زياد الرحباني في عملية «مونودوز» ناجح رغم أنفه وصوت المطربة الرتيب

هجوم عنيف من النقاد واتهام للأعمال بأنها «أغنيات خفيفة وطريفة.. وسوقية»

TT

«مونودوز» او «جرعة واحدة» هو عنوان الشريط الغنائي الجديد لزياد الرحباني بصوت سلمى وابتسامتها التي تزين غلاف المجموعة.

والتسمية التي تطلع من العنوان تشي بارادة زياد الحفاظ على وتيرة توحيدية للعمل، تنساب فيها الأغنيات بايقاعات أليفة، رغم تنوع عوالمها، لينسل صوت سلمى الرتيب، ايضاً بارادة زياد كما صرح في اكثر من مناسبة، مكرساً الوتيرة التوحيدية ومؤكداً ان سلمى مؤدية ونافياً عنها صفة المطربة عن سابق تصور وتصميم.

والمعروف ان اقتران اسم زياد، بمعزل عن انتمائه الى العائلة الرحبانية، باي عمل كاف لاثارة الجدل، سواء كان العمل موسيقى بحتة او اغنية او مسرحاً او رأياً سياسياً او حتى اعلاناً لصنف من اصناف المثلجات. ويتراوح الجدل بين الاعجاب الاعمى الى حد التعصب او الرفض المطلق الى حد «التكفير الفني»، اذا صحت التسمية.

و«مونودوز» لا يخرج عن هذه القاعدة «الزيادية»، اذ يصنف بعض النقاد اغنيات الشريط في خانة الخفة والطرافة، بما يتناسب ومقولة «الجمهور عاوز كده» ولا شيء اكثر. ويستند اصحاب النقد الى كلمات الاغنيات التي تندرج في عادية تكاد تقترب من السوقية، كما في اغنية «ولعت كتير» حيث تتردد كلمات «كبريتة» و«تتخيتة» و«كاسرولا» و«وقح» و«جلغ»، او حين يستخدم عبارات لغير اغراضها ويرميها باستهتار على موسيقى لا علاقة لها بها، مثل «دعوى ضد مجهول» او «اسعد الله مساءكم» او «جنجلي»، حيث اللعب على الكلام بعبارات يمكن ان تستبدل بغيرها، لا توثر على المعنى الذي ترمي اليه الاغنية لانها لا تخدمه، او في الاغنية «الفرانكو آراب» «Un Verre Chez Nous»، التي صورها زياد وسلمى «فيديو كليب» وقدم من خلالها «اسكتش» جريئاً بعض الشيء، يتجاوز فيه «الدوز» (او العيار) المعهود في الاغنيات العربية.

ولا يقتصر الهجوم على العمل الجديد بحد ذاته، بل يتجاوزه الى محاكمة شاملة لمسيرة زياد الفنية، فيرى «المهاجمون» انه استخدم اسم والده لترويج مذهبه الفني، بمعزل عن اقتناعه بانسجام اعماله مع الصوت الفيروزي، وعندما لم تعد فيروز مستعدة لاكمال رؤيته الفنية، استبدل صوتها بصوت سلمى الحيادي.

الا ان هذه الحجج الهجومية على «مونودوز» قد تتحول الى ايجابيات وانجازات لدى النقاد المتعصبين لمذهب زياد الفني، فهم يجدون انه يعمل على تحقيق مشروع موسيقي خاص به وارساء نمط شرقي جديد للاغنية العربية. ففي بعض الاغنيات ملامح اعمال زياد في السبعينات حيث المسحة التراثية العريقة كامنة في كل محاولات التغيير الفنية التي كان سباقاً اليها.

اما عن كلام الاغنيات فيمكن ان نوزعها وفق تراتبية «لكل مقام مقال»، ففي اغنية «ولعت كتير» نقد اجتماعي ذكي وعميق وطريف يعالج مشكلة معاشة في معظم مجتمعاتنا، كما يلحظ ناحية هامة في رفض المرأة الشرقية مبدأ القبول المطلق بالرجل الذي تحب او ترتبط به. وبهذا المعنى تأتي الاغنية ملتزمة وهادفة وسباقة.

اما اغنية «وبتموت»، فالشعر له مكانته المتناسبة مع اللحن وكذلك النوستالجيا، وكان قد تردد ان فيروز ستغنيها لكن زياد ادخلها في مجموعته، رغم حياد سلمى في تأديتها، مما اضفى عليها بعداً جنائزياً.

ولا ينتهي الجدل مع «مونودوز»، فيما يبدو ظاهراً ان زياد يتسلى، يكفي مقاربة العمل بشيء من العمق لنكتشف ان زياد يدعي التسلية، لكنه جاد جداً في الحرص على تقديم هذا العمل وفق «أنظف» المعطيات الفنية الراقية وإن بقياس محدد اراده ولم يحد عنه، من خلال ابتعاده عن التطريب، ربما ليجعل المسافة واضحة بين الموسيقى والكلام من غير ان يسيء الى جمالية العمل، مما يشعرنا ان زياد ناجح رغم انفه، وبالتالي عليه ان يدفع ضريبة هذا النجاح بمزيد من الابداع المقنع بفلسفة الخفة والطرافة بحيث تصل الرسالة الى اذن المتلقي من دون وطأة لا يحتملها العصر. وبحيث يشعر هذا المتلقي بأن زياد الذي اشار في مرحلة ما الى انه انقلب على العالم الرحباني التقليدي، انما اوحى بذلك ليرسي تقليده هو الذي مهما تميز بصاحبه يبقى مشبعاً برحبانية ما، وللبيئة الفنية التي طلع منها زياد تأثيرها من دون شك.

من هنا لا يبدو مستغرباً ان ينفذ «مونودوز» من السوق ليعاد تسجيله مراراً وتكراراً، ولا يبدو مستغرباً ان تتوهج الموسيقى التي يدمغها زياد بتوقيعه اياً كانت منابعها، فقد برهن مرة جديدة على قدرته في تحويل العادي والشائع الى عمل فني له خصوصيته.