آخر أفلام سعاد حسني

TT

رغم كل ما قيل وسيقال، ستظل نهاية الفنانة سعاد حسني مفجعة وملفها مغلقا وستظل هناك تساؤلات حائرة لان موتها ترك اكبر علامة استفهام تنتصب في حالة من اللاوضوح واللاحقيقة.

كانت تعيش بظل الفنان في لندن، وبتاريخ الفنان ولكنه ظل فنانة كبيرة اعطت واعطت ونالت اقل مما تستحق.

خبراء التصريحات الصحافية أدلوا بدلوهم، ولكن الذين يعرفون أدق التفاصيل عن حياة هذه الفنانة لا يتحدثون عنها كثيرا، أما الذين يعشقون التصريحات الصحافية ولا يعرفونها حق المعرفة يتوهمون انهم التقوا بها قبل رحيلها وحاوروها وتعشوا... وسهروا معها.

سعاد حسني لم تلتق باحد وهذه حقيقة وكل الذين طرقوا بابها وجدوه مغلقا والذين ادعوا ذلك كانوا يتوهمون هذه اللقاءات.

كانت علاقتها فقط مع بعض العائلات الكردية التي ارتاحت معهم وارتاحوا لها.

لم يعاملوها كفنانة شهيرة ولكن عاملوها كانسانة وجارة وحبيبة وصديقة بعد ان تخلى اقرب الناس عنها.

كانت تشد شعرها «الابيض» وتخفي وجهها وجسدها الذي انتفخ من الكبرياء.

كانت تتألم لوحدها وتصرخ لوحدها في صمت لا تشعر به الا الريح التي تحمل صدق معاناتها وآلامها.

كانت لا تتسول بنجوميتها وترضى بالكفاف..

كانت تهرب من الصباح وتشعر ان الليل صديقها الوحيد الذي يعطف عليها من الذين خانوها وتركوها وحيدة وصادروا ابتسامتها.

كانت شوارع لندن ولياليها تعرفها جيدا، والذين ادعوا انهم شاهدوها يتوهمون ذلك لانها كانت تخاف من المجهول.

ولكن على طريقة «قال لي» وتصريحات الاموات يتفنن البعض في الحديث عن الاموات ويتخيلون اجمل اللقاءات وان لهم معرفة بأدق التفاصيل، ولان الحوار مع ميت لا بد ان يكون من طرف واحد، تضيع الحقيقة وينكشف الوهم الخادع.

كانت تهرب من الذين يريدون ان يتاجروا بتاريخها ويسجلوا اسماءهم في كتاب حياتها وأنهم احسنوا اليها.

اتذكر رواية لاحد الاصدقاء المقربين الذين اثق بهم جيدا انها كانت تبكي بحرقة والم من محاولة راقصة حاولت ان تمد لها يد المساعدة وتنتشلها من الضياع، رغم ايماني بأن النية كانت حسنة وجميلة ولكن كبرياء سعاد وقف بالمرصاد لهذه المساعدة الانسانية.

يقول صديقي، كانت تتألم وكانت خائفة من ان يكتب في تاريخها ان راقصة ساعدتها وعطفت عليها.

ورغم ان لهذه الراقصة ايادي بيضاء مع اصدقائها والفنانين وان العلاقة الانسانية لا تعترف بمهنة.

كانت تبحث عن الامان النفسي ووجدته عند الاكراد وكانت تحب الكلمة الطيبة والعشرة الطيبة ولم تكن تنتظر الا الى الحب لانسانة والعطف لفنانة بحب اخوي.

كانت تقضي ليلها تسترجع مشاهد نجوميتها وتبكي بحرقة وتتألم لهذا الجحود والاخبار التي تتناقلها الصحف عنها والبعيدة عن الصدق والموضوعية.

كانت تشاهد افلامها وتتحسر على مرابع الطفولة وفراق الوطن. كانت خائفة من العودة الى تراب الارض التي احتضنتها وتراجع تفاصيل حياتها وتقارنها بماضيها وحاضرها وتضحك كثيرا وتبكي كثيرا على ادوارها وقسوة الحياة معها.

كانت تعيش كبرياء الفنان الذي ضحى وتكره المذلة.

كانت تهرب من نفسها في اوربيت وتلقاها في فيلم «الدرجة الثالثة» على الفضائية المصرية، تقلب الريموت كونترول، تجد نفسها في «الراعي والنساء» على MBC، وتهرب الى الفضائية التونسية وتعيش من جديد في مسلسلها الوحيد «هو وهي». وكلما تهرب من قناة تجد نفسها في قناة فضائية اخرى كأن هذا الاحتفاء الاخير بأعمالها جعلها تزداد حيرة واحباطاً.. كل شيء كان يذكرها بالجحود والنكران، والنجومية.

نهايتها مفجعة ومأساوية مثل كل النجوم الذين قتلهم الاكتئاب وقتلتهم الشهرة. والذين يعرفونها عن قرب يعرفون الانسانة التي ظلمها فنها وتاريخها.. واقرب الناس اليها.

رحمة بها اتركوها ترحل بسلام وبدون خيال فهذا هو الفصل الاخير من نهاية فيلم سندريلا الشاشة العربية من تأليفها واخراجها.. ولا عزاء للذين يتخيلون.