مسلسل «الملك فاروق» .. سيمفونية درامية تعيد قراءة التاريخ

لميس وحاتم وجلالته

أحد مشاهد مسلسل «الملك فاروق» («الشرق الاوسط»)
TT

على الرغم من العراقيل التي واجهت خروج هذا العمل للنور بدءا من رفض السماح لفريق الماكياج الإيراني الذي طلب مجيئه لعمل ماكياج الممثلين، مروراً بعدم نجاحه في الحصول على تصريح بالتصوير في عدد من القصور الملكية التي وقع بها العديد من الاحداث، انتهاء بمشكلة العثور على نجم مصري يقبل بأداء الشخصية المحورية في المسلسل، إلا أن المخرج حاتم علي والدكتورة لميس جابر والممثل السوري تيم حسن، نجحوا جميعاً في تقديم عمل يجمع ما بين سلاسة التناول وصدقه، وفخامة الديكور وجمال الصورة المعبرة عن تلك الحقبة التاريخية التي كثيراًَ ما تعرضت للتشويه في العديد من الاعمال التلفزيونية والسينمائية السابقة التي أصرت على إظهار الملك فاروق في صورة السفيه، والعربيد السكير، العاشق للملذات أيا كانت نتيجتها. وليعيد فريق عمل المسلسل قراءة صفحة كثيراً ما أسيء إليها والي شخوصها الذين عاشوا فيها.

«فاروق هو حلم الليالي التي قضيتها أبحث عنه في كل الكتب والجرائد القديمة».. هكذا بدأت دكتورة لميس حديثها مؤكدة أن عمر ورق المسلسل تجاوز العشر سنوات من دون أن يجد من يخرجه إلى النور.

وأضافت: لا أعرف لمصلحة من يستمر تشويه صورة فاروق وإظهاره بمظهر الفاسد في كل شيء. لم أحاول أن أجعل من فاروق رمزاً أو ملاكاً في المسلسل، لكنني تناولته بحقيقته كما ذكرت الوثائق ومذكرات العديد من الشخصيات التي عاصرته، بالإضافة الى تفاصيل وظروف الأحداث السياسية التي وقعت في فترة حكمه. وقد شاهد الجمهور في المسلسل العديد من المفاجآت التاريخية التي لا يعرفها غير المتخصصين، مثل أنه لا وجود في التاريخ الملكي لمصر لما أطلق عليه صفقة الأسلحة الفاسدة التي كثيراً ما طنطنت بها كتب التاريخ المختلفة والتي قيل إنها وقعت في أثناء حرب فلسطين عام 1948 واتهموا فيها الملك بأنه السبب وراء شراء أسلحة فاسدة للجيش المصري. هناك فقط عمولة حصل عليها بعض المستفيدين من وجودهم حول الملك، كما أن الملك فاروق لم يذق الخمر في حياته ولو مرة واحدة كما صوروه سكيراً، فقط كان يتناول العصائر التي كان يحبها بكميات كبيرة، وغيرها من الأمور التي أتمنى أن تعيد الحق لتلك الشخصية التي كثيراً ما تعرضت للظلم.

حديث الدكتورة لميس صدّق عليه عدد من المتخصصين في التاريخ وفي مقدمتهم الدكتور خالد عزب، مدير الاعلام بمكتبة الاسكندرية والمسؤول عن مشروع جمع الوثائق المصرية التي تؤرخ للتاريخ المصري، حيث قال إن «الكثير من الوقائع التاريخية التي مرت على مصر، وبخاصة فترة ما قبل الثورة، كتبت من خلال وجهات نظر كاتبيها لا من خلال وثائق رسمية، وهو ما دفعه للبدء في مشروعه الخاص بجمع الوثائق لإعادة كتابة تاريخ مصر الحديث من خلالها». مشيراً إلى أن العديد من الاحداث التي ذكرت في كتب التاريخ، للأسف غير موثقة ولا تعبر عن التاريخ كما حدث.

الجانب الفني في المسلسل هو الآخر لعب دوراً بارعاً كي يخرج للمشاهدين بهذا المستوى، بدءاً بالمخرج حاتم علي الذي أعلن منذ اللحظات الأولى لعمله في المسلسل أنه لن يتخلى عن الثوابت التي دأب على العمل بها في أعماله السابقة وفي مقدمتها التصوير بكاميرا واحدة على عكس الجاري في تصوير الدراما التلفزيونية في مصر، التي تتم من خلال التصوير بثلاث كاميرات.

وعلى الرغم من تخوف البعض من نتائج التجربة في بداياتها، إلا أن الصورة التي تبدو في المسلسل تنبض بالحياة والتفاصيل وتمنحك الإحساس بأنك تشاهد عملاً سينمائياً لا تلفزيونيا. ليست الصورة وحدها كما يقول الناقد طارق الشناوي، هي التي منحت المسلسل ذلك التميز، بل الأجواء التي حرص المخرج على إبرازها لمنحنا الإحساس بتلك الفترة وطريقة الحياة بها، بدءاً من الشوارع والسيارات وملابس المجاميع والضوضاء المصاحبة لها، انتهاء بالديكور والملابس والماكياج والإضاءة وكافة التفاصيل الصغيرة التي منحت العمل في النهاية تألقًا ملحوظاً على الرغم من صعوبة الحصول على الكثير من التفاصيل التي تخص هذا العصر. الإنتاج المتميز أيضاً الذي تصدت له قناة الـ «إم بي سي» كان واضحاً بشكل أضفى الفخامة على أجواء العمل.

ويأتي أداء الممثلين الذين تقمصوا الشخصيات التي جسدوها، فكما تقول الناقدة أمال عثمان، رئيس تحرير مجلة «أخبار النجوم»، كان أداء النجوم رائعاً ومميزاً، وخصت في هذا الفنانة وفاء عامر التي قدمت دوراً لا شك سيغير الكثير في حياتها الفنية المقبلة، والفنان حسن كامي الذي لم نشعر للحظة واحدة أنه شخص آخر غير الملك فؤاد. أما الفنان تيم حسن، الذي جسد شخصية فاروق في صباه وشبابه، في رشاقته وسمنته، فقد كدنا ننسى على مدار مشاهد المسلسل أنه ممثل يؤدي دوراً في عمل فني، وصدقنا جميعنا أنه جلالة الملك فاروق بتلقائيته وبراءته وقلة خبرته في بعض الأحيان. ليصبح تيم ملك يستحق أن يحصل منا على انحناءة تقدير على صدق الأداء والتعمق في الشخصية التي لم يكن يعرف عنها الكثير، بالإضافة الي نجاحه في التخلي عن اللكنة السورية في الحديث ليصبح الملك فاروق ذا الجذور العلوية.

مسلسل «الملك فاروق» لا يقدم فقط حالة من الدراما التلفزيونية التاريخية الجميلة، لكنه يطرح أيضاً تساؤلاً مهماً ألا وهو: إذا كنا فقدنا لسنوات القدرة على كتابة تاريخ مصر الحديث بصدق وموضوعية، فهل سنترك تلك المهمة لكتاب الدراما ليعيدوا صياغة التاريخ وتقديمه لنا؟، وألا يطرح ذلك تساؤلاً اخر أكثر أهمية وهو: وما الذي يضمن لنا شفافية وموضوعية هؤلاء الكتاب؟.. الإجابة يسردها الدكتور يونان لبيب رزق، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر والمؤرخ الشهير الذي أكد أنه لا بديل لنا إذا أردنا كتابة التاريخ من الاعتماد على الوثائق التاريخية والمؤرخين المشهود لهم بالموضوعية.