فيلم أيام السادات.. أم أيام أحمد زكي ؟!

بدأ بجنازة مهيبة وانتهى بلحظة اغتيال رهيبة وحاول أن يكون منحازا ففشل أو يكون موضوعيا فعجز

TT

علي أبو شادي لم تتلبس ممثل شخصية، ظلت تراوده وتلاحقه مثلما تلبست شخصية الرئيس الراحل أنور السادات عقل ووجدان الممثل الفنان احمد زكي، فطاردته في غدوه ورواحه، وصحوه ونومه، تستفز قدراته، وتستنهض طاقاته، وتتحدى امكاناته. بالفعل فإن شخصية السادات شخصية درامية بالغة الثراء، شغلت الدنيا كما انشغلت بها، تراوحت بين الفقر والثراء، بين الانتصار والانكسار، صعدت للقمة، وهبطت للسفح، اغتالت، واغتيلت، توارت في الظل، ونعمت بالاضواء تمسكنت، وتمكنت، تأمرت، وشربت، من نفس الكأس، رآه البعض بطلا للحرب والسلام، ورأى فيه اخرون رمزا للخيانة والاستسلام، أربك التاريخ، والجغرافيا معا، حول اصدقاءه الى مريدين وخصومه الى اعداء، استعان بوحش التطرف فانقلب عليه، صال وجال، صاعدا وهابطا، حمالا وضابطا، جمع في شخصيته بين ماكبث واخيل وبروكس، اغتبط بلقب الفرعون، والرئيس المؤمن ايضا شخصية شديدة الخصوبة، تمتلك كل مقومات الشخصية الدرامية النموذجية التي استحوذت على أحمد زكي الفنان ودفعته لان يتشبث بأدائها، مغامرا بما يملك وما لا يملك، حتى يحقق ذلك التحدي الذي احتشد بداخله، مستفزا ملكاته الابداعية، وموهبته الفائقة، خاصة بعد المستوى الرفيع الذي بلغه في أداء شخصية الرئيس عبد الناصر في فيلم «ناصر 56» فأنعش ذاكرة الأمة بسنوات المجد، راح احمد زكي على مدى عدة سنوات يفتش بين الكتاب والمخرجين من يحقق له امنيته في تجسيد تلك الشخصية الغنية بالتحولات والانفعالات، وبعد اتفاق واخفاق وخناق ووفاق مع العديد من الكتاب، عاد الى سيناريو احمد بهجت، والى المخرج محمد خان.

في «ناصر 56» اختار محفوظ عبد الرحمن ومحمد فاضل لحظة تاريخية هائلة في حياة الوطن، وتاريخ عبد الناصر، تعامل معها تفسيرا وتحليلا، بينما قدم صناع «ايام السادات» مسحا عشوائيا لحياة حافلة ركزوا فيه احيانا على ما يخدم أداء الممثل اكثر من كونه ملمحا دراميا «حديث السادات مثلا مع همت مصطفى» لذا تراوح السيناريو بين التلكؤ والهرولة، فعلى حين افرد مساحة كبيرة نسبيا للفترات الاولى في تكوين السادات ودوره في الحركة الوطنية وانتقاله من تنظيم الى تنظيم مبرزا دهاءه السياسي، دون النفاذ الى عمق الشخصية، هرول سريعا متقافزا بين الاحداث بعد ثورة 1952 ليلقي باشارة هنا أو شذرة هناك دون التوقف للتحليل السياسي أو السيكولوجي، فتكاثرت المواقف وجاءت متلاحقة، متناثرة، يجمع بينها مزاج احمد زكي، لذا، وبرغم كل هذا التكدس، فقد غابت عن الفيلم محطات كثيرة بالغة الاهمية في حياة السادات، وتاريخ الوطن مثل علاقته بعبد الناصر، وهي علاقة فريدة حيث لعب كل منهما دورا هاما في حياة الآخر، والمدهش ان صناع الفيلم اكتفوا من جمال عبد الناصر، بقفاه، ومن ثورة يوليو ببعض الصغائر، ومن ثورة الجياع باشارات خجولة، وافردوا، أو افرد احمد زكي لنفسه ـ وبفلوسه ـ اكثر من ثلاث ساعات نصفها مضجر وممل، كي يقدم لنا استعراضا في مهارات الأداء، وتنويعاتها، ودرسا بليغا في فن التمثيل، فتارة يقتنص لحظة درامية مفعمة بالانفعالات الداخلية، فترتد على صفحة وجهه تعبيرا بليغا مقتصدا، وان حمل العديد من الدلالات المتباينة «نظرته الى صورة ناصر حيث جلس لأول مرة على مكتب رئيس الجمهورية» أو يتراوح بين المحاكاة المثقفة أو التقليد الكاريكاتيري لشخص السادات متجاهلا الشخصية، أو يكتفي احيانا بالأداء الخارجي للحركة وطريقة التحدث، أو يتقمص الشخصية لدرجة التوحد، كل ذلك في سلة واحدة! فجاء الفيلم في النهاية تعبيرا عن أيام أحمد زكي، وليس عن «ايام السادات».

ان الفيلم الذي بدأ بجنازة مهيبة، وانتهى بلحظة اغتيال رهيبة حاول ان يكون منحازا، ففشل، أو يكون موضوعيا فعجز، وغازل كل الاطراف، ومن ثم اغضب كل الاطراف.