فيلم «المملكة» .. أخطاء كارثية وصور منمطة

عيوب لا يمكن تجاوزها سواء في تركيبته الدرامية أو تناسقه الفني

مشهدان من فيلم «المملكة»
TT

لم يعد من الخفي على ملاحظ ومشاهد في العقدين الأخيرين من الصناعة الهوليوودية، أنها وفي جلّ إنتاجاتها التي تسعى من خلالها لعولمة أعمالها، لا تلبث أن تتكشف عن خلل جسيم تعاني منه آلة الإعلام الأميركية، التي تثبت يوما بعد يوم بقصد أو من دونه أن المساحة التي تفصل أميركا عن بقية العالم لم تعد جغرافية وحسب، بل تتجلى في مناحي أخرى تشمل الحياة الاجتماعية والإنسانية والتواصل البشري بكافة صنوفه. وفيلم «المملكة» كوحدة متكاملة هو أحد تلك النماذج الحقيقية حول الصورة المصنوعة خلف جدران ستوديوهات هوليوود المحصنة، التي لا يستثيرها الفضول في استقصاء صورة حقيقية متجاوزة الصورة النمطية الهوليوودية الهزيلة التي تتمثل في تصاوير بطولية وصراعات سطحية وبليدة.

عندما أعلن عن عزم هوليوود إنتاج فيلم تدور أحداثه حول الإرهاب مسايرة لثيمة سينما الألفية الجديدة، وتدور أحداثه في السعودية، لم تقف التكهنات عند الصورة التي سيظهر بها السعودي في هذا الفيلم الذي يدور بشكل أساسي حول شريحة من شرائح مجتمعه، كنهها وشكلها، وهل ستنمطه كما نمطت الشخصية العربية قبل ذلك في العديد من أعمالها السينمائية. والحقيقة أن العمل كان ابسط من أن يطلق أحكاما تستثير الحديث والنقاش أو حتى تسترعي الانتباه. الفيلم تبدأ أحداثه باستعراض سريع لتاريخ العلاقة الأميركية السعودية منذ تأسيسها وتأثير التيار الديني على السياسة الخارجية والداخلية للمملكة في رؤية توثيقية ريبورتاجية سريعة لم تكن لها ضرورة درامية أو فنية، كما أنها لم تؤد غرضها التمهيدي المفترض سوى التلقين الخطابي وإيداع نتيجة مرغوبة في ذهنية المشاهد من دون وجود أي شواهد لاحقة لها. إلا أن الفيلم كان من المفترض أن يبدأ من اللحظة التالية التي يصور فيها مجمعا سكنيا يقطنه الأميركان في العاصمة الرياض وهم يمارسون حياتهم الاعتيادية كما يمارسونها في بلادهم تحت حماية عسكرية سعودية. وفي وضح النهار وبينما كان بعض السكان يلعبون الكرة مع أبنائهم داخل المجمع، يتم الهجوم عليه من قِبل جماعة إرهابية، ويتم تفجير ساحة الملعب. وبعد أن تصل أخبار العملية إلى داخل «إف. بي. آي»، يتفاعل بعض من عملائه (جيمي فوكس، كريس كوبر، جينفر جارنر، وجيسن باتمان)، الذين فقدوا في هذه العملية صديقا لهم يعمل داخل المجمع السكني المستهدف، مع العملية. ويسعى رونالد فلوري (جيمي فوكس)، حينها إلى الحصول على موافقة «إف. بي. آي»، للقيام بتحقيق مستقل داخل السعودية حول العملية والإطاحة بالجناة، ويسعى العميل لابتزاز السفير السعودي نظير حصوله على إذن بالدخول إلى الأراضي السعودية، وينال مراده وينتقل الفريق إلى السعودية، حيث يبدأ حينها فصل آخر من فصول الفيلم في علاقتهم وصراعهم مع الجهاز الأمني السعودي وعلاقتهم باللواء فارس الغازي، الذي كان المنسق السعودي لفرقة التحقيق الأميركية.

الفيلم عانى ومنذ انتهاء مشهده الافتتاحي، العديد من العيوب التي لا يمكن تجاوزها، سواء في تركيبته الدرامية أو تناسقه الفني أو صورته الفكرية السطحية، التي جعلت من جندي بسيط في جهاز المخابرات الأميركية يقوم بابتزاز سفير تربطه علاقة مباشرة وقوية برئيس الدولة، ثم يقوم وفريقه باستعراض خبراتهم عبر بديهيات أظهرت الجهاز الأمني السعودي بصورة ساذجة. فكيف يمكن لأي محقق أيا ما كانت خبرته، أن يفوته تجفيف حفرة الانفجار للبحث عن دلائل في الوقت الذي يظهر به الجندي السعودي منتصبا ومدهوشا من هذه «العبقرية» الأميركية. إن الفيلم ورغم عرضه لبعض الحقائق الدقيقة حول المجتمع السعودي وثقافته، إلا أنه ارتكب أخطاء كارثية لا تبتعد كثيرا عن الأخطاء التي ارتكبتها الأعمال العربية المنمطة التي تظهر الإرهابي بصورة نمطية في مظهره ومنطقه ونظرته وهي بعيدة كل البعد عن الصورة الحقيقة. لا شك أن مجتمعا يمارس انغلاقا اجتماعيا سيجعل العثور على حقيقة صادقة بسلبياتها وإيجابياتها أمرا عسيرا ومنهكا، إلا انه سيقوم في المقابل بدعم النسق الدرامي في الفيلم السينمائي. ويجدر بنا عندئذ الإشارة إلى المستوى المذهل والدقيق التي عالجت وتعالج به السينما الأميركية عصابات الجريمة المنظمة أو بعض الجماعات السياسية والسرية وخبايا الأنظمة البيروقراطية والقضائية الفاسدة، نتيجة الجهد المبذول في التحقيق والتنقيب والدراسة المستفيضة التي صنعت من تلك الشخصيات أرواحاً إنسانية تمارس عاطفتها الإنسانية كأي شخصيات أخرى يتضمنها العمل السينمائي من دون التحجيم من خطورتها أو إهمالها.

في «المملكة» لا تتجاوز الشخصيات بنيتها النمطية والمسطحة، مع غياب أي صراعات داخلها، وربما برزت شخصية فارس الغازي بشكل ايجابي وجيد جراء ذلك الصراع «الخجول» الذي يعانيه بين استقلاليته الشخصية واستقلال مجتمعه في مقابل التسليم والتعاون مع المحققين الأميركيين والوصول إلى حيث تكون الحقيقة.