاف.

والأطفال ليسوا أبطال «أحلام المنفى» فقط، بل شاركوا في فيلم سابق للمخرجة هو «أطفال شاتيلا 1998»، كما كان غيرهم في فيلم «أطفال جبل النار 1990».

وأكدت المصري لـ«الشرق الأوسط»، أن الأطفال والنساء يعبّرون عن مشاعرهم بطريقة أعمق تترك أثرها في نفسها كمخرجة «فهم يخاطبونك من الداخل»، وقد حاولت أن تجمع في «أحلام المنفى» بين الروائي والوثائقي الذي درجت عليه، من خلال تسلسل درامي للاحداث عبر مجموعة من الأشخاص، مع ما تغلغل في القصة من مشاهد وثائقية حية «وهي ما لا نستطيع تمثيلها»، وحرصت على عفوية الأطفال أمام الكاميرا «ساعدتني علاقتي الوطيدة بهم منذ سنوات وحبي لهم» لذلك فهي تعتبر أن عملها الأخير حلقة ثالثة من سبحة أفلام الأطفال «ولم أشبع نهمي بعد، ففلسطين مليئة بالقصص الإنسانية القوية».

وقد أغنت العمل بتصويرها جزءاً منه في الداخل، حيث تستطيع التنقل وان «ليس بحرية تامة»، وقد تعرضت خلال تصوير مشاهد الانتفاضة إلى إصابة طفيفة في رجلها، وهو ما حصل لها في «أطفال جبل النار»، تقول «تجربتي خلال الانتفاضة الأولى في الثمانينات اضافة إلى معايشتي للاحداث الحالية في فلسطين، فتحت أمامي باب التحدي من خلال ادراكي وجوب إيصال الأفكار إلى العالم أجمع في مواجهة الإعلام المزيّف»، وقد عمدت المصري إلى تهريب الأفلام من فلسطين خوفا من مصادرتها «انه عمل خطر كمهمة أي صحافي»، لكن المصري لا تعتبر نفسها صحافية «هذه كلمة في غير محلها، فأنا سينمائية أنقل الوقائع والأفكار بطريقة وثائقية». ورداً عن سؤال حول قدرة الفلسطيني دون غيره على عكس واقع معاناته، تقول المصري «إن الأجنبي يستطيع تنفيذ أفلام عن واقعنا إذا شعر به، وبدوري أقوى على عكس أحوال المهمشين في العالم، مثلا، بطريقة إنسانية».

وكانت مي قد نالت جوائز عدة عن أفلامها القديمة في مهرجانات عالمية، لأن العمل الجيد بنظرها يفرض نفسه «رغم كل العوائق وأشكال الارهاب القمعي والفكري من المبغضين، ورغم الأهداف السياسية الكامنة».

=