الفيلم المصري «أحلام حقيقية» يدشن نوعية الرعب بإفراط

إخلاصه الزائد للشكل الأميركي سلبه كثيراً من خصوصيته

مشاهد من الفيلم
TT

بعد سنوات عديدة من التقليدية التي انتابت شكل الفيلم المصري الذي انحصر لفترة طويلة في الأفلام الدرامية والرومانسية والكوميدية، قرر مجموعة من المخرجين في شكل موجة أصبحت ملموسة هذه الأيام لتغيير هذا الشكل وإضفاء أنواع جديدة بمعايير أفلام السينما الأميركية، هذه الموجة طالت أيضاً المسلسلات وأصبحت «مسلسلات السيت» كوم مثلاً أمراً محبوبا ومتعارفا عليه، بعدما استقبله المشاهد بنفور شديد في بداية ظهوره. السينما ركزت أكثر على أفلام الحركة والإثارة النفسية إلى أن تم إعلان شكل جديد وهو فيلم الرعب، شركة إنتاج مغامرة وأربعة نجوم بقيادة مخرج في أول أعماله الطويلة دشنوا التجربة كأول فيلم رعب مصري. وإذا تغاضينا أنه ليس كذلك بالفعل نظراً لجهود سابقة من محمد شبل ومحمد راضي في هذا المجال، ولكنه أول فيلم بالمقاييس الجديدة التي تبدأ من الفكرة إلى الديكورات والمؤثرات الصوتية، نحن هنا لسنا في جلسة محاكمة للفيلم بقدر ما نبحث عما أخفق فيه أو نجح فيه صناع الفيلم في مغامرتهم تلك. في البداية، يرتكز الفيلم على فكرة مستهلكة وشديدة التقليدية، شاهدناها بكل الطرق والحبكات الممكنة بحيث أصبح من الصعب إيجاد جديد ما لم تتوفر لها قصة استثنائية، وهو ما لم يحدث. مريم (حنان ترك) تحلم بكوابيس تتحقق في الواقع عندما تستيقظ وتحتار إن كانت هي من تقوم بتلك الجرائم أم أنها تحلم بها فقط، خاصة أن أحلامها تتحقق إلى درجة تماثل ما حلمت به بأدق التفاصيل، تبدأ في التشكك في نفسها وتقرر عدم النوم، يحاول زوجها أحمد (خالد صالح) وصديقتها مي (داليا البحيري) مساعدتها لتخطي كوابيسها دون فائدة، ونظراً لعلاقتها المباشرة بالجرائم فإنها تثير شكوك الضابط عماد (فتحي عبد الوهاب) الذي لم يغفر لها تركها له في الماضي وزواجها من آخر، وهكذا تصبح الدائرة محكومة عليها خاصة مع تتابعات الأحداث لاحقاً، المشكلة الحقيقية تبدأ مع التثاقل الشديد في إيقاع الفيلم، حيث توجد مشاهد تحتوي على كادرات وتكوينات جميلة لكن لا تخدم الفيلم في شيء. هناك خطوط كثيرة كان من الممكن الاستغناء عنها دون أن تؤثر على الأحداث، نحن مثلاً لم نر فائدة من كون أحمد طبيبا أو مهندسا وكون مريم تحب الرسم أو لا، فعرض الأزياء وعلاقتها مع أصدقاء زوجها استهلكت وقتا طويلا، والأغرب من كل ذلك أن العلاقة المعقدة بين عماد ومريم وأحمد لم تخدم الدراما وتم استغلالها في نهاية الفيلم بسذاجة كبيرة جعلت من مشهد النهاية أضحوكة بالفعل. أما أكثر المشاهد إملالاً فهو المشهد التي تظهر فيه ماجدة الخطيب حيث تثرثر بمصطلحات معقدة وتشرح ما قد ينتاب المرء إن كان في وضع مريم، وهو أمر مفهوم وواضح بالفعل ولكن يبدو أنها كانت محاولة لإضفاء الخطورة على الموقف.

تذمر المتلقي لا ينتهي عند بعض المشاهد الزائدة أو الرتابة في الإيقاع، فالفيلم ضم العديد من التفاصيل المتناقضة والتي تدعو فعلاً للتعجب، فمثلاً مريم تتهكم في عرض الأزياء على أسعار الفساتين الخيالية وحول نوعية النساء اللائي تشتريها وتلقي بها في الدولاب، ثم تجدها في المشهد التالي ترتدي سترة غالية من الفرو الذي لم يختلف كثيراً عن المعروض هناك، أو أن تكون محتويات الحقيبة التي يموت بسببها حارس الأمن مجوهرات العرض ثم تفاجأ أنه مبلغ مالي، أو أن يكون رئيس العمل عبد الحميد (أحمد كمال) شديد البذاءة في ذلك اليوم بالذات مع مريم بالرغم من تحملها له ثلاث سنوات كاملة، أو تكون مي هي من تسببت في كل تلك الفوضى على الرغم من مرور ثلاثة أشهر فقط على تعينها، أو أن ما يتبقى في مستشفى متهالك بكاملة ملف المريضة الذي ينتظر الضابط ليكشف شخصية القاتل. لكن الخلل الحقيقي يبدأ فور مقتل ماجدة الخطيب، حيث يكتشف المشاهد العادي حل المشكلة ويصبح الزمن المتبقي من الفيلم درسا حقيقيا في فن الإملال، وتبدأ بعدها سذاجات أفلام الرعب الأميركية ذات الدرجة الثالثة في الظهور، فاكتشاف خاتم زواج مريم في مكان الجريمة سيدفعك دفعاً إلى مشهد مي ومريم في الحمام عندما حذرتها من سقوط الخاتم المتكرر، بالإضافة إلى كونها الوحيدة الغائبة وقت الحادث والأهم وجود مريم في بيتها مع زوجها بالفعل في المنزل، ومع تبعات النهاية الهزيلة نجد أنه توجد أشياء كثيرة في الحياة دون أن نستطيع فهمها كما جاء على لسان مي، وهو الحل الذي وجده صناع الفيلم لعدم تقديم مبرر لكل ما يحدث، فإذا تغاضينا عن رؤية مريم الثاقبة لما سيحدث، فمن أين علمت مي أن مريم اكتشفت وجودها في مرآة السيارة. وعلى الطريقة الأميركية ينتهي الفيلم بمشهد شتاء عنيف في الليل وبعدة طلقات نارية. وقبل كل ذلك يجب أن يشرح المجرم بالتفصيل الملل بالرغم من مرضه النفسي، طريقته الداهية في تنفيذ الجرائم مع ذكر أسباب ودوافع هزيلة وفلاش باك مضحك لحادثة سيارة. محمد جمعة في أولى تجاربه يتقيد بكل شروط وسمات فيلم الرعب الأميركي، دون أن يعي أن هناك ضرورة فنية لتغيير بعضها لتلائم المشاهد العربي، وحتى مع وجود القرآن وأذان الفجر والصلاة، فالفيلم يظل شديد الغربة، خصوصاً مع ظهور الشبح غير الآدمي والذي لا يصدر أي صوت أثناء سيره، والمؤثرات الصوتية الزائدة بالفعل عما يحدث على الشاشة، والأماكن المهجورة التي تعيش فيها الشخصيات على صوت الأمطار أو بوجود كلب حراسة مقفل عليه بدون سبب.